قراءة منهجية في العلاقة ما بين العصامية والتجربة.. محاولة لصنع الواقع

  • 3/3/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

البدايات تضع كل تجربة أو محاولة على أنها تجربة ومحاولة تعلّم وتدريب وليست محاولة أو تجربة إثبات، فعندما نلتقط خيط التفكير عند نقطة الصفر ندرك أنه ليس هنالك سلوك متفرد أو حالة خاصة أو يقظة فكرية أو ما يعرف بالحظ والمصادفة لصناعة النجاح.. في كتابه الرائع: MANIFEST YOUR DESTINY للكاتب الأميركي WAYNE W. DYER ينقل مقولة لألبرت أينشتاين: إن أجمل شيء يمكن أن نجربه ونعيشه هو البحث عن المجهول إنه المصدر الحقيقي لكل العلوم والفنون. في ثقافتنا نتجه إلى الحذر والمبالغة في التفكير فيما قد يكون في المستقبل على حساب الحاضر واستكشاف المجهول فمثلًا (لا تقدم على هذه الخطوة أو هذه الفكرة) أو (لا تتحدث مع الغرباء). كانت تلك الرسائل المبكرة في حياتنا طريقًا سلبيًا ومبكرًا إلى الإخفاق ورسائل ثقافية للتوقف عن محاولة التجريب وتضييع الفرص فإذا ما أدركنا أن الحياة مجرد سلسلة تجارب أدركنا حاجتنا إلى ارتياد واستكشاف المجهول وهذا بالضبط العامل الذي كنا نفتقر إليه.. فالتجربة لا تستهدي بعرف سابق أو قانون قديم وإنما تستهدي بأمل شجاع متوجه نحو المستقبل. فإذا كانت السلسلة الكاملة لخبرات البشر بين أيدينا فإنها تضعنا على محك التجارب فلنفكر في أولئك العصاميين الذين حققوا نجاحًا باهرًا في حياتهم فمثلًا الشيخ سليمان الراجحي كانت حياته سلسلة طويلة من التجارب والدروس والتحديات وكان في داخله عالم ممتد من الأفكار والتطلعات والطموحات. وأصبحت نتائج حياته سلسلة من النجاحات التي لا نهاية لها وصار جزءاً فاعلًا في التاريخ الاقتصادي الحديث كان في كل يوم له فكرة جديدة وقصة جديدة وحدث جديد وموقع جديد وإنجاز جديد وكان يتعامل مع الحقائق ويمارس تأثيرًا قويًا على حياته ويمضي في الأشياء إلى نهاياتها.. وكان الإيجابي في كل هذا أنه تابع أفكاره بقدر من الجدية والابتكار فإذا هي إنجازات ترجمها إلى أشكال مادية وعملية وهذا في النهاية هو خلاصة التجربة. وسويكيروا هوندا مؤسس شركة هوندا لصناعة السيارات بدأ من نقطة الصفر وارتاد المجهول ورهن مجوهرات زوجته لاستكمال فكرته الصناعية تأسيس شركة هوندا والتي تعد اليوم إحدى أهم إمبراطوريات صناعة السيارات في العالم.. والآن فكر للحظة واحدة كيف كان أولئك العصاميون الذين بدؤوا من منطقة الصفر وكيف صاروا اليوم؟ لقد صاغوا عوالم خاصة بهم فالتقدم بالنسبة لك أو بالنسبة للعالم يقوم على صورة أولئك المجددين العصاميين فلسنا في حاجة أن نكون دومًا على صورة الأعراف والتقاليد التي لم تعد صالحة للتطبيق في هذا العصر الحديث فالميل نحو إقحام حياتنا بالتقاليد والأعراف الاجتماعية - رغم أننا نفضل شكلًا آخر في الحياة - هو في الواقع اعتناق لأعراف جامدة مما يدفعنا إلى إعادة النظر في التقاليد القديمة. نحن اليوم في أكثر العصور ثراء في التاريخ علينا أن نكون مختلفين ليس من أجل أن نكون شيئًا وإنما من أجل أن نصنع شيئًا.. ففي كل النقاشات التي تحدث مع العصاميين المنفتحين على الإنجاز والذين حققوا نجاحًا مذهلًا في حياتهم يلخصون حركة كفاحهم في استكشاف المجهول وصناعة اللحظة. والواقع أن علاقة العصامي بالنجاح تبدأ من تلك اللحظة الحاسمة التي يرى العصامي نفسه فيها بكل وضوح أين هو وأين يقف واللحظة التي هو فيها عند ذلك يبدأ في تشكيل أفكاره وخياراته يضيف كل يوم إلى رصيده من التجارب مستهديًا بخياله أولًا وفضوله ثم يتحول هذا الخيال والفضول إلى محاولة لصنع الواقع.. ومحاولة فخطأ.. ثم محاولة فإخفاق.. ثم يأتي النجاح في النهاية وخلال هذا الطريق عرف ارتياد المجهول لذلك فربما يكون أول شعار أسقطه في حياته هو: ليس في الإمكان أبدع مما كان. فالبدايات تضع كل تجربة أو محاولة على أنها تجربة ومحاولة تعلّم وتدريب وليست محاولة أو تجربة إثبات فعندما نلتقط خيط التفكير عند نقطة الصفر ندرك أنه ليس هنالك سلوك متفرد أو حالة خاصة أو يقظة فكرية أو ما يعرف بالحظ والمصادفة لصناعة النجاح. وعندما تسأل أحدهم لا يستطيع أن يفسر لك سر نجاحه إلا أنه ارتاد المجهول وكان هنالك لحظات وتجليات ونزعات فطرية تجلت فيها أفكاره الملهمة والصادرة عن انبعاث تلقائي تقوت وتفاعلت وتصاعدت بالمحاولة والمتابعة والمثابرة ومحاربة التوقف عند حد معين.. فالارتباط المصيري بين العصامية والتجربة يتمثل في مدى انفصالك عن مسارك الاعتيادي إلى مسار آخر. في ستينيات القرن الماضي عندما بدأ الباحث الاجتماعي بريان تراسي في دراسة العصاميين في الولايات المتحدة الأميركية كان هنالك سبع مئة ألف مليونير بدؤوا من نقطة الصفر وبحلول الثمانينات -طبقًا لمركز IRS- وصلوا إلى مليون وثمان مئة ألف واليوم يوجد في أميركا خمسة ملايين مليونير عصامي بزيادة 227 % خلال 22 عامًا. كما أمضى د. توماس ستانلي من جامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية أكثر من ثلاثين عامًا يدرس الأثرياء العصاميون حيث عقد لقاءات مع مجموعة كبيرة من العصاميين الناجحين وقد نشر نتائج دراساته في مجموعات متنوعة من الكتب والدراسات البحثية. وقد توصل إلى أنه بإمكان أي إنسان أن يبدأ من نقطة الصفر وينجح ويكوّن مؤسسات ومنظومات تجارية وشركات فبعض الشركات الأميركية الكبرى بدأت من أحد المطابخ أو أحد المباسط أو الباعة المتجولين أو كرافانات المبيعات أو المنازل أو الكراجات كشركة كمبيوتر أبل. في اللقاءات التي أجراها د. توماس ستانلي مع أصحاب الملايين العصاميين اكتشف أن هنالك قاسمًا مشتركًا للنجاح إذ يرى أن من أهم الصفات التي يتصف بها العصامي إدارته لحياته على نحو مختلف عن الشخص العادي وتميزه بالفاعلية على الدوام ووضوح وجهته وهدفه وتكريس وقته للإنتاج لا يشغل وقته في التفاعلات الاجتماعية والمكالمات الهاتفية الشخصية وتصفح الإنترنت أو الشؤون الخاصة فطبقًا لبعض الدراسات يقضي العصاميون ما بين 70 إلى 80 ساعة أسبوعيًا في العمل. وأعتقد أن من أهم أسباب النجاح الهجرة أو الانتقال من بيئات ساكنة إلى بيئات متحركة فهجرة الروس فيما كان يعرف سابقًا بالاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة الأميركية حققت نجاحًا كبيرًا.. وهجرة الصينيين إلى سنغافورة وماليزيا وكندا وهجرة الحضارم واللبنانيين إلى مختلف دول العالم.

مشاركة :