«الحشد الشعبي» وقاموس نصرالله!

  • 6/7/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعرف الكثيرون معنى وماهية ودور «الحشد الشعبي» الذي يكثر الكلام عنه الآن في العراق، إلا بعد أن قام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بشرح ذلك عملياً على الأرض في لبنان. كان يقال، قبل شرح نصرالله، أن «الحشد» ليس سوى تجميع للميليشيات المذهبية الشيعية الموجودة أصلاً في العراق، وأن هدفه تعويض النقص في عديد الجيش وتسليحه و «ولائه الوطني»، وأنه بعد ذلك كله أقيم تلبية لنداء وجهه المرجع الروحي الشيعي آية الله علي السيستاني للدفاع عن الوطن بسبب «انهزامية» الجيش في مواجهة «داعش» الذي اجتاح قبل أكثر من عام حوالى ثلث الأراضي العراقية. في شرح السيد حسن الذي أشاد في آخر خطاب له بالتجربة العراقية هذه واعتبرها نموذجاً يجب تعميمه في حروب «محور الممانعة» في المنطقة كلها، أن «الحشد الشعبي» هذا ليس سوى الترجمة الحرفية للفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة من جهة أولى، وللحروب العشائرية والقبلية المتفلتة من أي قانون والخارجة على الدولة من جهة ثانية. ذلك أنه مباشرة بعد خطاب نصرالله هذا، الذي قال فيه أن عشائر منطقة بعلبك - الهرمل وعائلاتها (الشيعية) لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الإرهابيين والتكفيريين (السنّة) في جرود عرسال، رفعت لافتات في عموم المنطقة تؤيد ما ذهب إليه الأمين العام للحزب، كما أنشئ ما سمي «لواء القلعة»، تيمناً بقلعة بعلبك الرومانية الأثرية، ولكن قبل ذلك كله تحت العنوان إياه: «الحشد الشعبي» في لبنان. ماذا يعني ذلك في الواقع العملي؟ ليس سراً، لا في لبنان ولا عند نصرالله بالذات، أن منطقة بعلبك - الهرمل هي منطقة عشائر شيعية وسنّية وحتى مسيحية، وأن العلاقات في ما بينها تقوم على منظومة تقليدية من الأعراف والعادات التي يمكن أن يقال فيها أي شيء إلا أنها طائفية أو مذهبية ضيقة. وفي ظل هذا، لم يفعل ما يسمى «الحشد الشعبي» إلا أنه دفع هذه العشائر للتخلي عن موروثاتها وتقاليدها الاجتماعية أولاً، وجعلها تقف في مواجهة بعضها بعضاً على أساس طائفي ومذهبي لم تعرفه على مر تاريخها. ولا حاجة للقول أنه من البدهي أن يؤدي ذلك إلى تسلح العشائر الأخرى (السنيّة هذه المرة) إن لم يكن رداً تلقائياً يمليه العرف العشائري وربما حتى المذهبي، فأقله للدفاع عن النفس في وجه ما قد يعتبر تهديداً مباشراً، ليس لهذه العشائر فقط بل لكامل منظومة التقاليد المتوارثة تاريخياً بينها وبين غيرها من العشائر أيضاً. ولأن دعوة نصرالله، كما قال هو نفسه، جاءت بدعوى أن عشائر المنطقة ستقوم بما لم تقم الدولة به، أي طرد الإرهابيين من عرسال وجرودها، فإنه لا يكون بذلك «يمذهب» هذه العشائر فحسب، على خطورة هذا الأمر، إنما يحرضها ويشجعها كذلك (فضلاً عن أن يسلحها طبعاً) على الوقوف في وجه الدولة ومؤسساتها الشرعية وعلى رأسها الجيش... وصولاً الى اعتبار نفسها، مع الحزب أو حتى من دونه، سلطة بديلة عنها. ألم يحدث ذلك في العراق، سواء عبر قيام وحدات «الحشد الشعبي» بمهام الجيش في ما سمي سابقاً «تحرير تكريت»، والآن استعادة مدينة الرمادي، أو عبر اقتراح البنتاغون والكونغرس الأميركيين تسليح البيشمركة الكردية من جهة، والعشائر السنّية من جهة ثانية، من دون المرور بالحكومة في بغداد؟ وما كانت نتيجة ذلك غير إدخال العراق، كما بات معروفاً لدى الجميع الآن، في حرب أهلية لن تؤدي في النهاية إلا إلى تقسيمه عرقياً وطائفياً ومذهبياً وربما حتى عشائرياً أيضاً؟ وعلى التباين في التسمية، ألم تكن محصلة أعـــمال «فرقة الشبيحة» في سورية أولاً، ثم «قوات الدفـــــاع الوطني» لاحقاً، ما لم يعد سراً كذلك، عن رســـم حدود دويلة بشار الأسد بين دمشق وحمص واللاذقية (حرب «حزب الله» في منطقة القلمون وجرود عرسال جزء من هذا الترسيم) وترك باقي الأراضي السورية رهينة حروب أهلية مديدة؟ وفي اليمن أيضاً، ألم يكن التلاعب بالقبائل والأفخاذ، فضلاً عن المذاهب، واللجوء إلى تسليح بعضها في مواجهة البعض الآخر، جزءاً من الخطة الإيرانية للتسلل إلى الجزيرة العربية وتوريط اليمن وشعبه في حرب أهلية وقبلية ومذهبية لم تفعل إلا أنها أتت على الأخضر واليابس فيه حتى الآن؟ واقع الحال أن مصطلح «الحشد الشعبي» في قاموس إيران الفارسي، وفي قاموس نصرالله الذي لا يزال يدعي أنه عربي، هو هذا ولا شيء غيره: الحرب الأهلية، المذهبية من ناحية، والعشائرية من ناحية ثانية، في كل بلد عربي على حدة... ولا هو «حشد» ولا «شعبي» بالطبع، إنما ضرب دائم وفي كل مكان وزمان وحين على وتر الفتنة المذهبية. ومن خلالها فقط، بل من خلالها من دون غيرها، يمكن الحلم بـ «الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وعاصمتها بغداد» أو غيرها من العواصم الأربع التي احتفل أتباع «الولي الفقيه» بسقوطها في أيدي إيران.

مشاركة :