ليلة العرس (ليلة واحدة في العمر)..!! علي صالح طمبل في مجتمعنا السوداني يجوز في ليلة العرس ما لا يجوز في غيرها؛ باعتبارها كما يقال ليلة واحدة في العمر قد لا تتكرر؛ لذا يُغَضُّ فيها الطرف عن كثير من الأخطاء والتجاوزات التي قد لا تُمَرَّرُ في غيرها. في ليلة العرس يجوز التبذير والإسراف وشراء ما لا تدعو الحاجة إليه؛ حتى يظهر العروسان والعرس بمظهر زاهٍ من ابهة والجمال والفخامة، حتى وإن كان العريس من ذوي الدخل المحدود، ولا يهم إن أنفق ما بين يديه وما خلفه وجاوز اربعين عاماً من أجل أن يعد العدة لتغطية النفقات المفتوحة لتلك الليلة، مستجيباً برحابة صدر للطلبات المهمة وغير المهمة من العروس وأهلها وحاشيتها! ولعل تبعات تلك الليلة الواحدة هي التي تجعل العريس بعدها يفقد طعم الفرحة، فقد فرح اخرون وطربوا وأثنوا على الحفل وترتيباته، وتركوه وحيداً يجتر سجلاً ضخماً من الديون، قد ينفق عدة سنوات في سداده، بل قد يكون سبباً في نشوء الخلافات الزوجية فيما بعد، أو الوصول إلى طريق مسدود نهايته الطلاق! أما الغناء فهو في ليلة العرس أشبه بالواجب، وإذا امتنع عنه العريس؛ لأنه يرى حرمته أو ليس لديه المقدرة على دفع تكلفته، انبرى من أهله او أصدقائه من (يدق صدره) ويتصدى لهذا الأمر ويعلن أنه سيتكفل بقيمة المطرب وجوقته! والحالة الوحيدة التي تجعل الناس يكفُّون عن ملاحقة العريس ملحِّين على أهمية الحفلة الغنائية حتى يطرب الناس بزعمهم ويفرحوا بهذه الليلة: هو وفاة أحد أقرباء العريس أو العروس، وليس مخافة الله تعالى! حتى سأل أحد الذين سئموا كثرة الحفلات الغنائية في ذلك الحي مازحا مع قريب العريس: ألم يُتَوَفَّ أحد أقربائكم هذه المرة حتى تتركوا هذه الحفلة؟! وإذا اقيمت الحفلة الغنائية فلا يراعي للجيران فيها حرمة، فيظل ذلك المطرب أو المطربة يغني بمكبرات الصوت المرفوعة لأعلى مدى حتى الحادية عشرة مساء، فلا يترك لمتعَب نوماً ولا لمريض راحة، وإذا اعترض عليهم أحد أبرزوا له تصديق الجهات المسؤولة، مع أنه في كل العالم المتحضر لا يسمح القانون باستخدام مكبرات الصوت إلا في القاعات المغلقة! أما أغاني ليلة العرس، فيجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، ولو استخدم أحد كلماتها في غير تلك الليلة لَعُدَّ سفيهاً قليل الأدب، حتى سميت تلك اغاني باغاني الهابطة! على شاكلة (حنان دي معذبانا وساكنة الحي معانا)، (جك جرك سحبوه مني)، (سجمي القرد) (البنسلين يا تمرجي)! ولا تستغرب إن رايت شيخاً ذا عمامة يردد تلك الأغاني مع المطرب هازا رأسه أو مطقطقا أصابعه، بصحبة زوجته وبناته المتبرجات، وربما تركهن يدخلن حلبة الرقص دون أن يبالي، أو صال وجال بين الحضور يهز أصبعه السبابة فيما يسمى في العامية السودانية بالتبشير، وقد كان قبل لحظات في صلاة المغرب أو العشاء! أما توقيت حفل الغناء فقد يكون عصراً في يوم ما يسمى بحناء العروس التي تسبق ليلة العرس، وقد يستمر من العصر إلى ما بعد العشاء، ولا تستغرب إن جئت إلى المسجد وكان صوت المغني أو المغنية يصدح حتى يخلط صوت القرآن بصوت الغناء، دون حياء يدعو للتوقف من أجل الصلاة أما في ليلة العرس، فالوقت الرسمي للحفل الغنائي يمتد حتى الحادية عشرة مساء، فإذا أرادوا للحفل أن يتواصل حتى مشارف الفجر فلا يجوز ذلك إلا بـ(تصديق). ويجوز في ليلة العرس أن تظهر العروس من مفاتنها وتقاسيم جسدها ما لا تظهره في غيرها من المناسبات، ويجوز لمصوري الحفل أن يأخذوا لها صورا من زوايا متعددة لها وللمدعوات اللاتي يقتدي بعضهن بها في لبسها المتبرج، خاصة قريباتها وقريبات العريس! وفي ليلة العرس هناك طقوس تقام ذات عقيدة مرتبطة بعصور الوثنية وما قبل اسلام، مثل الجرتق الذي يقام للعروسين بعد عودتهما من الحفل، إذ يعتقد الكثيرون أن الجرتق لا بد منه للعروسين وإلا (انكبسا) وأصيبا بالعقم. وهكذا يصرون بعلم أو بغير علم على إحالتنا إلى عصور الخرافة والجهل! إنها قد تكون ليلة واحدة في العمر كما يقولون، لكنها قد تجر معها تبعات وويلات تعود بالضرر على من ساهم في إقامتها وشارك فيها في دنياه وآخرته، ولعلها قد تكون آخر ليلة في حياته يختم له بها؛ و(إنما اعمال بالخواتيم) كما في الحديث الشريف.
مشاركة :