في الوقت الذي يطلق فيه الاتحاد السعودي للرياضة أول دوري كرة قدم نسائي ضمن"خطة المملكة للنهوض بحقوق المرأة" ما تزال ناشطات قابعات في السجون لمطالبتهن بنفس الحقوق. فهل يتعلق الأمر بمبادرة اصلاحية أم مجرد وسيلة دعائية؟ أعلن مسؤولون سعوديون عن اطلاق أول دوري كرة قدم للسيدات، في سابقة من نوعها بعد أن كانت السيدات حتى وقت قريب غير مسموح لهن بممارسة نشاط رياضي في المجال العام. و تأتي هذه المبادرة في إطار سلسلة من الإصلاحات التي بدأتها المملكة وخصوصا بقيادة ولي العد الأمير محمد بن سلمان، في محاولة تتأرجح بين ضغوط عناصر أوساط محافظة في المجتمع السعودي ومطالب قوى ليبرالية، بموازاة ضغوط خارجية. لكن هل تتسق هكذا خطوة مع وجود العديد من الناشطات في السجون لمطالبتهن بتحسين أوضاع المرأة السعودية؟ سؤال يطرحه مراقبون لتطور الأوضاع في السعودية وخصوصا ما يتعلق بحقوق المرأة. في تعليقها على هذه الخطوة، انتقدت منظمة العفو الدولية استعمال السلطات لمبادرة تأسيس دور نسائي لكرة القدم، للتعتيم على ما وصفته بـ"الأوضاع المتدنية لحقوق الإنسان". كما لاقت الخطوة ترحيباً حذراً من خبراء رأوا فيها انجازا للمرأة السعودية. وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الاوسط في منظمة العفو الدولية، إن السعودية تستغل الرياضة كأداة دعائية لتجميل صورتها على الساحة الدولية. وأضافت أن أي تحسين لأوضاع المرأة في السعودية يمكن الترحيب به "فقط اذا شمل المناضلات اللاتي حاربن عقوداً لنيل هذه الحقوق". بينما ترى شارلوت ليزا، التي كتبت اطروحتها عن كرة القدم النسائية في السعودية و قطر بجامعة أوسلو في النرويج، بأن محاولة تحسين صورة المملكة ليس الهدف الوحيد من اطلاق الدوري النسائي. إصلاح بطيء و قيود مجتمعية وابتداء من شهر مارس/ آذار تنطلق المنافسة للسيدات فوق سن السابعة عشر في جدة والرياض و الدمام. وستفسر التصفيات عن فائز اقليمي يلتقي مع نظرائه في بطولة الكأس التي تبلغ جائزتها خمسمائة ألف ريال سعودي (120,679 يورو/ 133,333 دولار أمريكي). وهذه ليست المشاركة الأولى للسيدات في المجال الرياضي، ففي العام الماضي قام فريق نسائي لكرة القدم بتمثيل المملكة في بطولة إقليمية في ملاعب مغلقة، كما يعود تاريخ انشاء أول فرق كرة قدم نسائية الى عام 2006. كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في السعودية..في عام 2018 برز ظهور المرأة لأول مرة في ملاعب سعودية و رغم هذه البدايات الا أن العديد من اللاعبات اشتكين من تعرضهن للانتقاد من التيارات المحافظة في السعودية التي تمارس ضغطاً على العائلات والسيدات لمنعهن من اللعب. لا تمثل الأوضاع الداخلية العائق الوحيد، فحتى عام 2014 لم يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يسمح للاعبات بارتداء غطاء الرأس في الملاعب. و سُمح بحضور مباريات كرة القدم للسيدات لأول مرة في اقسام مخصصة للعائلات في عام 2018، و في العام التالي تم السماح بالاختلاط في المطاعم و حصلت السيدات على حق القيادة بدون مرافق. و لكن المرأة السعودية لا تزال تعاني من القيود المجتمعية، فمثلا، لا يعتد بشهادة المرأة مثل الرجال في المحاكم السعودية، و يمكن أن تتعرض للإيقاف بسبب ارتدائها لباسا "غير محتشم"، أو أن تسجن أو تجلد بتهمة عدم الطاعة. كما أنه غير مسموح لها بإنشاء حساب بنكي أو الزواج دون إذن. فهل ستغير هذه المبادرة الرسمية من الوضع؟ بالنسبة لمحفوظ عمارة، الاستاذ المتخصص في السياسات الرياضية بجامعة قطر، فان دوري كرة القدم النسائي يرسل رسالة قوية، لا سيما للتيارات المحافظة، مفادها أن المملكة جادة في خطتها الإصلاحية. كما يرى الخبير عمارة بأن الدوري النسائي يعتبر محاولة لقياس مدى التقبل الداخلي لهذه الإصلاحات. مواقف متناقضة وفيما بدأت المرأة السعودية تحقيق جزء من الكتسبات والحقوق والحريات، فان العديد من الناشطات الحقوقيات اللاتي كافحن سنوات للحصول على هذه الحريات لازلن يقبعن في السجون. لجين الهذلول، ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة السعودية، معتقلة منذ مايو/أيار 2018 لتضامنها مع حملة قيادة المرأة للسيارة في السعودية و رفضها لوصاية الرجل على المرأة، المعروف باسم"ولاية الرجل على المرأة". و في الوقت الذي سمحت فيه السلطات السعودية باستضافة مشاهير عالميين مثل المغنية الأمريكي ماريا كاري في العام الماضي، أصدر أمير مكة خالد الفيصل منذ أيام قليلة أمرا بإيقاف المغنية ايسل سلاى بتهمة "الاساءة لعادات و تقاليد أهل مكة" بعد نشرها لأغنية راب بعنوان "بنت مكة" أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وعرضت المغنية لإهانات عنصرية بسبب جذورها الإرتيرية. كما تعرضت الصحفية في دويتشه فيله DW روى حلاق لاتهامات بالعمل لصالح مؤسسة معادية للسعودية بعد تغطيتها للأغنية في تقرير. و قد نفت مؤسسة DW هذه الاتهامات على حسابها بموقع تويتر. ويبدو أن طريق الإصلاح في مجال حقوق المرأة في السعودية ما يزال طويلاً، و قد تساهم الخطوات الرسمية في تعزيز مجهود المجتمع المدني لتطوير أوضاع المرأة وتدعيم حقوقها. وتعتقد شارلوت ليزا ان هناك طرقاً كثيرة للتغيير، فسماح الدولة رسمياً للمرأة بممارسة الرياضة في المجال العام قد يساعد في تغيير الموقف المجتمعي الرافض لهذا النشاط. توم أليسون/ سلمى حاد
مشاركة :