حسني مبارك مقاتل شجاع لم يهرب من وطنه بالرغم من سهولة ذلك لسنا في وارد الدخول في مماحكات سياسية بأسلوب «مع وضد» أو «زين وشين»، فالرجل في رحاب الله بما له وبما عليه. فحسني مبارك (رحمه الله) بشر كسواه من البشر الآخرين أخطأ وأصاب والتاريخ سيحكم له أو عليه، لكننا منزعجون من حملات الشماتة في موته وما رافقها وصاحبها من تهكمات لا تليق بحضرة الموت كما علمنا ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، فللموت هيبته وللميت احترامه ومراعاة مشاعر أسرته ومحبيه من مواطنيه هم كثر، فلماذا الخروج عن الناموس العربي والاستغراق في الشماتة من الموت؟ ولن نتكلم عن حسني مبارك الرئيس والسياسي، ولكننا نقدمها إشارات وتذكيرات بحسني مبارك العسكري المحترف، صاحب الضربة الجوية الأولى في حرب أكتوبر، وأحد المكرمين من المقاتلين المصريين النجباء آنذاك. حسني مبارك طالب في كلية أركان حرب وأحد أساتذته في الكلية كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعبدالناصر أصدر أوامره بترقية المرحوم حسني مبارك في سلاح الطيران، ما يشهد له بأنه كفاءة عسكرية متميزة، تشفع له أمام هذه الحملات المغرضة التي تسعى للنيل من تاريخ العسكرية والانضباطية في مصر العربية، كما تسعى للنيل من رموز مصر لصالح جماعات معروفة كانت ضد عبدالناصر وضد السادات وهي التي اغتالت السادات رحمه الله. اعتبروا حسني مبارك العسكري امتدادًا لهم وللعهد بغضّ عما اختلف فيه حسني مبارك عن السادات، كما اختلف أنور السادات في أسلوب حكمه ورئاسته عن عبدالناصر. حسني مبارك مقاتل شجاع لم يهرب من وطنه ولم يغادر مصر بالرغم من سهولة ذلك لو أراد، وطرح عليه البعض فكرة المغادرة ولكنه رفض، وأعلن في خطاب له في أيامها «على هذه الأرض ولدت وفيها أموت». هو جزء من الوفاء لمصريته، وهو جزء من روحه العسكرية المقاتلة حتى وهو في شيخوخته والشارع ضده. خضع وقبل بالمحاكمة التي امتدت أسابيع طويلة، وأصدر القضاء المصري النزيه تاريخيًا حكمه ببراءته، وخرج من السجن إلى داخل مصر ولم يفكر بمغادرتها وفيها مات. قيل عن ثروته الكثير وترددت أرقام وأرقام حتى وصلت المزايدة إلى سبعين مليار دولار، وللأسف ردد مثل هذه الأقوال المرسلة المرحوم الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، وطلب محامي حسني مبارك الأستاذ فريد الديب استدعاء هيكل للإدلاء بمعلوماته عن هذه الثروة المزعومة، فقال هيكل «إنه قرأ ذلك في تقارير صحفية»، ولم يعتد بها النائب العام المرحوم حامد الجوهري، ليخرج هيكل منتظرًا حكم القضاء المصري الذي برَّأَ مبارك رحمه الله. ومشكلتنا التي تضاعفت أضعافًا هذه الأيام اعتمادنا على الأقوال المرسلة وحتى على الاشاعات المكذوبة وترديدها دون تيقن ودون مراجعة ودون تحسب لعواقبها ونتائجها. وحسني مبارك تناولته إشاعات كثيرة في زمن انتشار السوشال ميديا ووسائل الاتصال فأعملت فيه معاولها بلا رحمة. لا ندافع هنا عن فترة رئاسة حسني مبارك، لكننا لاحظنا من خلال متابعاتنا أن الكثيرين ممن هاجموها بعنف عام 2011 تراجعوا عن هجومهم، والبعض منهم اعترف بأنهم تحاملوا على الرجل. والشأن المصري خاص بالأخوة المصريين فهم الأقدر والأحق في الحديث المسهب عنه، أما فيما يتعلق بالراحل حسني مبارك فانطباعنا عنه نحن أبناء الخليج انطباع طيب وجيد، فالرجل وقف إلى جانبنا في كل المنعطفات والمراحل، وهو ما نحسبه له ولن ننساه او ننكره، فليس من طبعنا النكران، والنسيان لم يخترق ذاكرتنا. حسني مبارك اليوم في ملكوت رب العالمين، وحسابه وثوابه هناك عند أعدل العادلين، وإننا لنعجب كل العجب من بعض الذين نصبوا له المحاكمات من جديد، وراحوا يترافعون ضده وقد توفاه الله، وهي محاكمات ثأرية انتقامية لن تستوقفنا تفاصيلها وما جاء فيها ويكفي حسني مبارك حكم القضاء المصري المشهود له بنزاهته طوال تاريخه. وحتى هذا القضاء بتاريخه النزيه ومسيرته المعروفة لم يسلم من هؤلاء بعد إصدار أحكامه بالبراءة، وراحوا يغمزون ويلمزون من أحكامه، دون أن ينتبهوا او يفهموا أنهم يغمزون ويلمزون ويتطاولون على جزء مهم من تاريخ بلادهم وهو القضاء المصري المعروف تاريخيًا بنزاهته. لكنها الأهواء السياسية والنزوع الانتقامي وثقافة الثأر تفعل فعلها وتؤدي بأصحابها إلى المهالك. ورحم الله حسني مبارك بما له وبما عليه.
مشاركة :