أصبح وجود باعة السواك في منطقة جدة التاريخية ظاهرة لا تخطئها العين، فغالبيتهم من كبار السن الذين أفنوا عمرهم في تلك المهنة ولا يعرفون سواها، يفترشون الأرض على قارعة الطرق وأمام المساجد والمحال، ينتظرون زبائنهم من المارة والمصلين، مكتفين بما تجود به تجارتهم، يرون فيها نوعا من مساعدة الناس على اتباع إحدى سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فغالبيه بسطاتهم من الحصير ويغطون بضاعتهم بالخيش المبلل بالماء للحفاظ عليها من الجفاف. خبرة 7 عقود التقت «المدينة» خلال جولة لها في المنطقة التاريخية عددا من الباعة الذين أكدوا اعتزازهم بهذه المهنة، حيث قال العم سالم «70 عاما»: أنا من القدامى في هذه المهنة وأتواجد كل يوم من الساعة 7 صباحا حتى بعد صلاة العشاء». ومن خلال حديثه يشعرك بأنه خبير في أنواع المساويك، قائلا: «تختلف وتكثر أنواع المساويك فمنه الحار ويستخدم لتنظيف الأسنان من الجراثيم والميكروبات وإزاله الطبقة الصفراء، فيما البارد فيعتني بالأسنان السليمة». وأضاف: «الحار يتميز بعدم استقامته واللون الفاتح أما البارد فهو ذو ألياف لينه ومستقيمة وأقل حرارة»، لافتا إلى أن شجرة الأراك تشبه شجرة الرمان في شكلها، إلا أن أوراقها بيضاوية وملساء متقابلة ودائمة الخضرة طوال فصول السنة وازهارها صفراء مخضرة». وتابع: «السواك يؤخذ غالبا من جذور الأراك البالغة من العمر ما بين السنتين والثلاث»، مفيدا بأن سعر السواك المأخوذ من الأراك ذا قيمة مرتفعة، وسعره ينخفض إذا أصبح جافا. مهنة بالوراثة وليس ببعيد عن العم سالم يجلس مصعب عمر تحت حرارة الشمس بعد صلاة الجمعة أمام أحد المساجد وحوله الزبائن، وبعد أن انفضوا من حوله، قال: «أمارس تلك المهنة منذ 45 عاما، فقد ورثتها عن أبي الذي ورثها هو الآخر عن جدي - رحمهما الله -». وأكد حبه للمهنة التي وصفها بأنها رائعة ومربحة قائلا: «دخلي يختلف حسب المواسم حيث يتراوح ما بين 60 و250 ريالا في اليوم، وشهر رمضان يعد الأوفر، إذ يقبل الصائمون على شرائه». وتابع: «لقد بدأت هذه المهنة منذ أن كان عمري 13 عاما، وكنت ملازما لأبي، الذي كان يجلس من بعد صلاة العصر حتى العشاء». وأضاف: يوجد شجر الأراك من فصيلة السواك الحار في الساحل الغربي وفي بطون الأودية والسهول وتكون أغصان الأراك في هذه المناطق لينة». وأشار إلى أن هذا النوع يشهد إقبالا كبيرا من الزبائن، خاصة الأفارقة أما البارد فينمو في المناطق المستوية، مفيدا بأن من فوائد السواك إعطاءه الفم رائحة طيية ويقوي اللثة وينشط الدورة الدموية، بالإضافه إلى علاج الصداع وإزاله اصفرار الأسنان». تحذير أما أبو رنا (66 سنة) فيجلس بالقرب من مسجد الشافعي وسط حارة المظلوم، التي يكثر فيها باعة المساويك بأنواعها المختلفة، فيشير إلى أنه بإمكان المستهلك تمييز المسواك الجيد عن سواه، قائلا: «السواك الذي له طعم ورائحة ولون قشرته قريبة إلى البني فمنقوع في ماء لمده طويلة ولا يعطي الفائدة المرجوة منه ويكون غير صالح للاستخدام الآدمي». ولفت إلى أن سعر حزمة المساويك غير ثابت، حيث يتراوح سعرها ما بين 250 و300 ريال، لافتا إلى أن المستهلكين يقبلون على المساويك ذات اللون الأخضر. وقال: «الحصول على الأراك يتطلب حفرا قد يمتد إلى مترين تحت شجرته»، ملمحا إلى أن المساويك كبقية البضائع تتعرض في أوقات معينه إلى الكساد، وما يلزم البائع الاستمرار في هذه المهنة هو دعاء الزبائن بالأجر عندما يقتنونها منه. ربح وفير وافاد محمد العتيبي 45 سنة أن دخله الشهري من خلال بيع المساويك يصل إلى 1400 ريال شهريا ويرتفع خلال موسمي الحج والعمرة وشهر رمضان إلى أكثر من عشرة آلاف ريال، مبينا أنه يتوجه إلى رؤوس الجبال في جنوب المملكة المعروفة بوجود الأراك والبشام ويقطف غصون هاتين الشجرتين ومن ثم بيعها في منطقة البلد، قائلا: «توارثت هذه المهنة عن الأجداد الذين كانوا يجلبون المساويك من منطقة الليث إلى أسواق جدة». المزيد من الصور :
مشاركة :