ضمن جلساته الشهرية، أقام «مختبر الفلسفة والفكر النقدي»، جلسةً نقاشية، ناقش فيها كتاب «المادية المقاتلة»، للمفكر الروسي جورجي بليخانوف، في مقر «المنبر التقدمي»، مساء الأربعاء (26 فبراير)، مستعرضًا خلالها رد بليخانوف على العالم والطبيب الروسي ألكسندر بوجدانوف، عبر ثلاث رسائل، تشكل مضمون الكتاب، رفض من خلالها أطاريحه الفلسفية، التي تأثرت بالمنظورات الفلسفية التي نشرها الفيزيائي والفيلسوف النمساوي إرنست ماخ، أو ما أطلق عليه هذا الأخير بـ«التجريبيبة الآحادية».وتساءل المشاركون في الجلسة، عن السبب الذي دعى مؤلف الكتاب، وإلى جانبه لينين، رؤية هذا الجدال الفلسفي صاحب الأهمية القصوى، مرجعين بأنه نابع من كون «الثورة المضادة لا تظهر في السياسة وحسب بل في الفلسفة أيضًا، من خلال كون الصراع الآيديولوجي تعبيرًا حقيقيًا عن الصراع السياسي».ولفت المشاركون إلى أن بوجدانوف تأثر بـ«التجريبية الآحادية»، التي تفيد بأن «البشر هم مجموعة من تركيب معقد من التجارب المنظمة، وهذا التنظيم التجريبي هو نتاج التنظيم الاجتماعي نفسه»، وبالتالي «كلما كان الفكر البشري منظمًا أكثر كان أقدر على تقويم وفهم الحياة المادية الملموسة»، وهذا ما حدا ببوجدانوف للاعتقاد بأنهُ «ليس العالم الموضوعي هو الذي يقوم الفكر البشري بل الفكر البشري هو الذي يقوم العالم الموضوعي، فالعالم الموضوعي هو نتاج عملية ذهنية ذاتية»، وهو ما عارضهُ بليخانوف، بوصفه «تصريح واضح للفكر المثالي تحت حلة الفكر المادي، ووجدها نزعة مضادة للثورة ضمن الحركة الثورية نفسها».كما تطرق النقاش إلى الحصيلة الفلسفية من الجدال الذي دار بين بليخانوف وبوجدانوف والمرتكز حول ارجحية كون التفكير البشري نتيجة العالم الموضوعي، وبالتالي يقع هذا العالم خارج التفكير البشري، أم كون العالم الموضوعي نتيجة التفكير البشري، وبالتالي يرتبط به ارتباطًا وثيقًا، مرجحين بأن الجدال لا يترك تأثيره في الفلسفة وحسب، إذ «يكمن الجدال العظيم ما بين كون العالم الموضوعي شيئًا في ذاته، أو كونه معروفًا لنفسه؛ أي شيئًا في ذاته لكنه ينزع نحو أن يكون مفهومًا»، ما ينعكس على المفاهيم العلمية، التي راح النقاش صوبها، حين ربط المشاركون الجدال القديم بالاكتشافات العلمية الحديثة، مستحضرين النقاش الذي دار بين آينشتاين، وأنصار فيزياء الكم أو (تفسير كوبنهاغن)، متسائلاً بعضهم: «هل يحرر مفهوم (اللايقين) عند هايزنبرغ فكرة المادة من خضوعها لمبدأ حسمي، وربما وجودي، للحركة الفيزيائية للمادة نفسها؟»، فحقيقة تعيين صفة اللايقين في حركة المادة تعني تحريرها من أي مبدأ وجودي فلسفي أو حسمي غائي مسبق، «وذلك ما قام به رواد فيزياء الكم على عكس آينشتاين الذي تمسك بالنظرة الواقعية والحسمية للعالم الموضوعي المادي».بيد أن المشاركين الآخرين رفضوا هذا التفسير، مؤكدين بأنهُ «لا يجوز الخلط ما بين الخطاب الفلسفي، وما بين الخطاب العلمي؛ فالفلسفة تطرح الأطاريح، وتخلق المقولات، والعلم يطرح الفرضيات وصولاً بها إلى المستوى النظري».ولفت أنصار هذا الرأي إلى أن «الاكتشاف الذي أحدثه مجال فيزياء الكم هو مجال علمي، لكن التفسيرات (التي انتقلت إلى نقاشات فلسفية)، وجدت لتدعيم هذه العلمية أو لدحضها».
مشاركة :