أكثر من 90 عاما تمرّ اليوم على معاناة الشعب العربي في منطقة الأحواز العربية؛ مما يجعل المتابعين للقضية الأحوازية يطرحونها كقضية احتلال، لا تقل عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، نتيجة وجود الممارسات العنصرية نفسها، والقمع نفسه، وكل تفاصيل الاحتلال لشعب لا ينتمي للدولة التي تحتل أرضه وإمكاناته الثقافية ومقدراته الاقتصادية والطبيعية. ويقع إقليم الأحواز الذي عُرف بإقليم "عربستان" في جنوب شرقي العراق وجنوب غربي إيران، تسكنه قبائل شهيرة من الجزيرة العربية، ومن زعمائها الشيخ خزعل الكعبي سليل قبيلة بني كعب التي نشأت إمارتها في هذا الإقليم منذ عام 1724، وأهم مدنها عاصمتها المحمرة، وكانت إمارة مستقلة عن نفوذ الدولتين المتصارعتين (الصفوية والعثمانية)، إلى أن وافقت بريطانيا على ضمها إلى مملكة إيران التي أنشأها الشاه رضا بهلوي عام 1925، باعتبارها منطقة غنية بالنفط، وتقع فيها مدينة عبادان الشهيرة التي أسسها الكعبيون ميناء لهم على الخليج العربي، وعاصمة الإقليم هي المحمّرة وتسمى اليوم بالأحواز، وتعتبر حاليا ضمن محافظة "خوزستان" وهو الاسم الفارسي للإقليم، الذي يبلغ سكانه -بحسب الإحصاءات الإيرانية الرسمية- قرابة مليوني نسمة من العرب. والعنصرية الفارسية ضد العرب الأحوازيين ليست جديدة، حيث رفض الشاه رضا بهلوي تسليم جثة الشيخ خزعل بعد القبض عليه وأسره ثم اغتياله، ولم ينقل جثمانه إلا عام 1947، وبعد سقوط حكم الأسرة البهلوية في إيران عام 1979 ارتكبت الثورة الخمينية مجازر أشنع بحق العرب الأحوازيين سقط فيها آلاف القتلى والجرحى وعشرات الآلاف من الأسرى، بحسب يعقوب التستري المسؤول الإعلامي لحركة النضال العربي في الأحواز، الذي يؤكد في تصريحه لجريدة "الأهرام" المصرية وجود تعتيم إعلامي تتخذه الحكومة الإيرانية التي تعتمد تطبيق قانون الطوارئ في الإقليم، كما يؤكد على وجود أشكال متعددة من الممارسات العنصرية القمعية بحق الأحوازيين تبدأ من محاولة طمس الهوية العربية وفرض الهوية الفارسية على السكان المحليين، فمنذ اليوم الأول لسيطرة إيران على الأحواز تم منع التدريس باللغة العربية، وفى السنوات الأولى قاموا بمنع الملابس العربية وسجن كل من يرتدى الزي التقليدي العربي، وبسبب ذلك هاجر عشرات الآلاف، ولا تزال المضايقات مستمرة حتى الآن، والزي العربي ممنوع في الدوائر الحكومية والمدارس، ووجد ذلك مقاومة شديدة من الأحوازيين، واندلعت من أجل ذلك ثورة الحويزة أو ثورة العقال والزي العربي، وهناك محاولات مستميتة من أجل تغيير التركيبة السكانية، وقد تسربت وثيقة من مكتب الرئيس الأسبق محمد خاتمي بضرورة تغيير التركيبة السكانية في الأحواز خلال عشر سنوات، وقد كان ذلك عام 2005، ويبلغ عدد سكان الأحواز قرابة عشرة ملايين عربي. ومعروف تاريخياً أن إقليم فارس كان يضم العديد من القوميات والأعراق والثقافات شكلت تركيبته الاجتماعية والثقافية والسكانية، إلى أن قرر مؤسس الدولة البهلوية الجنرال رضا بهلوي جمع كل هذه القوميات تحت مسمى دولة واحد هو إيران المشتق من العرق الآري الذي ينتمي له معظم الإيرانيين اليوم، غير أن سياسة القمع والتنكيل والتهجير قد طالت الأعراق والقوميات الأخرى وفي مقدمتها القومية العربية، التي كانت تتمركز في إقليم مستقل هو الأحواز، مما دعا إلى قيام السلطات الفارسية المتعاقبة بممارسة سياسة حرب الهوية ضد هذا الإقليم وسكانه المتمسكين بهويتهم العربية، في محاولات يائسة لصهر سكان الأحواز قسريا في القومية والثقافة الفارسية، غير أن ذلك جعل المقاومة العربية في الأحواز صامدة طوال تسعة عقود، متمسكة بحقوقها الثقافية والإنسانية والتاريخية أمام محاولات طمسها. الأحوازيون اليوم بحاجة إلى موقف دولي واضح، يضمن لهم حقوقهم أمام حرب الهوية التي تمارس عليهم، وربما أن أفضل طريقة لإرجاع الحقوق إلى أصحابها هو استقلال الأحواز بحكم ذاتي على طريقة كردستان العراق، هذا إذا افترضنا أن مسألة الاستقلال الكامل غير مطروحة في الأفق القريب، على الرغم من أن الجرائم والانتهاكات الإيرانية لحقوق الإنسان العربي في الأحواز تمارس بشكل ممنهج طوال عقود، لكن ذلك لم يزد الشعب العربي الأحوازي سوى الإصرار على إيصال قضيتهم إلى العالم، بشكل يجعل من قضية الأحواز وفلسطين عينين لرأس واحدة، لا يمكن نسيانهما عربيا!
مشاركة :