حين دُفع بفلاديمير زيلينسكي إلى سدّة رئاسة أوكرانيا في أبريل 2019، تعهّد الممثل الكوميدي السابق المتحول لرجل دولة ببدايات جديدة، ورفض للسياسات القائمة، وتجديد تام للنظام السياسي والاقتصادي الأوكراني. وقد حققت الانتخابات البرلمانية بعد ثلاثة أشهر من رئاسته للبلاد غالبية لحزب زيلينسكي «خادم الشعب» بـ 254 مقعداً من أصل 424. بتفويض واضح من الشعب، ألف الرئيس بشكل واسع القاعدة الجماهيرية حكومة ودائرة من المقربين ممن يتصفون بالنزاهة والمصداقية. انطلق سريعاً في مسار الإصلاح محققاً عدداً من الإنجازات التشريعية المهمة. لكن بالرغم من الحماسة الخارجية والداخلية المتواصلة حيال التوجه الجديد لأوكرانيا، يقف زيلينسكي اليوم بمواجهة واقع متجهم يقول بصعوبة إحداث التغيير الدراماتيكي في أوكرانيا بالرغم من التوقعات الجماهيرية العالية. وفيما يكافح الرئيس الجديد للإيفاء بالوعود التي قدمها خلال حملته الانتخابية بخصوص إحداث التغيير الجذري، بدأت معالم الثقة بالحكومة تتقوّض. ومن المؤكد أن زيلينسكي قد أطلق بعض الإصلاحات التي لم يكن التفكير بها ممكناً حتى في أوكرانيا، سيما لناحية التخصيص والإصلاحات المصرفية وتعيين نظيفي الكف في مراكز المسؤولية. وقد برهن بذلك عن استقلاليته عن سماسرة السلطة التقليديين. إلا أنه وبالرغم من تلك الإنجازات، تجابه عدد من الوعود التي أطلقها زيلينسكي مقاومةً عنيفة حيث تحتاج أوكرانيا لانقلاب شامل في نظامها القضائي للقضاء على الفساد المستشري. كما أن حالة الاقتصاد المتردّي لم تشهد تحسناً في ظل معدّل نمو لا يزيد عن 3.5 بالمئة للعام 2020. أضف إلى ذلك أن واحداً من المصادر الرئيسية لشعبية زيلينسكي تمحورت حول تعهده بإبرام اتفاقية سلام مع روسيا، تتعارض مع تعنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيال خضوع إقليم دونباس للسيادة الروسية بما يضمن سيطرة موسكو على المنطقة ككل. ويواجه زيلينسكي كذلك مقاومةً من المجتمع المدني والطبقات المثقفة في البلاد، إما بسبب خلفيته في عالم الترفيه، أو اعتماده على دائرة داخلية مقربة من الكوميديين والممثلين ومنتجي التلفزيون. كما يلحظ النقاد عدم التزامه الكافي بالهوية الثقافية والقومية لأوكرانيا. وفي حين لا يزال زيلينسكي يحظى بالثقة عموماً، تشهد جوانب من تلك الثقة الشعبية انحداراً نحو التآكل سيما فيما يتعلق بقدرة البلاد على المضي قدماً. وقد تراجعت نسبة الناخبين الذين يرون أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح من 57 % في سبتمبر 2019 إلى 25 بالمئة فقط. وتبرز إشارات أخرى كذلك تدلّ على أن شهر عسل زيلينسكي الرئاسي قد انتهى. إذ إنه يواجه اليوم النوع عينه من الدسائس والأعمال التخريبية التي أسقطت سلفه بترو بوروشينكو. ويتوجب على زيلينسكي، بغية تجنّب إضاعة المسار الرئاسي عن الخط، لإعادة التركيز سريعاً. يتوجب عليه أولاً، أن يضمن تمرير قاعدة القوة في البرلمان التشريعات الجوهرية الحساسة. ويعني ذلك تحويل نوابه عديمي الخبرة السياسية إلى غالبية تشريعية فاعلة، دون التركيز بشكل كبير على تركيز السلطة في يده. ولا بدّ له أيضاً من تحديد المبادئ والأفكار التي تجعل من «خادم الشعب» حزباً سياسياً ليس مجرد حركة لانتخاب الرئيس. ويبدو أن فريق زيلينسكي يتفهم ذلك الواقع وقد بدأ إعادة تحديد ملامح الحزب على أنه وسطي بوضوح، يتخذ أفضل ما في ليبرالية السوق الحرّ والديمقراطية الاجتماعية. وفي ظل وجود هوية للحزب ومجموعة ثابتة من المبادئ، يتقلص هامش وقوع نواب زيلينسكي تحت رحمة حكم الأقلية وأموالها. * أستاذ العلوم السياسية بجامعة روتغرز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :