من المؤسف أنّ معدي مناهج (التاريخ) في المراحل الدراسية الثلاث (ابتدائي ومتوسط وثانوي) لم يكتفوا بتقليص تاريخ السيرة النبوية، فبلغت نسبتها (8.6%) من مجموع المادة التاريخية المقررة للمراحل الدراسية الثلاث، فقد غيّبوا دور الصحابيات الجليلات في تأسيس الدولة الإسلامية، وبنائها الحضاري، فتجاهلوا صمودها وثباتها وتحمُّلها التعذيب، فكانت أول شهيد في الإسلام امرأة، كما تحملت الجوع والعطش في حصار شعب بن أبي طالب على مدى ثلاث سنوات، وما قدمته السيدة خديجة رضي الله عنها من طعام سرًا للمحاصرين، وتعريض أسماء بنت الصديق حياتها للخطر، وهي تحمل الطعام سرًا للرسول (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه أبي بكر في غار ثور المرتفع عن سطح البحر(760م)، كما شاركت المرأة في الهجرتيْن إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة. وكما تجاهل معدو المناهج هذه الحقائق التاريخية، فقد تجاهلوا أيضًا الأدلة الواضحة على وجوب بيعة النساء الواردة في الآية (12) من سورة الممتحنة، وهي سورة مدنية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) مع أنَّ هذا التخصيص للنساء بالبيعة جاء للتأكيد على بيعتهن، واستقلالها عن بيعة الرجال، وقد بايع الرجال الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى على بيعة النساء، كما قال عبادة بن الصامت:»أخذ علينا رسول الله كما أخذ على النساء؛ ولذا سُمِّيت بِـ»بيعة النساء»، وقد ورد في كتب السيرة والتاريخ أنّ أولى بيعات النساء للرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت بيعة في مكة، وقد شهدتها سبع نسوة منهن أسماء بنت عُميس.[انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، 8219]، وثانيها بيعة العقبة الثانية على عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى التي كانت في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة، حيث قدم مكة من الأنصار: ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعهم امرأتان من نسائهم هما: نسيبة بنت كعب»أم عمارة»، وأسماء بنت عمر بن عدي بن نابي، وهي أم منيع والدة معاذ بن جبل لأداء مناسك الحج، وكانت هذه البيعة هي بيعة الحرب، والتي يقول فيها المبايعون:» أن نقاتل من قاتلنا، وأن نحمي الدعوة الإسلامية، ونحمي صاحبها عليه الصلاة والسلام ممن نحمي منه نساءنا وأطفالنا»[ابن هشام: السيرة لنبوية1/437،الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/359] وقال عبادة بن الصامت: «إنَّا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطَّاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب ممَّا نمنع به أنفسنا وأرواحنا وأبناءنا، ولنا الجنة.»[ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 454، ابن كثير: البداية والنهاية 3/ 161]. وكانت للنساء بيعة عند مقدمه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كما بايعنه بيعة الرضوان وهي على القتال في سبيل الله، والنساء اللائي حضرن هذه البيعة «الربيع بنت معوذ بن عقبة بن حزام بن جندب الأنصارية النجارية من بني عدي بن النجار، ونسيبة بنت كعب بن عمار، وأسماء ابنة عمرو بن عدي أم منيع ، وسلمى بنت قيس بن عمر أم المنذر، وقد قال الله فيهم قوله تعالى: (إِنَّ الذينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بَمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً)[الفتح: 10]، وقال تعالى في ذات السورة:( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعَونَكَ تَحْتَ الشَّجَرةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيبَاً.)[الفتح : 18] كما كانت لهن بيعة يوم فتح مكة، وقد التزم النساء بما بايعن، فشاركن في القتال وفي بناء الدولة الإسلامية الحضاري.
مشاركة :