تمثل عضلة القلب أكبر أجزائه، وتشبه في تكوينها جدار المنزل، حيث تتكون من خلايا عضلية قلبية، ويحيط بها نسيج بيني تنتجه خلايا داعمة تعرف بالخلايا الليفية. وتحتوي عضلة القلب على خلايا متخصصة، تقوم بإجراء الإشارات الكهربية بصورة سريعة، ما يعرف بنظام التوصيل القلبي. وتحتاج هذه العضلة للكثير من الطاقة حتى تنقبض، ما يؤدي إلى تدفق الدم، الذي يوفر الأكسجين والمواد المغذية لأنسجة الجسم المختلفة. تتعرض عضلة القلب للعديد من الأمراض، ومنها إصابتها بالالتهاب، والذي يؤثر فيها وفي النظام الكهربي للقلب، ما يؤدي لتقليل قدرته على ضخ الدم، ويتسبب في إصابته باضطراب نظم القلب. ونتناول في هذا الموضوع مشكلة التهاب عضلة القلب بالتفاصيل، وكشف الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها المميزة، وطرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة. مرض حاد يعد التهاب عضلة القلب مرضاً حاداً، وتعود الإصابة به إلى عدة أسباب منها وجود عدوى فيروسية، وفي بعض الأحيان يكون رد فعل على أحد الأدوية، وربما كان نتيجة الإصابة بأي التهابات. ويزول هذا الالتهاب بصورة تلقائية، إلا أنه من الممكن في بعض الأحيان أن يعود ويتحول إلى حالة مزمنة، مسبباً اتساع عضلة القلب وإصابتها بالفشل، كما أنه ربما أصاب جميع أنحاء عضلة القلب، أو اقتصر على منطقة أو عدد قليل من المناطق. وتختلف أعراض هذا المرض، والتي ترجع إلى السبب في الإصابة به، ومدى الالتهاب، وبصفة عامة فإن الحالات الخفيفة لا تعاني أعراضاً ظاهرة، وأما الحالات الشديدة فتشكو من وجود ألم وتعب وضيق تنفس واضطراب نظم القلب. بسبب العدوى تعد الإصابة بالتهاب عضلة القلب مجهولة السبب، ولكن ترجع حالات كثيرة إلى عدوى ناجمة عن أحد الفيروسات أو البكتيريا أو الفطريات أو الطفيليات. وتوجد كثير من الفيروسات التي ترتبط بهذا المرض، بما في ذلك الفيروسات التي تصيب بالزكام، ويعرف هذا الفيروس بالفيروس الغدي. وتشمل أيضاً التهاب الكبد الفيروسي، سواء «بي» أو «سي»، والفيروسية الصغيرة، وهي في الغالب تصيب الأطفال بطفح جلدي، وكذلك فيروس الهربس البسيط. ويمكن أن يرجع التهاب عضلة القلب إلى وجود عدوى معوية، والتي يسببها فيروس إيكو، أو نتيجة داء كثرة الوحيدات، وسببها فيروس إبشتاين بار، والحصبة الألمانية، ويعاني كذلك هذا الالتهاب المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية. وتتسبب الأعداد الكبيرة من البكتيريا في التهاب عضلة القلب، وتشمل البكتيريا العنقودية والعقدية، وكذلك المسببة للخناق، والتي تنقل بالقراد وتؤدي للإصابة بداء لايم. رد فعل تحسسي يمكن أن تعود الإصابة إلى الطفيليات، كالمثقبة الكروزية والمقوسة، كما تشمل أيضاً الطفيليات المنقولة بالحشرات، والتي من الممكن أن تؤدي للإصابة بداء شاغاس، وتنتشر الإصابة بهذا المرض في أمريكا الوسطى والجنوبية، وبخاصة في المناطق الريفية، ويمكن أن يصيب أيضاً المسافرين والقادمين من هذه المناطق. وتلتهب عضلة القلب في بعض الأحيان بسبب العدوى الفطرية، كالعفن والمبيضات والفطريات الأخرى، كالنوسجات الموجودة عادة في فشلات الطيور، ويعاني هذا المرض بشكل خاص المصابون بضعف جهاز المناعة. ويمكن أن يعود التهاب عضلة القلب إلى وجود رد فعل تحسسي أو تسممي، ربما نتج عن تناول أحد الأدوية أو العقاقير غير المشروعة. وتشمل هذه العقاقير أدوية علاج السرطان، والمضادات الحيوية كالبنسلين وبعض أدوية الصرع، ومن العقاقير غير المشروعة الكوكايين. ويتعرض الشخص للإصابة بهذا المرض أحياناً نتيجة تعرضه لإحدى المواد الكيميائية، كأول أكسيد الكربون، كما أن لبعض الأمراض دوراً في هذا المرض، كالتهاب الشريان الصدعي والتهاب الشرايين تاكاياسو والذئبة. تصل للفشل تتسع الأعراض التي يشكو منها المصاب بالتهاب عضلة القلب، والتي تبدأ عندما تكون الإصابة خفيفة، أو في المراحل الأولى من المرض بعدم وجود أعراض مطلقاً، والتي يمكن معرفة الإصابة فيها من خلال التغيرات المؤقتة في تخطيط كهربية القلب. وتصل هذه الأعراض في الحالات الخطيرة إلى حد فشل القلب في عمله، وبصفة عامة فإنها تكون متنوعة بحسب سبب المرض. وتشمل شكوى المصاب ألماً في الصدر، واضطراب نظم القلب، وضيقاً في التنفس، والذي يشكو منه في الراحة وعند القيام بأي نشاط بدني، ويشكو كذلك من احتباس السوائل، كما يظهر تورم في الساقين والقدمين والكاحلين، ويعاني الإرهاق. وتتضمن العلامات والأعراض الأخرى لالتهاب عضلة القلب، والتي تدل على وجود عدوى فيروسية، كالحمى والتهاب الحلق والإسهال والصداع، وألم في الجسم والمفاصل. ويمكن أن يعاني الأطفال المصابون بهذا المرض الحمى وصعوبات في التنفس أو التنفس السريع، وكذلك اضطراب نظم القلب، ويصابون بالإغماء. تلف دائم يؤدي التهاب عضلة القلب الشديد في بعض الأحيان إلى تلفها بصورة دائمة، وربما تسبب في فشل القلب، لأن الالتهاب أهمل علاجه، ما يترتب عليه أن عضلة القلب لا تستطيع ضخ الدم بشكل كاف، وتحتاج بعض الحالات الشديدة إلى جهاز مساعدة البطين، ومن الممكن أن يصل الأمر إلى زراعة قلب. ومن المضاعفات كذلك النوبة القلبية أو السكتة الدماغية، والتي ترجع إلى عدم تمكن العضلة المصابة من ضخ الدم، وبالتالي فمن الممكن أن يكون الدم جلطات، والتي ربما سدت أحد شرايين القلب أو الشرايين المؤدية إلى الدماغ. ويعاني المصاب بالتهاب عضلة القلب نظم القلب غير الطبيعي والسريع، وذلك نتيجة التلف الذي أصاب عضلة القلب، وربما تسبب هذا الاضطراب في توقف القلب عن النبض، ولو لم يتلق المصاب علاجاً فورياً فمن الممكن أن يموت. فحص واختبارات يساعد تشخيص التهاب عضلة القلب سريعاً في تجنب تلف القلب، ويعتمد الطبيب على التاريخ المرضي للمصاب مع قيامه بفحص بدني له. ويظهر من خلال الفحص البدني في بعض الأحيان علامات التهاب في البلعوم، والذي يعود إلى إصابة سابقة بالتلوث في الجهاز التنفسي العلوي، وسببها أحد الفيروسات، ويصاحب هذا التلوث حمى تسبق التهاب عضلة القلب. ويمكن أن يطلب الطبيب إجراء اختبار أو أكثر، وذلك حتى يتأكد من وجود الالتهاب، ويحدد حجمه، وتشمل هذه الاختبارات أشعة سينية، وتظهر صورها شكل القلب وحجمه، وأيضاً هل هناك سائل في القلب أو حوله، لأن وجوده يدل على فشل القلب، ويمكن لأشعة الرنين المغناطيسي أن تبين علامات التهاب عضلة القلب. ويقوم المصاب بإجراء تخطيط كهربية القلب، والذي يظهر أنماط القلب الكهربية، ومن الممكن أن يكشف الإيقاعات غير العادية. ويكشف مخطط صدى القلب أحياناً تضخم القلب أو وجود ضعف في ضخ الدم، وكذلك لو كانت هناك مشاكل في الصمام، أو تجلط في القلب، أو سائل حوله. التزام الراحة يوصي الأطباء المصابين بالتهاب عضلة القلب الخفيف بالتزام الراحة، وتجنب بذل مجهود بدني كبير مدة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر، وذلك حتى تعود قيم مخطط القلب الكهربي إلى معدلاتها الطبيعية. ويقتصر في بعض الأحيان العلاج على الراحة والدواء، والذي يساعد الجسم على مكافحة العدوى التي تكون سبباً في التهاب العضلة. وتستجيب أنواع من التهاب العضلة القلبية الفيروسي، كالتهاب العضلة القلبية اليوزيني والخلية العملاقة، إلى الكورتيكوستيرويدات، أو أدوية كبح المناعة، ويتم توجيه العلاج إلى المرض المسبب للحالة، مثل الحالات التي تعاني الذئبة. ويضطر الطبيب إلى إبقاء المصاب في المستشفى، لو سبب التهاب عضلة القلب فشلاً قلبياً أو اضطراباً في نظمه، حيث يتم إعطاء المصاب أدوية تقلل من خطر وجود جلطات دموية. تخفيف العبء يمكن أن يصف الطبيب المعالج أدوية تخفف من عبء عمل القلب، أو تساعد في التخلص من السوائل الزائدة، وذلك في الحالات التي تعاني ضعف عضلة القلب. وتشمل الأدوية مثبطات الأنزيم المحول للأنجيوتنسين، وأيضاً حاصرات مستقبلات لأنجيوتنسين2، والتي تساعد على استرخاء الأوعية الدموية في القلب وتدفق الدم بشكل سلس. وتعالج حاصرات مستقبلات بيتا حالات فشل القلب، كما تساعد على التحكم في اضطراب النظم، وتعمل مدرات البول على التخفيف من احتباس السوائل والصوديوم. يمكن أن يشمل علاج التهاب عضلة القلب الشديد أدوية تحقن وريدياً، وربما حسنت ضخ الدم بصورة أسرع، وتساعد أجهزة المساعدة البطينية، وهي مضخات ميكانيكية، في ضخم الدم من البطينين. ويلجأ إلى هذه الأجهزة من يعانون ضعف القلب أو فشله، ويتم اللجوء إليها حتى يتمكن القلب من التعافي، أو انتظاراً للحصول على آخر، أو قبل إجراء زراعة قلب. النظافة العامة يمكن أن تساعد بعض الإجراءات في الوقاية من الإصابة بالتهاب عضلة القلب، ومن ذلك محاولة تجنب الإصابة بأي مرض فيروسي، فلو كان هناك أشخاص مصابون فيحبذ عدم الاتصال المباشر معهم حتى يتعافوا، وكذلك لو كان الشخص هو المصاب فيحاول اعتزال الآخرين لكي لا ينقل لهم العدوى. ويساعد أيضاً الالتزام بقواعد النظافة العامة، كغسل اليدين بانتظام، في تجنب هذا المرض، وبالنسبة لمن تضطرهم الظروف للتواجد في مناطق منتشر بها القراد، فعليهم ارتداء قمصان بأكمام طويلة، وكذلك سروايل طويلة، مع استعمال طارد للحشرات. وينصح بالحصول على اللقاحات اللازمة، كاللقاحات المضادة للإنفلونزا والحميراء؛ لأنها ربما تؤدي إلى الإصابة بالتهاب عضلة القلب. وينبغي للمتعافي من هذا المرض التزام الراحة، وتقليل أي جهد على القلب، وفي حالة لو كان هناك بقايا تلف، فلابد من تقليل الملح لأدنى حد، وكذلك تقييد كمية السوائل، وتجنب التدخين والعادات السيئة التي تزيد من إرهاق وإجهاد عضلة القلب.
مشاركة :