الشارقة: محمدو لحبيب آراء عدة تنتشر على موقع مراجعات الكتب «جود ريدز»، وعلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى كتويتر، وفيسبوك، وانستجرام، تُعطي في مجملها ما يمكن تسميته انطباعاً نقدياً، أو نقداً افتراضياً، كما بات يحلو للبعض أن يصفه، وهو ما لا يستسيغه بعض النقاد والمثقفين في الواقع. لكن ثمة من يرى أهمية انتشار مثل تلك الآراء، والحرية في التعامل مع الكتب، والمؤلفات، والأفكار، من قبل القراء مباشرة، ويعتبره بديلاً حيوياً للنقد الأكاديمي النخبوي الصعب في مجمله، عموماً، يطرح الموضوع في ثناياه إشكاليات عدة، ينبغي التوقف عندها، والتساؤل حولها: هل هناك سمات محددة منهجياً لهذا المسمى بالنقد الافتراضي؟ بعبارة أخرى، هل يوجد حقاً، شكل نقدي يوصف بذلك الاسم؟ أم أن الأمر مجرد مصطلح فارغ من المضمون؟ هل يمكن أن نصف النقد الأكاديمي، أو المنهجي، بالافتراضي، إذا انتقل مع ممارسيه من المتخصصين إلى الساحات الافتراضية آنفة الذكر؟ وهل هناك شروط ينبغي على ذلك النقد الأكاديمي أن يتبعها كي يستطيع التحول إلى الافتراضي، وعوالمه، وقرائه؟ ولماذا يرتبط النقد الافتراضي كمصطلح عند البعض، مع نظرية موت الناقد؟ في سنة 2018 أصدر الكاتب الإماراتي الشاب محمد المرزوقي كتابه المعنون ب«هكذا تكلم القارئ: النقد الافتراضي ومشاغل أخرى»، من إصدار دار روايات، صاغ من خلاله مصطلح النقد الافتراضي، وناقش دوره في مواقع التواصل الاجتماعي، والفروق بينه وبين النقد الأكاديمي. تحدثنا إلى المرزوقي حول الإشكاليات الآنفة، فأبرز أن ثمة شروطاً لا بد أن تتحقق في النقد الأكاديمي كي يتحول إلى الساحة الافتراضية، وقال: «النقد المنهجي، أو الأكاديمي، لا يمكن أن ينتقل إلى الافتراضي وعالمه إلا إذا تخلى عن بعض مميزاته، وأولاها أن يتخلى عن الصعوبة في لغته، ومصطلحاته، ويحاول أن يتحدث بلغة بسيطة يفهمها عامة القراء، كذلك لا بد أن يستطيع الاختزال اللغوي لأن «تويتر» مثلاً، لا يسمح إلا بمساحة محدودة للكتابة». وقارن المرزوقي بين النقد الأكاديمي، والنقد الافتراضي، فقال: «الافتراضي يحيل في معناه اللغوي إلى شيء غير حقيقي، وهو مبني دائماً على ذائقة القارئ، ولا يهتم أساساً بتقويم العمل، وتركيبته، وتحليله من ناحية ذلك، أما الأكاديمي فهو على العكس، يهتم ببنية العمل، ويستخدم أدوات معروفة لتحليلها، وسبر أغواره، وتقديم رأي فيه من خلال ذلك». سقف الحريات وأبرز المرزوقي أن مواقع التواصل الاجتماعي رفعت سقف الحريات حتى على مستوى تناول النصوص من قبل القراء العاديين، ويرى المرزوقي أن ذلك ربما اجتذب نقاداً أكاديميين إلى تلك المواقع ليتحدثوا هناك بأسلوبها هي، وسماتها التفاعلية، وقال: «هناك الآن نقاد حقيقيون على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم يتحدثون ويكتبون هناك بأسلوب تلك المواقع، وربما أرادوا الاقتراب من القارئ الافتراضي أكثر، والتعامل مع سقف الحرية العالي الذي يتمتع به، ومن بينهم الناقد السعودي المعروف عبد الله الغذامي الذي يمارس النقد الثقافي، ويعلق أحياناً تعليقات نقدية على تويتر». وشدد المرزوقي على أن مصطلح النقد الافتراضي وكل ما يتعلق به قابل للتغيير باستمرار، ولذلك فهو شيء لا يمكن تحديده، وقولبته في نظرية واضحة، واستعرض ذلك التداخل بين النقد الافتراضي والأكاديمي الذي يحدث على موقع «جود ريدز» في مراجعات الكتب، وقال: «ما يحدث في تلك المراجعات لا يمكن اعتباره نقداً افتراضياً خالصاً، بل في اعتقادي أنه مزيج من الافتراضي والأكاديمي، وإن كانت السمة الغالبة عليه هي الافتراضية، ربما لأن النقاد الأكاديميون يرفضون التماهي مع أولئك المراجعين الافتراضيين، والاختلاط بهم، وربما لأن أولئك القراء أنفسهم سئموا من النقد الجاد والأكاديمي، الممل، والمتعالي عليهم، فقرروا أن يزاحموه في تلك الساحة الافتراضية، وألا يتركوا له المجال للانفراد به.. بشكل عام لا يمكن وصف مراجعات الكتب بأنها نقد افتراضي خالص لذلك التداخل الذي نجده أحياناً، وإن كان يطغى عليها النقد الافتراضي». وأشار المرزوقي إلى أن نظرية موت الناقد ظهرت قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تنبأت بأن المدونات التي كانت شكلاً من أشكال التعبير الإلكتروني الافتراضي آنذاك، ستقوّض النقد الأكاديمي، وستغيّبه، ليكون الموت بمعنى الغياب، وهو ما تضاعف بعد ظهور التواصل الاجتماعي، وظهور النقد الافتراضي. حذر الناقد والفنان التشكيلي الدكتور علي العبدان، فضّل التعامل مع المصطلح بحذر، فقال في بداية حديثه: «إذا اصطلح الناس على وجود عالم افتراضي، فلم لا يوجد نقد افتراضي؟». واعتبر العبدان أن الفرق بين النقد الافتراضي والنقد الأكاديمي يكمن في أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تتيح الاستفاضة في شرح وتحليل الأفكار، التي يتيحها الكتاب الورقي، مثلاً، للناقد الأكاديمي وأضاف قائلاً: «علينا أن نتعامل مع آليات مواقع التواصل الاجتماعي». كما أبرز العبدان نمطية التفاعل التي تميز الافتراضي وقال: «هذا النوع من النقد المسمى بالافتراضي يتمتع بالحيوية، التي تنتج عن كم كبير متاح من التعليقات، التي لا يمكن أن تجدها في مقال، أو كتاب نقدي أكاديمي، وربما لطبيعة أسلوب الأخير النخبوي». واستبعد العبدان أن يكون للنقد الافتراضي علاقة بنظرية موت الناقد، أو تواريه عن الواجهة، وقال: «موت الناقد لم تصدر من الواقع الافتراضي وانتشاره، لقد سبقت ذلك بكثير، ففي فترة معينة لم يعد الكاتب، أو الفنان مسيطراً على العمل، وفي الفن مثلاً، برز دور المُقيِم، والذي يشبهه في الأدب الناشر الذي يختار الكتب وفق ضوابط، وكلاهما دوره يسبق العمل الأدبي، أو الفني، على عكس دور الناقد الذي كان عادة يلي العمل، ونشره، لذلك فموت الناقد لا علاقة لها من وجهة نظري بانتشار الواقع الافتراضي، ومنصاته». وأوضح العبدان أن للنقد الافتراضي، أو التفاعل الافتراضي من قبل القراء، دوراً مهماً، وقال: «بابلو كويلو يتناقش في تويتر مع القراء حول أحداث بعض رواياته، ويقرأ ملاحظاتهم، ويستدركها في عمله، ويعيد تصحيحه تبعاً لذلك، وهذا أمر مهم ومشجع، أن يستفيد الكتاب من الآراء الافتراضية». وشدد العبدان على أن المعرفة شاعت جداً بين الناس، وأنه تبعاً لذلك يمكن القول إن ما يمارس على «جود ريدز» هو نوع من النقد الافتراضي، وأكد أن من يصفون أولئك المراجعين للكتب بأنهم قراء عاديون، يخطئون في وصفهم، وقال: «لا يوجد قارئ عادي، كل قارئ يتابع في مواقع التواصل الاجتماعي اهتماماته، سيدلي بآراء تكتسب بالتدريج نوعاً من الخبرة في ذلك المجال». حالات مزاجية القاص إبراهيم مبارك اعتبر أن كلمة الافتراضي تحيل إلى معنى لغوي لشيء قد يكون دقيقاً، وقد لا يكون، وقال: «لا أعرف بالضبط لماذا، وكيف تسمى مثل تلك الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي بالنقد الافتراضي، ذلك أن النقد يتطلب معرفة، وأدوات معينة، أما ما يُكتب على تلك المواقع فهو مجرد تعبير عن مزاج القارئ، وتخيلاته، وما يوجد في ذهنه». وبيّن مبارك أنه ينبغي التفريق بين النقد الافتراضي والتفاعل الافتراضي، وضرب مثالاً على ذلك، فقال: «أنت حين تغني قد يصفق لك ألف شخص متفاعلين معك، لكن قلة منهم هي من تستطيع تحليل أدائك الفني»، وأضاف مبارك إن الناقد الأكاديمي حين يتواجد على تويتر فهو يمارس عندئذ نقداً افتراضياً وحقيقياً، في آن واحد.
مشاركة :