مانموهان سينغ: انزلاق الهند لكون دولة الأغلبية في اليأس الاقتصادي

  • 3/11/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

(كتب رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ مقالا بعنوان (India has slid to being a majoritarian state in economic despair) نشرته صحيفة دي هندو اليومية في نسختها الصادرة في 6 مارس 2020، ويُنشر مفاد هذا المقال باللغة العربية)الهند قد انزلقت من كونها واجهة عالمية للديمقراطية الليبرالية إلى دولة الأغلبية في حالة من اليأس الاقتصادي.بقلب حزين للغاية، أكتب هذه الكلمات:الهند تواجه خطرا داهما من قبل ثلاثة جوانب تتضمن التنافر الاجتماعي والتباطؤ الاقتصادي والوباء الصحي العالمي، حيث أن الاضطرابات الاجتماعية والكساد الاقتصادي هي مما كسبتها أيدينا، وإن العدوى الصحية لمرض (COVID19) الناجم عن فيروس كورونا المستجد، هي مشكلة خارجية. هذا، وإنني أشعر بقلق عميق بأن هذه المجموعة القوية من المخاطر قد لاتؤدي إلى تمزيق روح الهند فحسب بل إنها ستقلل من شأن مكانتنا العالمية كقوة اقتصادية ودولة ديمقراطية في العالم.دلهي تشعر بألم العنف الشديد منذ الأسابيع الماضية، لقد فقدنا ما يقرب من 50 من زملائنا الهنود بدون سبب، حيث عانى عدة مئات من الناس من جروح، وازدادت حدة التوترات الطائفية واشتعلت نيران التعصب الديني من قبل عناصر سيئة من مجتمعنا بما في ذلك الطبقة السياسية، إن الحرم الجامعي والأماكن العامة والمنازل الخاصة تتحمل العبء الأكبر من أعمال العنف الطائفية، والتي تذكرنا بالفترات المظلمة في تاريخ الهند. تخلت مؤسسات القانون والنظام عن مسئوليتها فيما يخص حماية المواطنين، لقد خذلتنا مؤسسات العدالة ووسائل الإعلام التي تعد الركن الرابع للديمقراطية .روح الوطنالمحترقةمع عدم وجود ضوابط المسؤولية، تنتشر نار التوترات الاجتماعية بسرعة في جميع أنحاء البلاد، مما يهدد بروح وطننا، ولايمكن إخماده إلا من قبل نفس الأشخاص الذين أشعلوا فتيلتها. لاجدوى من أن نشير إلى حالات سابقة من هذا العنف في تاريخ الهند لتبرير العنف الحالي في البلد، لأن كل عمل من أعمال العنف الطائفي هو بصمة عار على الهند التي عاش فيها المهاتما غاندي. وفي غضون بضع سنوات فقط تحولت الهند بسرعة من كونها نموذجا عالميا في مجال التنمية الاقتصادية من أجل ممارسة الأساليب الديمقراطية الليبرالية إلى دولة أغلقتها/ أحالتها الفتنة إلى حالة من اليأس الاقتصادي.في حين يمر الاقتصاد الهندي بمرحلة حرجة، لن يؤدي تأثير هذه الاضطرابات الاجتماعية إلا إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي، ومما لا يجحد به أن مشكلة الاقتصاد الهندي في الوقت الحالي هي قلة الاستثمارات الجديدة من قبل القطاع الخاص، والمستثمرون والصناعيون ورجال الأعمال غير مستعدين للقيام بمشاريع جديدة بما أنهم فقدوا الرغبة في المخاطرة. حيث لا تزيد الاضطرابات الاجتماعية والتوترات في المجتمع إلا في مخاوفهم ونفورهم من المخاطر. وبدأ الانسجام الاجتماعي الذي يعد حجر الأساس للتنمية الاقتصادية يتعرض الآن للخطر.أن تغيير معدلات الضريبة أو إسباغ الحوافز على الشركات لن يحث الشركات الهندية أو الأجنبية على ضخ الاستثمار ما لم يتواجد خطر اندلاع أعمال العنف المفاجئة فيما يجاوره. حيث أن قلة الاستثمار تعني نقص الوظائف والدخول، مما يعني بالمقابل، نقص الاستهلاك والطلب في الاقتصاد، لن يؤدي نقص في الطلب إلا إلى قمع الاستثمارات الخاصة، هذه هي الدورة القاسية التي يعاني منها اقتصادنا.وإضافة إلى المشاكل المكتسبة بأيدينا، هناك تهديد في شكل مرض (COVID19) الذي نشأ في الصين. وليس من الواضح مدى انتشار هذا الخطر الصحي العالمي وتأثيره على العالم. ولكن من الواضح جدًا أنه يجب أن نكون مستعدين تماما لمواجهته. إذ يعد وباء الصحة أحد أخطر التهديدات التي يمكن أن تواجهها أي دولة. فمن الضروري أن نستعد جميعا بشكل جماعي لمواجهة هذا التهديد. ولم نواجه أزمة صحية عامة في الأزمنة المعاصرة بالقدر الذي تهدد به الأزمة الحالية. لذلك من المهم النهوض بعملية مهمة واسعة النطاق لمواجهة هذا التهديد على الفور.التعامل مع مرض (COVID19) الناجم عن فيروس كورونا تسعى الدول في جميع أنحاء العالم، لتحديد تأثير هذا الوباء. إذ تسد الصين المدن الرئيسية والأماكن العامة. وإيطاليا تغلق المدارس. ولقد شرعت أمريكا بقوة في عزل الأشخاص وكذلك تبذل الجهود البحثية لإيجاد العلاج. بينما قد أعلنت العديد من الدول الأخرى عن تدابير مختلفة لمعالجة هذه المشكلة. هذا، ويجب على الهند أيضا التصرف بسرعة والإعلان عن فريق للنهوض بمهمة لمعالجة هذه المشكلة. قد يكون هناك بعض أفضل الممارسات التي يمكن أن نستفيدها من دول أخرى.وبصرف النظر عما إذا كان هذا الفيروس سيدخل شواطئنا على نطاق واسع أم لا، فمن الواضح الآن أن التأثير الاقتصادي لمرض (COVID19) سيكون كبيرا جدا. وأعلنت الهيئات الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي العالمي. وثمة تقارير تفيد بأن الاقتصاد الصيني قد ينكمش، والذي إذا حدث، سيكون أول مرة منذ الثورة الثقافية في السبعينيات. وتمثل الصين اليوم ما يقرب من خُمس الاقتصاد العالمي وعشر تجارة الهند الخارجية. حيث أن توقعات الاقتصاد العالمي رهيبة للغاية. ومن المؤكد أن هذا سيؤثر على الوضع الاقتصادي في الهند أيضا، حيث أن الملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الهند والتي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع من جميع الوظائف الرسمية وهي جزء من سلسلة التوريد العالمية. في مثل هذا الاقتصاد العالمي المتكامل، يمكن لأزمة كورونا المستجد أن تزيد من إبطاء نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بمقدار النصف إلى نقطة مئوية واحدة. في حين أن النمو الاقتصادي في الهند فاترة من ذي قبل، وهذه الصدمة الصحية الخارجية ستزيد الأمور سوءً.الخطوات الإصلاحية يجب على الحكومة أن تبدأ بسرعة العمل على خطة من ثلاث نقاط:أولا: يجب أن تبذل جميع الطاقات والجهود على مواجهة تهديد كورونا المستجد والاستعداد بشكل مناسب. ثانيا: يجب عليها سحب أو تعديل قانون المواطنة المعدل، وإنهاء الجو الاجتماعي السام وتعزيز الوحدة الوطنية.ثالثا: يجب أن تضع الحكومة خطة تحفيز مالية مفصلة ودقيقة لزيادة الطلب على الاستهلاك وإنعاش الاقتصاد.كما يجب على رئيس الوزراء ناريندرا مودي إقناع المواطنين، ليس فقط بالكلمات بل بالأفعال، بأنه يدرك الأخطار التي نواجهها، ويقنع المواطنين بأنه يستطيع مساعدتنا في التغلب على هذا الأمر. ويجب عليه أيضا أن يقدم على الفور تفاصيل عن خطة الطوارئ لمواجهة تهديدات المرض الناجم عن فيروس كورونا .ولحظة من الأزمات العميقة قد تكون لحظة فرصة عظيمة أيضا. أتذكر أنه في عام 1991م، واجهت الهند والعالم أزمة اقتصادية خطيرة مماثلة، بسبب أزمة ميزان المدفوعات في الهند، وكساد عالمي سببه ارتفاع أسعار النفط بسبب حرب الخليج. ولكن قد تمكنا من تحويل هذا الوضع بنجاح إلى فرصة لإعادة تنشيط الاقتصاد من خلال إصلاحات جذرية. وبالمثل، فإن انتشار الفيروس وإبطاء الصين يمكن أن يفتحان فرصة للهند لإطلاق اصلاحات الجيل الثاني لتصبح لاعبا أكبر في الاقتصاد العالمي وتعود أيام الرخاء لمئات الملايين من الهنود. ولتحقيق ذلك، يجب علينا أولا أن نتغلب على الإيديولوجية المثيرة للانقسام والسياسة البسيطة، وأن ندرك أهمية المؤسسات.ليس من رغبتي تضخيم المخاوف، ولكنني أعتقد أنه من واجبنا الرسمي أن نقول الحقيقة لشعب الهند والحقيقة هي أن الوضع الحالي قاتم للغاية. والهند التي نعرفها ونعتز بها تفلت بسرعة، حيث أن مخاطر التوترات الطائفية المتعمدة، وسوء الإدارة الاقتصادية والصدمة الصحية الخارجية تقوم بإعاقة تقدم الهند ومكانتها. ولقد حان الوقت لمواجهة الواقع القاسي المتمثل في المخاطر الجسيمة التي نواجهها كأمة والتصدي لها بكل عدل وبدرجة كافية.

مشاركة :