وفي الصراع بين الزعامات الشيعة السياسية خرجت أسماء وبرزت وجوه انتهازية. أستعير هذا العنوان لعمودي اليوم من عنوان مضت عليه سنتان نشره مراسل قناة الحرة من بغداد. وهو العنوان الأنسب لتصاعد صراع الزعامات السياسية الشيعية في العراق، وهو الصراع الذي لم ينقطع ولم يتوقف طوال «17» عامًا عجافًا دفع الشعب العراقي بما فيهم الشيعة أثمان وأكلاف هذا الصراع حول الكراسي والمراسي والكعكة العراقية التي ما عادت كذلك، فقد جف ضرع العراق، عندما اعتبره القادمون على ظهر الدبابة الأمريكية «بقرة حلوب» فاستنزفوا الثروات القومية ليكدسوا الثروات الشخصية ولسان حالهم كما يقول تعبيرنا الشعبي السائد «حوش لا تحوش»!. جمعوا وكدسوا الأموال خارج العراق، وطوفان الفساد والإفساد شاهد على ذلك الذي أنهك وأفقر وجوّع الشعب العراقي حتى الجنوب الذي مازالوا يتاجرون ويسمسرون سياسيًا بانتفاضته في التسعينات، «كفر» بهم وخرج في تظاهراته يهتف بسقوطهم «باقونا الحرامية». هل هناك شعار أكثر ملامسةً للجرح العراقي النازف شعبيًا من الجميع في العراق بسنتهم وشيعتهم وأكرادهم وغيرهم من المكونات والأطياف. والزعامات السياسية تحاول أن تُغطي نفسها بغطاء المرجعية فمجملها تدعي وتزعم أنها تمثل المرجعية وهو ادعاء تحاول من خلاله فرض نفسها والتمكن من الإمساك بالسلطة والنفوذ بإيحاءٍ ديني ترضخ له الطائفة الشيعية حين تظهر أمامها بزعم «تمثيل المرجعية» وتمرره على البسطاء وعلى العامة منهم، حتى أخذ الادعاء في الفترة الأخيرة يتزايد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة عما سبق. فبعض الكتل السياسية الشيعية تقاسمت زعم تمثيل المرجعية إلى درجة التناقض وأحيانًا إلى درجة من الحرب غير المعلنة بينهم، فكل كتلةٍ وكل فصيل شيعي سياسي يكذب الآخر في مسألة تمثيل المرجعية ويريد أن يحتكرها لكتلته فقط. وأمام استشراء حالة الصراع السياسي في زعم تمثيل المرجعية تدخّل مجلس القضاء الأعلى العراقي، وأصدر تعليماتٍ إلى جميع محاكم العراق باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يدّعي «تمثيل المرجعية الدينية العليا في النجف». ولا يعتقد المراقبون أن تعليمات مجلس القضاء الأعلى العراقي ستضع حدًا للصراع ومزاعم تمثيل المرجعية العليا في النجف، فهذه ظاهرة قديمة نستطيع أن نؤكد تيارات الإسلام السياسي الشيعي من حزب الدعوة مرورًا ووصولاً إلى جميع تلك التيارات استخدمت واستثمرت هذا الادعاء منذ نشأتها وتأسيسها مما جعله مترسخًا وشائعًا ومعتادًا. والتوسل بالدين، المرجعية للوصول إلى إقناع الجماهير بمثل هذه الأحزاب والقوى والتيارات برهان على ضعف برنامجها وأطروحاتها في كسب الشارع العراقي لذا تلجأ إلى غطاء المرجعية وتتوسل به لفرض نفسها على الجماهير ومن ثم على السلطة وصولاً إلى النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومرجعية النجف لم يكن لها موقف حاسم تجاه هذه المزاعم والادعاءات فهي تقف في المنطقة الوسطى، مما سهّل للكتل الشيعية السياسية طرح خطاباتها باستمرار بشعار تمثيل المرجعية العليا في النجف. والصراع بين الزعامات السياسية الشيعية أخذ منحىً علنيًا حتى داخل التيار الواحد والحزب الواحد، فحزب الدعوة كما يقول القيادي فيه غالب الشبندر قد تفتت وانتهى حين تقاسم وتنازع قميصه أكثر من زعيم سياسي شيعي حتى استولى على الدعوة نوري المالكي وتراجعت الزعامات الشيعية الدعوية إلى الظل أو اختارت تأسيس منظماتها الخاصة ليأخذ الصراع بين الزعامات طابعًا صارخًا ومحتدمًا. وفي النهاية لقد دفع شيعة العراق كما أشرنا ثمن ذلك فيما وحّدوا أنفسهم وفودًا لهذا الصراع بين الزعامات حتى فاض بهم الكيل فصرخوا بوجع في الشارع بسقوط هذه الزعامات بالأسماء تحديدًا. وفي الصراع بين الزعامات الشيعية السياسية خرجت أسماء وبرزت وجوه انتهازية بشكل صارخ وجاهلة سياسيًا بشكل واضح، وهو ما ضاعف من حجم أزماتها واختناقاتها من جهة وفي فقد الجماهير والشارع العراقي الثقة فيها بوصفها زعامات سياسية.
مشاركة :