أن تقدم لك وجبة دسمة من الشائعات، في أفخر مطاعم السوشيال ميديا المجانية، متضمنة عشرات المعلومات المغلوطة، التي تفوح رائحة بهاراتها من الذعر والقلق والتوتر، على مواقع التواصل الاجتماعي، فتتحسس ملعقتك وشوكتك، وتأخذ سكينك لتمزع في قلب الوطن يمينًا ويسارًا، دون وعي فهذا غباء، وأن تدعو أصدقائك وأقاربك لتناولها معك فهذا جرم لا يغتفر. "التقصي.. التحقق.. الاجتهاد"، ثلاث سمات فقدت الأهلية في التعامل مع رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين فضلوا الشهرة على حساب التداعيات، وروجوا للكذب والشائعات في أمور هي الحاسمة من عمر وطننا الذي يجابه على كافة الأصعدة لا لتحقيق الاستقرار قط، فهذه مرحلة تخطيناها، ولكن لتحقيق النمو الشامل اقتصاديا وعسكريا، واستثماريا، وصحيًا، وعلميًا، نحو دولة حديثة من حيث أساليب الإدارة والفكر، تولى مقاليد الحكم فيها رجال شداد أعزهم الله بالوطنية، وأنعم عليهم بالتفاني والمثابرة، لتحقيق عقيدة ثابتة، لا مكان للتراجع فيها سنتيمترا واحدا. الشائعات، هي القنبلة النووية الأكثر تأثيرًا، في ظل عصر التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، وهي أخطر أدوات حروب الجيل الرابع، إعمالا بمبدأ القضاء على الشعوب والدول دون إطلاق رصاصة واحدة، ودغدغة الثقة بين الحكام والمحكومين، دون تكلفة، لتهيئة الدول للسقوط اقتصاديا، ووضع اقتصادها على حافة الهاوية، وفرار استثمارها، وغلق منافذ سياحتها، بعد ترسيخ صورة ذهنية لدي الوافدين بأن مصر غير مؤهلة، وتعج بالمشكلات والصراعات، ومن هنا يحدث الفراغ. بداية الأزمة، ارتبطت بانتشار فيروس كورونا، في مقاطعة هوبي بمدينة ووهان الصينية، ليعقبها "فويسات" مسجلة تضمنت رسائل مرعبة "الحقوا اكتشفوا ثلاث حالات في مدرسة الولاد.. وحالتين في مدرسين البنات"، بأصوات مجهولة، استهدفت جروبات "الماميز" نهاية ديسمبر، واللاتي أخذن الولولة والنواح وتبادلاها على نطاق واسع، مطالبين بتعطيل الدراسة، في تقاليع هي الأحدث من نوعها من موضة مجموعات أولياء الأمور عبر فيسبوك، فحين تصرخ النساء باكية، تجهش دموع النشطاء باكية، ليتطور الأمر برمته إلى حملة ممنهجة تنال من الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، والحكومة المصرية ككل، ويظل التساؤل عالقا دون إجابة، من المصدر المجهول صاحب التأويل في بث الشائعة! لن أخفيكم سرًا أنني أطلقت على الدكتور طارق شوقي لقب قاهر موقعة الماميز، بإصراره على عدم تعطيل الدراسة، مادام هناك ما لم يستدع لذلك، ورفضه الرضوخ لمطالب السوشيال ميديا، في ظل تأكيده المستمر على رفع كفاءة المدارس، وإصدار تقارير دورية لوسائل الإعلام تكذب يوميا عشرات الشائعات، التي أدعت تأجيل الدراسة، وقالها الرجل صراحة، إن الوضع الصحي لم يتطلب الإرجاء، وإن تطلب سننفذ على الفور، وفقا للتقارير المرفوعة من وزارة الصحة وتقييمها لانتشار الفيروس، وليس وفقًا لمطالب تحكمها أهواء السوشيال ميديا، حيث قرر تخفيض عدد ساعات اليوم الدراسي، وإلغاء الأنشطة، للحد تدريجيا، دون الضرر بمصلحة الطلاب أو تعريضهم للخطر، وعرقلة المسيرة التعليمية. وكعادة السوشيال ميديا، التي تعمتد على تهيئة روادها ومستخدميها نفسيًا إلى الاستمتاع بالشائعات وترويجها، لم ينظروا إلى إيجابيات، دور الدولة المصرية في استعادة أبناءها العالقين في ووهان بؤرة انتشار الفيروس في الصين، دون تكلفة بطائرة خاصة، بل ولوا أنفسهم حكامًا على ما تقوم به الدولة متمثلة في وزارة الصحة، ونصبوا للدكتورة هالة زايد محكمة وأعدوا المشانق، التي حاولوا من خلالها اغتيالها معنويا بموجة جارفة من التنمر والسفه فور إعلان سفرها إلى الصين مؤخرًا، وسرعان ما انتشرت الكوميكس التي تقلل من شأن الدولة المصرية، وتهز عامل الثقة بين شعبها وقادتها، ولكنهم أعموا الأعين وصموا الأذان عن عودتها إلى مصر بـ 1000 كاشف طبي متطور للكشف عن كورونا، ما يساعد في نقل اكتشاف الحالات عن طريق قياس درجات الحرارة. لم تنجو السياحة، التي تعد أهم مصادر الدخل القومي، من تأثير الشائعات، فتضاعفت أعداد سياح الباخرة النيلية التي أعلنت عنها الصحة، وسط تأكيدات وهمية، ما تسبب في بلبلة السياح وخوفهم. وظلت الحرب على جبهة الدولة، مستمرة، بين السوشيال ميديا وبين الحكومة، في حملة تشكيك ممنهجة أفرزت آلاف المدعين والضحايا الوهميين، بنشرهم قصص مختلقة عن الفيروس، لصالح من لا نعلم، حتى باتت الإدارات الإعلامية تتسابق بين الصحة والتعليم ومجلس الوزراء على مدار الساعة، لتنفي، وتعلن، وتناشد، في حرب وقائية ضد تفشي الشائعات، تقاتل على أرض صلبة من أجل التوعية المستمرة، في محطات القطارات المترو والجامعات، والمرافق العامة والحيوية، لبث الطمأنينة بين أبناء مصر. وعلى الرغم من إشادة منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بأساليب مصر في مواجهة تفشي المرض، وأسلوب إدارة الأزمة إعلاميًا إلا أن السوشيال ميديا لم تلتفت سوى للأخبار الملغومة. لم تقتصر الشائعات على الترويج للموضوعات المختلقة فقط، بل تضمنت أيضًا نصائح مغلوطة، لا يجنى مروجيها سوى الشير ولا يحصد الوطن من خلفها إلا الخراب، حتى أصدر مجلس الوزراء قراره بإصدار إجراءات حاسمة وفورية ضد مروجي الشائعات ومحدثي البلبلة للحد من انتشارها. ولكن هل سألت نفسك يومًا عن مدى تأثير الشائعة، ليسك عليك البحث سوى عن وضع البورصة المصرية وما تكبده من خسائر في جلسة تعاملاتها السابقة، التي أثرت بالسلب على التداول، وما عليك سوى النظر إلى حالة الجهل التي تعيشها فئة عريضة من المجتمع، في ظل إعلامًا يحكمه منصات التواصل الاجتماعي، دون رقيب. يعتقد قارئي أن سطوري فتحت النار على السوشيال ميديا، وهذا افتراء، وإنما دافعت بمخالبي عن وطني العزيز، منتقدا سلوك مستخدمي رواد السوشيال ميديا، فبدلا من التوعية من خلالها، اتخذنت منها مسلكا للهلاك. خلاصة القول إن الوباء عالمي، والدولة المصرية لا تملك عصا موسى، وقيادتها السياسية متمثلة في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي، والوزارات المختصة، لا يتوانوا لحظة واحدة، ويغمض لهم جفن من أجل توفير أكبر قدر من المناخ الآمن لمواجهة كورونا، فما عليكم إلا دعم وطنكم، والإيمان بإخلاص رجاله، ولكم في كبرى دول العالم الأول وما تعرضوا له عبرة، فالأمن المعلوماتي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي.
مشاركة :