هل يتخلص «المركزي الأوروبي» من قصوره الذاتي الشديد؟

  • 3/12/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان * بعد غياب طويل عن رادار المناقشات الدائرة في العالم حول التأثير المتفاقم لفيروس كورونا المستجد في الاقتصاد العالمي، يتصدر البنك المركزي الأوروبي عناوين الأخبار، اليوم الخميس، بمناسبة عقد اجتماع مجلس إدارته في فرانكفورت. ويأتي الاجتماع في وقت يؤدي فيه الضرر الاقتصادي والمالي إلى تفاقم شديد لما كانت عليه تحديات السياسة المعقدة بسبب ضعف النمو في منطقة اليورو وديناميكيات التضخم، إضافة إلى محدودية المرونة السياسية.قبل نحو شهر كتبت مقالاً حول ما يترتب على كريستين لاجارد الرئيس الجديد للبنك فعله لرأب صدع الانقسامات في مجلس الإدارة، وتعزيز المراجعة الاستراتيجية للبنك المركزي الأوروبي، وتوسيع أدوات السياسة المتاحة. كانت قد تولت الرئاسة من ماريو دراجي في نوفمبر / تشرين الثاني وسط رهانات على تثبيت معدلات أسعار الفائدة للأشهر الستة إلى التسعة المقبلة. لكن ذلك لم يعد ممكناً الآن، حيث تسارعت مشاكل المنطقة وتفاقمت.وأدى الانتشار السريع المقلق للفيروس في إيطاليا إلى فرض الحكومة حظراً على الأنشطة على الصعيد الوطني. وسوف يؤدي تعطل العرض والطلب الناتج عن ذلك إلى تدني توقعات النمو في إيطاليا، ويعيد إحياء المخاوف بشأن مديونيتها وتعافي بعض البنوك. يمكن أن يكون لاستراتيجية الاحتواء في إيطاليا، بما في ذلك التركيز الشديد على العزل الاجتماعي الإلزامي، «تأثير استرشادي» في ما قد يصيب اقتصادات منطقة اليورو الأخرى، وهو ما يزيد من خطر التوقف المفاجئ على مستوى المنطقة.أولاً وقبل كل شيء بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، يُترجم هذا إلى عجز أكبر في النمو والتضخم، سواء الفوري أو المحتمل. ومعدلات الفائدة سلبية منذ زمن بعيد، وقد استأنف البنك برنامج شراء الأصول على نطاق واسع. وينظر إلى كليهما على أنهما غير فعالين إلى حد كبير في حل مشكلات النمو الاسمية، ويحملان مخاطرة إحداث نتائج عكسية. وستتفاقم الصعوبات إلى حد كبير إذا عادت مخاوف الديون والنظام المصرفي إلى الظهور بقوة.مع أخذ هذا كله في الاعتبار، يواجه البنك المركزي الأوروبي دائماً ضغوطاً لجهة الظهور بمظهر من يستجيب لموقف خطر ومتفاقم على الأرض. سوف يميل إلى الاعتماد على أدوات السياسة المعتادة، أو ما يسميه علماء السلوك في هذه الحالة نهج «القصور الذاتي الفعال». إذا حدث ذلك، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي قرارات تخفيض شكلي في معدلات أسعار الفائدة (ربما 10 نقاط أساس)، أو توسيع عمليات شراء الأصول، وتكرار رسائل الاستعداد للتدخل عند الضرورة.من المرجح أن تكون الفوائد الاقتصادية والمالية لمثل هذا التفاعل محدودة، هذا إذا كانت إيجابية أصلاً. وسوف تترافق مع مجموعة من المخاطر، والأهم في ذلك ترسيخ الانطباع بأن أدوات سياسة البنك المركزي غير كافية.ولسوء الحظ، فإن بدائل تثبيت أسعار الفائدة أو حتى محاولة استعادة بعض المرونة لن تجدي نفعاً. فقد يثير الخيار الأول انتقادات سياسية وشعبية بنقص الشعور بالمسؤولية حيال الضغوط الاقتصادية. ويحمل الثاني مخاطر إثارة تقلبات حادة في السوق، وربما تسريع تقنين الائتمان للشركات الأكثر نفوذاً.في مواجهة هذا الواقع، يجب على البنك المركزي أن يحاول جاهداً التغيير ويستعيد سيطرته بشكل أفضل على قرارات الفائدة والسياسة النقدية. ولعل الطريقة الفضلى هي تلك التي تجمع بين مسارين.الأول، هو إرساء هذه الجولة من رسم السياسات بشأن تدابير الوقاية المطورة والموجهة، وليس العائمة، التي تكفل احتواء الأضرار. وينبغي أن تهدف إلى الحد من المخاطر المستقلة والمجمعة لعدم الاستقرار المالي أو سلامة البنوك، إضافة إلى تعزيز الإشراف على المؤسسات المالية غير المصرفية التي تعاني مخاطر تنظيمية. ثانياً، يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يكون أكثر استباقية في توفير إطار تحليلي «للحكومة بأكملها»، وهذا لا يحتاج فقط لاحتواء الأزمة المتفاقمة، ولكن لدفع الجهود الوطنية والإقليمية الشاملة المؤيدة للنمو إلى الأمام من قبل الحكومات التي أثبتت أنها مربكة للغاية منذ زمن طويل. وبغض النظر عن عيوبه، فإن البنك المركزي الأوروبي هو أفضل مؤسسة اقتصادية إقليمية. كما أنه في أفضل وضع لتنسيق السياسات المالية مع دول العالم الفاعلة الأخرى.قد لا يملك البنك المركزي إجابات جاهزة حول أمراض منطقة اليورو المزمنة. لكن تكراره نفس الإجراءات لن يكون غير فعال فحسب، بل سيغامر بمصداقيته ومكانته. لقد حان الوقت لأن يعمل البنك المركزي الأوروبي على تغيير المسار بعيداً عن وضع القصور الذاتي، وبدلاً من ذلك، يجمع بين التركيز على مهمته التنظيمية والإشرافية إلى جانب رسم استراتيجية عمل أكثر شمولاً. سيكون هذا أكثر فاعلية على المدى القصير، وعلى المدى الطويل، ويمهد لمسار هيكلي أفضل للمبادرات الأخرى التي تبدي لاجارد اهتماماً بمتابعتها، بما في ذلك مكافحة تغير المناخ. * كبير الاستشاريين في «أليانز»

مشاركة :