دبي: عبير أبو شمالة مع سرعة تواتر التحذيرات من كل صوب حول التأثيرات الاقتصادية الحادة والمتفاقمة لفيروس «كورونا»، وفي ظل الضغوط المتنامية من أسواق عالمية تئن تحت وطأة المخاوف من انتشار سريع لفيروس «كورونا»، تجد البنوك المركزية نفسها تحت ضغوط متنامية لخفض أسعار الفائدة على الرغم من أنها ليست الأداة الوحيدة، وإن كانت أداة رئيسية لديها في مواجهة التحديات الملحة أمام الاقتصادات وأسواق المال. ففي الولايات المتحدة أجبر العدد المتنامي من الإصابات بالفيروس الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى ضغوط الرئيس الأمريكي، على خفض طارئ للفائدة في بداية الشهر الجاري وبنصف نقطة مئوية، ومن المنتظر أن يبادر بحسب التوقعات وتكهنات كبريات المؤسسات المالية في الولايات المتحدة إلى خفض آخر، وبنصف نقطة مئوية أيضاً، في اجتماعاته المقبلة في ال 18 من الشهر الجاري.خفض المركزي الكندي الفائدة بنصف نقطة مئوية، وبادر المركزي البريطاني، أمس الأربعاء، إلى خفض الفائدة نصف نقطة مئوية إلى 0.25% في خطوة طارئة، وقبيل اجتماعاته المقرر انعقادها في ال 18 من مارس الجاري، وقال محافظ المركزي البريطاني: إن هذه الخطوة تهدف إلى احتواء تبعات الأزمة الراهنة على مستوى النمو والوظائف. وقال: إن القطاع المالي في أزمة 2008 المالية العالمية كان السبب في الأزمة، وهو سيكون اليوم جزءاً من الحل. جعبة خاوية ويرى خبراء في هذه الخطوات نوعاً من التسرع تستنزف فيه البنوك المركزية جزءاً أساسياً من أدواتها، وهو المتمثل في السياسة النقدية، وبسرعة غير متوقعة، وهو ما يحد من قدرتها على مواجهة أي تطورات تستجد في المرحلة المقبلة. وقال الخبير الاقتصادي البريطاني جيم أونيل: إن المركزي البريطاني برأيه تسرع في الخفض الطارئ للفائدة، قائلاً: إنه سيترك جعبة «المركزي» خاوية من أي أدوات لمواجهة أي تراجع حاد يحتمل أن يواجهه الاقتصاد البريطاني.وأظهرت أحدث البيانات الرسمية أن اقتصاد بريطانيا لم يسجل أي نمو في يناير الماضي ليستقر عند 0.3% المسجلة في ديسمبر 2019.ومن المتوقع أن يأخذ، اليوم الخميس، المركزي الأوروبي خطوة مماثلة بخفض الفائدة، وإن تباينت التقديرات لحجم الخفض المتوقع، وكانت رئيس «المركزي الأوروبي» كريستين لاجارد حذرت، أمس الأربعاء، من أن تبعات الأزمة هذه المرة ربما تكون موازية لما شهدته الاقتصادات العالمية، واقتصادات الاتحاد الأوروبي تحديداً، إبان الأزمة المالية العالمية ما لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة وبصورة سريعة من قيادات دول المنطقة.وتساءل الخبراء عن جدوى خفض الفائدة للأفراد الذين يقبع كثير منهم في منازلهم في بعض الدول خشية التفشي السريع للفيروس، ويرون في ضخ الدعم المالي وحسم الضرائب ودعم الأجور وما إلى ذلك من تدابير مالية فورية خيارات أهم وأنسب في مواجهة ما يعانون من تبعات الوضع الراهن.ويجد خبراء في سرعة خفض الفائدة وفي حجم الخفض الكبير مشكلة إضافية على كاهل القطاع المصرفي عالمياً، وهو ما سيكون له تداعياته على مستوى الإمارات ودول المنطقة المرتبطة عملاتها بالدولار، فمن الصحيح أن خفض الفائدة يعزز نمو الإقراض بشكل عام، لكنه يحد من ربحية البنوك، كما أن فرص ارتفاع الائتمان تبقى محدودة في ظل أجواء الشك التي تغيم على المشهد الاقتصادي عالمياً.وسعت بنوك عالمية كبرى في بريطانيا وإيطاليا وغيرها من الدول المتضررة من خطر انتشار فيروس «كورونا» إلى توفير خطط دعم للعملاء من الأفراد والشركات، منها مصل سماح لسداد القروض. مصرف الإمارات المركزي ومن جانبه، بادر مصرف الإمارات المركزي وطالب البنوك في الإمارات في الدولة، بتطبيق تدابير تستهدف التقليل من تداعيات فيروس كورونا على اقتصاد الدولة.وتشمل هذه التدابير إعادة جدولة القروض، ومنح تأجيلات مؤقتة على دفعات القروض الشهرية، وخفض الرسوم والعمولات للعملاء المتأثرين بتداعيات الفيروس، لافتاً إلى أن البنوك وشركات التمويل ستظل مسؤولة بالكامل عن قراراتها الائتمانية، مؤكداً أنها في وضع قوي، وهي في وضع يُمكنها من دعم العملاء المتأثرين بالفيروس من دون تعريض سلامتها واستقرارها المالي للخطر.وأكد «المركزي» أنه ملزم بموجب القانون بضمان الحماية اللازمة للمستهلكين، والحفاظ على استقرار النظام المصرفي، والمراقبة المستمرة للوضع الائتماني في دولة الإمارات. ولفت المصرف إلى أن منظمة الصحة العالمية نصحت الدول بالاستعداد لسيناريو يتحوّل فيه فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى وباء. ويمكن للتأثير الاقتصادي في الدول المتأثرة، أن يكون كبيراً نسبياً في مثل هذه الأوضاع.وفي الوقت الذي وجدت فيه وكالة التقييم الائتماني العالمية «موديز» في القرار خطوة إيجابية لحماية القطاع المصرفي وتعزيز الثقة في الاقتصاد، تخوفت من انعكاساته ومن تأثيرات خفض معدلات الفائدة في ربحية البنوك.وأعلن بنك الإمارات دبي الوطني خططاً لدعم العملاء بتوفير تسهيلات ائتمانية مناسبة في المرحلة المقبلة.من جانبه، قال توران آصف، رئيس الخدمات المصرفية للأفراد لدى بنك «المشرق» أن قرار المصرف المركزي بتخفيض أسعار الفائدة سيكون له تأثير إيجابي في الاقتصاد المحلي، حيث إن معدلات الفائدة المنخفضة ستحفز الاقتراض، وهو ما قد يعزز النمو الاقتصادي بسبب انخفاض قيمة دفعات المقترضين على القروض ذات الفائدة المتغيرة، وبذلك تصبح القروض الجديدة أقلّ تكلفةً. كما سيسهم انخفاض معدلات الرهن العقاري في تحفيز الاقتصاد.وقال: «ستقل أيضاً تكاليف خدمة الديون للشركات، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض تكلفة الإنتاج، وهو ما يحسن ربحية الأعمال ويوفر للعملاء سلعاً أرخص». وأضاف: «باختصار، إننا ننظر إلى هذه الخطوة من المصرف المركزي بتفاؤل كبير، لما تنطوي عليه من خير بالنسبة للاقتصاد والمستهلكين على حد سواء». تحديات جديدة ومن جانبها، حذّرت شركة «أوليفر وايمان» من الآثار السلبية الناجمة عن انتشار الفيروس في الاقتصاد العالمي، والتي قد تؤدي إلى خفض أنشطة الإقراض والاقتراض والتي بدورها ستؤثر في البنوك وفي أنشطة تمويل المؤسسات والأفراد في دبي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.وقد أظهرت منطقة الشرق الأوسط قدرتها على احتواء ومواجهة العديد من حالات تفشي الأمراض السابقة، غير أنّ المنطقة تواجه اليوم العديد من التحديات الجديدة التي من بينها انتشار «كورونا»، وأسفرت التوقعات المتزايدة حول تسارع الانكماش الاقتصادي نتيجة لانتشار الفيروس عن تردي حالة الجودة الائتمانية والحد من أنشطة التمويل الائتماني، وهو ما ألقى بضغوط أكبر على السيولة النقدية للمؤسسات المالية، ولا سيما البنوك.وفي تقرير حديث نشرته «ستاندرد أند بورز» أمس الأربعاء، حذرت من تأثيرات تفشي «كورونا» في الضعاف من المقترضين في دول مجلس التعاون، وهو ما يزيد المخاطر على مستوى نوعية الأصول ويفرض الحاجة إلى توفير الدعم للشركات المتوسطة والصغيرة الأكثر ضعفاً في مواجهة تبعات انتشار الفيروس التي تؤثر في العديد من القطاعات الاقتصادية.
مشاركة :