قدمت الإمارات نموذجاً عالمياً ملهماً في العناية بتراثها الثقافي غير المادي، وتسليط الضوء عليه عالمياً، بوصفه إرثاً إنسانياً غنياً، وزاخراً جديراً بالصون والحفظ للأجيال القادمة. ونجحت الدولة خلال السنوات الماضية في تسجيل ثمانية عناصر على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية التي تعتمدها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، شملت كلاً من الصقارة، والسدو، والعيالة، والرزفة، والتغرودة، والقهوة العربية والمجلس، والعازي.ويعتبر «العيالة» من أكثر فنون الأداء الشعبية انتشاراً في الدولة، وتُقام عروض العيالة في حفلات الزفاف والمناسبات الوطنيّة، والاحتفالات الأخرى. وتعكس «العيالة» الإرث الثقافي الغني للإمارات وروح المروءة والشهامة التي تميّز الحياة البدوية، وتؤديها مجموعة من الرجال الذين يحملون عصي الخيزران، ويؤدون رقصات متناغمة على إيقاع الطبول.ويعد فن «الرزفة» من الفنون الشعبيّة الإماراتية التي تجمع بين الشعر والرقص باستخدام عِصِي الخيزران الرفيعة، بينما اعتاد الناس في الماضي على استخدام السيوف، والخناجر، بدلاً من العِصِي في أداء هذا الفن. وفي أداء هذا الفن يصطف الرجال والصبية الذين يُطلق عليهم «الرزيفيّن» على شكل صفَّين متقابلين بينهما مسافة 10-20 متراً، حيث يجتمع عازفو الطبول والآلات الموسيقية بجانبهم يؤدون الرزيفة حاملين عصي الخيزران الرفيعة.أما فن «التغرودة» فأُدرِج في عام 2012 ضمن القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، ويعد أحد أنواع الشعر التقليدي الذي يلقي الضوء على جوهر الحياة البدوية ذات الصلة بالهجن، والتنقل في الصحراء. وظهر هذا الشعر الغنائي لترفيه المرتحلين على ظهور المطايا عن أنفسهم أثناء سيرهم لمسافات طويلة في الصحراء، كما أن أهل الصحراء وركّاب الإبل كانوا يعتقدون أن هذا النوع من الغناء يحث الإبل على السير، ويسلّيها في الوقت نفسه، ويزيد من سرعتها كلما أسرع الحادي في إيقاعه الذي يشدو به.الفنون الشعبية يعتبر «العازي» رابع الفنون الشعبية الإماراتية التي انضمت إلى قائمة التراث العالمي غير المادي، ويعود أصل هذا الفن إلى الاحتفالات بالنصر، وكان يُلقى في ساحة المعركة، ثم توارثته الأجيال عبر مئات السنين. ويتكون شعر العازي من أبياتٍ مقفاة من الشعر العربي التقليدي، مع اقتباس الأقوال المأثورة، والأمثال في بعض الأحيان.وبالانتقال إلى العادات والتقاليد، يبرز «المجلس» الذي يعدُّ جزءاً مهماً من حياة الإماراتيين الاجتماعية، وهو بمثابة المنتدى الذي يجمع أفراد المجتمع لمناقشة القضايا المتنوعة والشؤون اليومية. ونظراً للأهمية الكبيرة التي يمثلها المجلس في حياة أفراد المجتمع فقد قامت الإمارات بالتعاون مع عدد من الدول بإدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو» عام 2015.وفي السياق نفسه، ترمز القهوة العربية إلى الكرم وحسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع الإماراتي؛ ما جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية.ونجحت الإمارات بالتعاون مع عدد من الدول الشقيقة في إدراج القهوة العربية عام 2015 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، نظراً للأهمية الثقافية والتراثية التي تحظى بها القهوة العربية على نطاق واسع يشمل عدداً كبيراً من الدول والشعوب العربية.وفي إطار الرياضات التراثية، تمكنت الإمارات وبالتعاون مع 18 دولة من إدراج رياضة الصيد بالصقور ( الصقارة)، في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. وعرفت الصقارة في المنطقة العربية منذ 4000 سنة مضت، ومارسها البدو في بواديهم، لاسيما صحراء الإمارات، وشبه الجزيرة العربية، باعتبارها أحد أشكال الصيد المهمة في أرض شحيحة بالموارد الطبيعية، إلا أن دور الصقارة في المجتمع تغير مع الزمن، فأصبحت اليوم من أهم الرياضات التقليدية في الإمارات. الشجاعة والفخر ترتبط رياضة الصيد بالصقور بالقيم النبيلة والشجاعة والفخر والمجد الذي تتسم به القيم العربية المرتبطة بهذه الرياضة، إضافة إلى صلتها بالحفاظ على الطبيعة والصيد المستدام، وروح الصداقة التي تربط بين الصقّارين. وفي ما يتعلق بالحرف اليدوية التراثية، بذلت الإمارات جهوداً كبيرة من أجل إدراج «السدو» في قائمة التراث العالمي غير المادي، نظراً للمكانة الخاصة لهذه الحرفة في المجتمع الإماراتي، وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح في عام 2011.ويعد السدو من الحرف التي يشتهر بها أهل البادية في المناطق الشحيحة بالموارد الطبيعية في شبه الجزيرة العربية، ويستخدم في حياكة هذا النسيج البدوي التقليدي وبر الإبل، وشعر الماعز، وصوف الأغنام، وتصنع منه البطانيات، والسجاد، والوسائد، والخيام، وزينة رِحال الإبل. (وام)
مشاركة :