تراجعت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي أمس، بنسبة تتجاوز 8 في المائة، متأثرة بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حظر السفر من دول أوروبية إلى الولايات المتحدة، بعد إعلان فيروس كورونا المستجد وباء عالميا؛ ما أشعل فتيل المخاوف من جديد بشأن تدني معدلات الطلب العالمي على النفط. ويعني هذا التحرك الأمريكي المفاجئ على الأرجح تسجيل هبوط آخر في الطلب على وقود الطائرات وأنواع أخرى من الوقود في سوق نفط متضررة بالفعل، على الرغم من صعوبة تحديد حجم الضرر. واتسع فارق السعر بين برنت في الأجل القريب والأجل الأطول ليسجل أكبر فارق في خمسة أعوام، مما حفز المتعاملين على ملء الخزانات بالنفط بغرض تخزينه للتسليم في وقت لاحق، بينما يراهنون على أن الأسعار سترتفع. وخفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 660 ألف برميل يوميا إلى 0.37 مليون برميل يوميا. وقالت الإدارة في تقريرها الشهري، إنها زادت تقديرها لنمو الطلب على النفط للعام 2021 بمقدار 210 آلاف برميل يوميا إلى 1.73 مليون برميل يوميا. وأشارت إلى أن المخزونات قفزت الأسبوع الماضي مع زيادة مصافي التكرير الإنتاج، بينما تراجعت مخزونات كل من البنزين ونواتج التقطير. وصعدت مخزونات الخام 7.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في السادس من آذار (مارس) بينما كان محللون استطلعت "رويترز" آراءهم، قد توقعوا زيادة قدرها 2.3 مليون برميل. وزادت مخزونات النفط في مركز التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما بمقدار 704 آلاف برميل، وارتفع استهلاك مصافي التكرير للخام ستة آلاف برميل، وتراجعت معدلات تشغيل المصافي 0.5 نقطة مئوية. وهبطت مخزونات البنزين خمسة ملايين برميل الأسبوع الماضي، بينما كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 2.5 مليون برميل. وتراجعت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، بمقدار 6.4 مليون برميل مقارنة بتوقعات بانخفاض قدره 1.9 مليون برميل. وارتفع صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي بمقدار 918 ألف برميل يوميا إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا. إلى ذلك، أوضح لـ "الاقتصادية"، محللون نفطيون، أن تفشي فيروس كورونا أضر كثيرا بالنمو العالمي حيث تراجعت وتيرة الطلب العالمي على النفط، بعدما أكدت "أوبك" في أحدث تقاريرها، أن توقعات النمو قريبة من الصفر لهذا العام بفعل الانتشار الواسع للفيروس خارج الصين. ولفت المحللون إلى أن أغلب التوقعات تصب في صالح تسجيل نمو عالمي ضعيف، لا يتجاوز 2.4 في المائة مقابل 3 في المائة في تقديرات سابقة، مشيرين إلى تحذيرات أطلقتها وكالة الطاقة الدولية من أن الطلب على النفط من المقرر أن ينخفض هذا العام للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في عام 2008، بسبب تفشي الفيروس القاتل وتأثيره الواسع والمدمر على الاقتصادات العالمية. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة إل إم إف النمساوية للطاقة، إن أسعار النفط عاودت تسجيل خسائر حادة مع إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباء عالميا، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى فرض حظر واسع على الرحلات والتجارة مع الاتحاد الأوروبي، مما يعكس شللا مؤقتا في أهم اقتصاديات العالم. وأشار ماندرا إلى أن دول "أوبك" لم تجد مفرا من العودة إلى زيادة الإنتاج في ظل إصرار روسيا على التخارج من اتفاق خفض الإنتاج اعتبارا من الشهر المقبل، الأمر الذي عزز المنافسة الحادة بين كل الدول المنتجة على الحصص السوقية في الأسواق النفطية، خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن هذه الحصص تتآكل بسبب ضعف الطلب النفطي ووقود الطائرات جراء انتشار الفيروس. من جانبه، يرى أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، أن تفشي "كورونا" أضاف مزيدا من الأعباء للاقتصاد العالمي المثقل بعديد من الصعاب والتحديات، حيث أدى هذا التفشي إلى بث معنويات سلبية في السوق وإعادة تقييم الاستثمارات، وربما يصل الأمر إلى تجميد مشاريع جديدة كما حدث مع الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، حيث تتقلص أنشطة الحفر على نحو واسع وملموس. وأضاف موريس أن آثار الفيروس السلبية على النقل والوقود باتت واضحة ومتنامية خاصة في دول الاتحاد الأوروبي، التي يضربها الفيروس حاليا بعنف، لافتا إلى أن هذه العوامل دفعت منظمة أوبك إلى توقع نمو صفري تقريبا للطلب النفطي هذا العام، مقارنة بتوقعات أولية لنمو يتجاوز 1.1 مليون برميل يوميا. من ناحيته، يشير فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة سنام الدولية، إلى أن أسعار النفط تهيمن عليها الضغوط الهبوطية مع حدوث ارتدادات سعرية من وقت لآخر بسبب بعض القرارات والإجراءات التحفيزية من البنوك والمؤسسات المالية العالمية، منوها إلى تأكيد "أوبك" في أحدث تقاريرها أن المخاطر النزولية تفوق حاليا أي مؤشرات إيجابية وتشير إلى مزيد من التراجعات المحتملة في نمو الطلب النفطي، إذا استمرت الظروف الراهنة للاقتصاد العالمي. وأوضح موسازي، أن أنظار "أوبك" وروسيا تتعلق حاليا بإمكانية أن تؤدي الوفرة الحالية وتراجع الأسعار إلى إخراج منتجي النفط الصخري الأمريكي من حلبة المنافسة وتوقف مزيد من المشاريع والإمدادات الصخرية الجديدة خاصة مع توقع تباطؤ وتيرة نمو المعروض من خارج "أوبك" عند 1.8 مليون برميل يوميا هذا العام بانخفاض قدره 500 ألف برميل يوميا عن التوقعات السابقة. بدورها، ترى ويني أكيلو المحللة الأمريكية في شركة أفريكا إنجنيرينج الدولية، أن الضغوط على المنتجين الأمريكيين أكبر بكثير من كافة المنتجين نظرا لأن تكلفة المنتجين الأمريكيين أعلى بكثير من غيرهم، إذ يجدون صعوبة بالغة في التأقلم مع البيئة السعرية المنخفضة، ما جعل بيانات "أوبك" تؤكد أن انهيار أسعار النفط الأخير سيضر بالإنتاج المستقبلي في الولايات المتحدة وكندا. وأضافت ويني، أن التداعيات الاقتصادية السلبية ستستمر ما لم تظهر مؤشرات جديدة على السيطرة على المرض، وإن كانت بوادر إيجابية قد ظهرت في الصين حاليا، معتبرة أن السوق تواجه تحديات متضاعفة منذ تعثر محادثات "أوبك+" الأسبوع الماضي، التي كانت إيذانا بإنهاء تقييد المعروض العالمي، الذي دعم الأسواق خلال الأعوام الماضية، لافتة إلى أن باب المشاورات بين المنتجين لم يغلق نهائيا، وقد يشهد الأمر تطورات إيجابية مستقبلا في ظل الحاجة المتزايدة إلى تنسيق السياسة الاقتصادية والمالية العالمية لجميع المشاركين في السوق.
مشاركة :