مع بدء عمليةِ الاقتراعِ الأخيرة في إسرائيل كان مركزُ الليكود يحضِّر للاحتفاءِ بالنصر، وما أن بدأتْ عمليةُ فرز الأصوات، ومنحته النتائج الأولية تفوقًا أو تقدما على منافسه أزرق - أبيض، حتى أطلقَ رئيسُه بنيامين نتنياهو أبواقَ الاحتفالِ والادعاء بتحقيق النصر المؤزر، تمامًا كما كان قد فعل في الانتخابات قبل الماضية التي جرت لانتخاب الكنيست الحادي والعشرين في أبريل الماضي من العام الماضي، رغم أنه بنتيجتها فشل في تشكيل الحكومة، وهي التي بنتيجتها قد جرت عليه وعلى إسرائيل انتخاباتٌ ثانية ثم ثالثة وربما رابعة، دون أن ينجحَ «المنتصر» في تحقيق هدف تشكيل الحكومة!لماذا إذًا يحتفل الليكود ونتنياهو بنصر وهمي! ولماذا بالمقابل يبدي خصمه بيني غانتس زعيم أزرق - أبيض خيبة أمله! هذا السؤال يبدو أنه يجيب بالأساس على توقعات الطرفين قبل إجراء الانتخابات، ومن ثَمَّ طموحاتهما من خلال خوضها، لكن قبل ذلك لا بد من القول إن النتيجة النهائية هي تفوُّق الليكود على أزرق - أبيض بفارق 3 مقاعد، ومجمل اليمين دون ليبرمان - إسرائيل بيتنا بالطبع بنفس الفارق. والنظر في التفاصيل أكثر تبيِّن أن حلفاء الليكود على جهة اليمين والحريديم قد حافظوا على عدد مقاعدهم التي حصلوا عليها في الانتخابات غير الحاسمة السابقة التي جرت قبل خمسة أشهر، فيما خسر أزرق -أبيض مقعدًا واحدًا، فيما خسر حليفه العمل - ميرتيس ثلاثة مقاعد أخرى، لكن القائمة العربية المشتركة ربحت مقعدين، فيما خسر ليبرمان بدوره مقعدًا واحدًا.خيبة أمل غانتس سببها أنه فشل مجددًا في أن يكون بديلا أو قادرا على تشكيل الحكومة البديلة، بعد أن انحصر طموحه فقط في إسقاط نتنياهو وليس في إسقاط اليمين، وهو لم يكافح ضد اليمين وسياساته ولم يضع برنامجا مختلفا عن برنامج خصمه السياسي، فيما نجح نتنياهو في عدم تمكين خصمه من إسقاطه، ما دام متمسكا بمقود تحالف اليمين - الحريديم، وهذا مبعث الاحتفاء في جهة وخيبة الأمل في الجهة المقابلة.كذلك يمكن القول إن النظر يتم عادة بمقارنة النتائج الحالية بالتي سبقتها، وليس بنتائج الانتخابات منذ الكنيست الحادي والعشرين، ففي تلك الانتخابات مثلا، يبدو الليكود ونتنياهو قد حققا نصف المأمول بما فاق التوقعات قبل إجراء الانتخابات هذه، وهو كسر الفجوة المتمثلة بستة مقاعد، فهما قد أضافا ثلاثة مقاعد من أصل الستة التي كانت تفصلهما عن الرقم السحري وهو 61 مقعدًا، فبعد أن حصل تحالف اليمين - الحريديم في انتخابات سبتمبر الماضي على 55 مقعدا، حصل هذه المرة على 58 مقعدا. ومع أن عملية الفرز وحتى عند فرز نحو 90% من الأصوات كانت تشير إلى فوز هذا التحالف بنحو 59 مقعدا، بما كان يوحي بإمكانية تحقيق المستحيل وهو الوصول إلى حافة الرقم السحري، إلا أن مقعدين إضافيين لم يتحققا، بما يكسر حدة التوازن القائمة طوال عام مضى.وهكذا عاد الحال عمليا إلى ما كان عليه، منذ انتخابات الكنيست الحادي والعشرين التي فاز بها اليمين - الحريديم بستين مقعدا، وظل بنيامين نتنياهو يحاول أن يسرق عضوًا من أحد قوائم الخصوم طوال فترة التكليف دون جدوى، أي أن التقديرات تشير إلى أن ما عجز عنه نتنياهو في تلك الانتخابات، لن يستطيع تحقيقه مع حاجته إلى ثلاثة أعضاء هذه المرة، رغم ادعائه خلال إجراء هذه الجولة، بأنه يراهن على حدوث انشقاقات في صفوف الخصوم.لكن الحق يقال إن تفوق الليكود يعود بالدرجة الأولى إلى كفاح نتنياهو شخصيا، الذي نزل إلى الشارع وزار أكثر من ثلاثين تجمعا سكانيًا خلال الأيام القليلة التي سبقت إجراء الانتخابات لدفع أكبر عدد من أنصاره للذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولم يفعل هذا لا شركاؤه ولا خصومه، باستثناء العرب، الذين حققوا بدورهم إنجازًا غير مسبوق، وهم الذين يمكن القول اليوم دون مواربة أو تردد هم الوحيدون الذين يقاتلون ضد اليمين وحكومته المتطرفة، وضد سياساته بعد أن صمت اليسار وتساوق الجنرالات مع اليمين في مجمل سياساته، وهم فقط الذين منعوا نتنياهو من تحقيق النصر الحقيقي، فلو أنهم أكتفوا بالحفاظ فقط على مقاعدهم، بحيث ذهب المقعدان الإضافيان إلى الليكود لكان نتنياهو فتح بوابة الرقم السحري.كذلك لا بد من القول بأن إدارة البيت الأبيض قد وضعت «جلوكوز الحياة» في عروق نتنياهو واليمين حين أعلنت صفقة العصر قبل إجراء الانتخابات بشهر، وأجبرت غانتس على تأييدها، وجرّته إلى واشنطن، من أجل هذه الغاية، بحيث بدا كظل باهت لخصمه، وليس كبديل سياسي، لذا فإنه في المقابل تلقى حقنة مخدر، لعل ما ظهر من «خلاف» حينها بينه وبين القائمة العربية خير دليل على ذلك.المهم الآن، أن حالة الشلل مازالت قائمة، ولم يتم كسر حدّتها عبر صندوق الانتخابات، لذا ومع تبدد البديل الذي كان ممكنا في الانتخابات السابقة، نقصد حكومة الحزبين، أو الوحدة الوطنية، والتي أيضا فشلت ولم تعد مطروحة هذه المرة، فقد زاد الأمر تعقيدا، لذا فإن المراهنة تجري هذه المرة، للعمل وفق مبدأ «ألا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، أي إخراج نتنياهو فقط من ملعب السياسة، والإبقاء على اليمين في الحكم أو على الليكود قائدا للحكومة، فالليكود هذه المرة تفوق على أزرق - أبيض بثلاثة مقاعد بما يؤهله لأن يقود حتى حكومة وحدة يقبلها خصمه دون أن يكون نتنياهو بالتحديد هو رئيسها، لذا فقد بدأت مبادرة أزرق - أبيض واليسار للشروع في التقدم بمشروع قرار، يمنع نتنياهو المتهم قضائيا من أن يتم تكليفه بتشكيل الحكومة، وهذا يساعد رئيس الدولة الذي يقال أنه ينوي بدوره أن يمنح الكنيست قرار التكليف.فريبيلين يعلم جيدًا بأنه وفق البروتوكول عليه أن يكلف نتنياهو، لكنه يعلم في الوقت نفسه عجزه عن الفوز بأغلبية 61 صوتا، لذا فإن ترك الأمر للكنيست، مع وجود قرار يحرم نتنياهو شخصيا من منصب رئيس الوزراء يفرض على الليكود واليمين ترشيح نائب آخر، يحظى حينها بثقة الأغلبية، ربما بعد مشاورات تتضمن إخراج الحريديم من الحكم، وتشكيل حكومة مختلطة، مع تزايد نفوذ وقوة العرب الذين باتوا شوكة في حلق اليمين، ومرشحين لقيادة المعارضة.{ كاتب من فلسطين
مشاركة :