الحركة الإسلامية تترصّد أخطاء قوى الحرية والتغيير في السودان

  • 3/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن تجاوز تحالف قوى الحرية والتغيير فرحة السودانيين بإسقاط نظام عمر حسن البشير، ودخل مرحلة العمل الجدّي اصطدم بعقبات كثيرة بعضها يعود إلى طبيعة التحالف والبعض الآخر يرتبط بإرث نظام البشير الإسلامي. ويجد التحالف اليوم نفسه أمام ضرورة إعادة هيكلة لحماية مكتسبات الثورة بالسودان ووقف اختراقاتها من قوى الثورة المضادة. القاهرة- يستعدّ تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان للقيام بعملية إعادة هيكلة موسّعة لمكوناته التنظيمية قبل نهاية مارس الجاري، في محاولة لتجاوز مشاكله السياسية التي أرخت بظلالها على دوره في مصفوفتي السلطة والجماهير. وبلغت الخلافات بين أعضائه من أحزاب وقوى مجتمعية ونقابية حدّا يصعب السكوت عنه. وبدأت التداعيات القاتمة تؤثر على أداء الحكومة وقدرتها على تخطي الأزمات. ومنحت التحديات المتراكمة الفرصة لقوى الثورة المضادة، من الإسلاميين، المزيد من النشاط والحيوية والقدرة على التخريب. مراجعة أداء السلطة الانتقالية يعقد التحالف سلسلة من الاجتماعات المتلاحقة مع لجان المقاومة المختلفة للوصول إلى رؤية في التعامل مع المرحلة الصعبة المقبلة، قبل انعقاد المؤتمر التداولي نهاية الشهر الجاري. ويشارك في المؤتمر مجلس السيادة، بشقيه العسكري والمدني، والحكومة. ويهدف إلى مراجعة أداء السلطة الانتقالية ومناقشة القضايا التنظيمية داخل التحالف وعلاقته مع حكام الولايات المتوقع استبدالهم قريبا، والاستعداد لاختيار أعضاء المجلس التشريعي بعد توقيع حزمة من الاتفاقيات مع الجبهة الثورية وفتح الطريق أمام تحقيق السلام في ربوع البلاد. يتكوّن التحالف من المجلس المركزي، وهو أعلى سُلطة في الائتلاف الحاكم، وتليه اللجنة التنسيقية التي تسعى إلى تنسيق المواقف السياسية، ثم لجنة العمل الميداني التي انتابها بعض الفتور، وظهرت مطالب متعددة مؤخرا بتفعيلها في الشارع. تعرّضت الهيئات الثلاث لانتقادات خلال الفترة الماضية، نالت من هيبة الدور التنظيمي لقوى الحرية والتغيير، وفرضت عليها وقفة لإعادة التقييم وتصحيح المسارات قبل أن يترهل الجسد العام في ظل موجات عاتية من المشكلات أخفقت السلطة الانتقالية في التغلب عليها. لا تزال القوات الموازية التابعة للحركة الإسلامية والتي أنشأها البشير بمراسيم رئاسية لم يقترب منها أحد لا تزال القوات الموازية التابعة للحركة الإسلامية والتي أنشأها البشير بمراسيم رئاسية لم يقترب منها أحد تريد خطوة إعادة الهيكلة تحاشي تكرار الوقوع في أخطاء ثورتي 1964 و1985، حيث أدت قلة الخبرة السياسية آنذاك ودهاء القوى المناوئة إلى خطف ثمارهما، وتهيئة البلاد للارتماء في أحضان الجيش في الأولى، وإخفاق التجربة الديمقراطية الوليدة في الثانية بسبب الخلافات والاستقطابات الحزبية حتى سقطت الثمرة جاهزة في حجر الحركة الإسلامية. تحذر دوائر سودانية من العودة لأيٍّ من هذين الخيارين مع تراجع تأثير قوى الحرية والتغيير، وقلة الخبرة السياسية لدى عدد من القيادات والإصرار على تقدم الصفوف في السلطة، وهو ما فرض التسريع بعملية الهيكلة، لأن التراخي والتقاعس سيقودان إلى سيناريوهات قاتمة من نوعية منح القوى الإسلامية فرصة لهدم الجدران التي شيّدت لتقويض نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، ودخول منافسيها في حلقة وعرة من تصفية الحسابات. توجه اتهامات للحرية والتغيير لعدم قدرتها على حسم ملف إزالة التمكين والتلكّؤ في التعامل مع رموزه، الأمر الذي أتاح للحركة الإسلامية توسيع نطاق النشاط وتوظيف العناصر المنتشرة في الدولة العميقة. وبدأت وتيرة الانتقادات تتزايد في هذا المضمار حتى وصلت إلى تردد معلومات حيال عقد تحالفات سرية بين قيادات في الحرية والتغيير وعناصر إسلامية متلوّنة، تضمن للأخيرة فرملة الملاحقات السياسية والأمنية، وتستفيد الأولى عندما يحلّ موعد الاستحقاقات الانتخابية من خلال التنسيق مع الجيوب التي يملكها النظام السابق في الكثير من الولايات. ترمي إعادة الهيكلة إلى تجاوز هذه المطبات ومنع استفحالها، وتأكيد شفافية القيادات، وشدّ عضد الكوادر التي أخذت تنفضّ عنها وتفقد الثقة في مواجهة المخزون الحركي للنظام السابق. فلا تزال القوات الموازية التابعة للحركة الإسلامية والتي أنشأها البشير بمراسيم رئاسية لم يقترب منها أحد، ما يعني جاهزيتها للقيام بمهام تحرج السلطة الانتقالية، فعدم المساس بها حتى الآن يثير الشكوك في وجود نية مبيّتة لعدم الحسم النهائي في ملف إزالة التمكين. يتكوّن التحالف من المجلس المركزي، وهو أعلى سُلطة في الائتلاف الحاكم، وتليه اللجنة التنسيقية التي تسعى إلى تنسيق المواقف السياسية، ثم لجنة العمل الميداني التي انتابها بعض الفتور فتحت المحاولة الفاشلة التي استهدفت اغتيال عبدالله حمدوك رئيس الحكومة الباب لمناقشة هذا الملف الذي يظهر ويخفت الحديث بشأنه حسب الأجواء السياسية، ما أحرج قوى الحرية والتغيير، لأنها صمتت كثيرا عن النشاط الذي دبّ في عروق الحركة الإسلامية ولم تجرؤ على التصدي له وتطويق فسادها، بشكل عزز التكهنات بوجود صفقات غير معلنة بين الحركة وقيادات في الحرية والتغيير، على الرغم من قيام قيادات أخرى بالمطالبة مرارا بإنهاء مسألة التمكين عبر إزالة كل المعوقات التي تقف حائلا دون ذلك. تقود إعادة الهيكلة إلى غلق المنافذ أمام جهات مشكوك في ولاءاتها تسرّبت إلى قلب التحالف وعقله، وقدّمت نفسها على أنها في طليعته الثورية، وهي التي ركبت حصان الثورة بعد تأكدها من سقوط البشير. وتنهي خطوة كبيرة من هذا النوع فكرة تعدد الانتماءات، وتقلّص خطاب التسامح والصفاء، وتطوي الصفحة الماضية بكل مراراتها، والذي يردّده البعض كي يتم السماح بانضمام عناصر من الثورة المضادة إلى الثورة الحقيقية. وتتعقد عملية تحديد الفواصل، ويتصاعد التداخل ويصبح الفرز السياسي بالغ الصعوبة. فقدان الثقة تلبّي النظرة الفاحصة لحال قوى الحرية والتغيير مطلبا شعبيا عاجلا، يوقف زحف طوفان فقدان الثقة الذي بدأ ينتاب الكثير من المكوّنات السياسية، ويجعلها تدخل في تراشقات لم تعد مقتصرة على الغرف المغلقة، بل خرجت إلى الجماهير التي تحولت إلى عنصر فاعل فيها. نجحت بعض القوى في دغدغة مشاعر قطاع كبير فيها، يقوم بتحديد انحيازاته على أساس الانتماءات الحزبية وليس بموجب الالتفاف خلف قوى الثورة كوحدة واحدة. لعل التجاذبات التي حدثت في جسم التحالف بين قيادات فيه، وبين قيادات في الحزب الشيوعي، وحزب البعث، تعد مؤشرا لما يمكن أن تصل إليه الأمور، فقد ارتفعت في الحزبين أصوات تطالب بالخروج من عباءة التحالف وهي مدركة أن الخطوة تمثل خسارة للجانبين. يحتاج التحالف إلى هيكلة عاجلة قبل أن تتفكك القوى الحيّة فيه، فالصراع حول شغل المناصب وجني المكاسب يؤدي إلى غرق الجميع في بحر الخلافات العميق. الوقت يعمل في غير صالحهم، والجماهير بحاجة لتشعر أن هناك تفاهمات مشتركة وقوية بشأن آليات التعامل مع المرحلة المقبلة. إذا نجح التحالف في عبور خطوة الهيكلة دون خسائر، سيتمكّن من استكمال الفترة الانتقالية بطريقة تعزز حضوره في المعادلة السياسية والمرجّح أن تشهد مستجدات دقيقة، مثل انخراط الجبهة الثورية بمكوناتها السياسية والعسكرية في السلطة، والتوزيع العادل لرؤساء الولايات وأعضاء المجلس التشريعي، وكلها من العلامات التي تخصم من الرصيد الحالي للحرية والتغيير. إذا نجح التحالف في عبور خطوة الهيكلة دون خسائر، سيتمكّن من استكمال الفترة الانتقالية بطريقة تعزّز حضوره كرقم محوري في المعادلة السياسية بالسودان، يستطيع قيادة الجماهير وتنظيمها وتحقيق أهداف الثورة وامتلاك القدرة على اتخاذ القرارات التي تتناسب مع طبيعة المرحلة، وتنتهي الشكوك التي تخيم على أذهان بعض القوى الشبابية الطامحة للأمن والاستقرار في كنف حكم مدني ديمقراطي. ترسي عملية الهيكلة قواعد جديدة في علاقة تحالف الحرية والتغيير مع الحكومة، وتجعله حكيما في محاسبتها وترشيد خطواتها، وقادرا على توجيه دفة الأمور نحو الاتجاه الصحيح، وضبط منظومة التفاعلات بما يسد المنافذ والثغرات التي تتسرب منها قوى الثورة المضادة، وتتم مواصلة مشروع السلام الذي تعثر كثيرا وتجاوز المدة المحددة لتحقيقه (ستة أشهر). سيكون الفشل وبالا على القوى التي راودها الأمل في سودان جديد، وبالتالي تنتهي واحدة من أحلام اليقظة التي تشدّقت بها فئة كبيرة من المواطنين، ورغبت في غد أفضل مع زوال شمس البشير. لذلك على قوى الحرية والتغيير الاستفادة من الدروس والعبر التي قدمتها الفترة الماضية عند شروعها في إعادة الهيكلة قبل أن تجرفها العواصف العاتية للثورة المضادة.

مشاركة :