تقلبت حياة الراوي بخيت ناصر حميد المهيري بين العمل في البحر والعمل في شركات البترول والعمل الحر كناقل للمسافرين، وهذا ما أعطى لحكاياته ثراءً وتنوعاً مفيداً، وجعلها تغطي جوانب مهمة من تاريخ الحياة في الإمارات قبل وبعد نشأة الدولة. كانت بداية المهيري مع البحر مبكرة ككل أبناء مجتمعه الذين ولدوا على شاطئ البحر، واقتضت منهم ظروف الحياة أن يلقوا بأنفسهم وهم صغار في أحضان ذلك الموج الهادر الرهيب، ويقاسوا مختلف الظروف والمصاعب التي يتعرض لها البحارة، وفي البحر خبر مهنة الصيد وعرف كل تفاصيلها، وتقاليد الصيادين في العمل، وأثرت فيه روح العمل الجماعي التي تطبع أداءهم على ظهر السفينة، واضطلاع كل منهم بدور محدد، حيث يقوم كل بدوره بتفان، ما يبعث على الأخوة، ويقيم ترابطاً راسخاً بين أفراد المجموعة، ويؤدي في النهاية إلى نجاح المهمة، وقد ساعده ذلك السلوك في أعماله اللاحقة، فكان سهلاً عليه أن يندمج في المجموعات المختلفة التي عمل فيها، كما رسخ فيه مسؤولية نحو المجموعة سوف تظهر لاحقاً في حبه للخير، ومساعدته للناس. التحق بخيت في عام 1979 بشركة انتربوز الفرنسية للأعمال البترولية البحرية ومقرها أبوظبي، وقد استطاع بطيبته أن يكوّن علاقات كثيرة داخل هذه الشركة، ولم يجد صعوبة في العمل مع الأجانب، وإقامة روابط بينهم على غرار تلك التي كان يكوّنها مع أبناء وطنه أثناء عمله في البحر، وقد كون ذلك لديه طبيعة منفتحة على الآخرين مستعدة لتقديم يد العون لهم أياً كانت جنسياتهم، واتسم عمله فيها بالتفاني في القيام بمسؤولياته، ويروي المهيري الكثير من التفاصيل عن طبيعة العمل في الشركات البترولية الأجنبية والوطنية العاملة في الإمارات في ذلك الوقت، وكيف وفرت فرصاً للعمل لأبناء الإمارات، انتقلوا من خلاله إلى الأعمال المدنية الحديثة، في وقت بدأت فيه الدولة تتجه إلى التمدن وإرساء معالم الحياة الحديث، بعد مدة العمل في انتربوز انتقل بخيت المهيري إلى جزيرة رأس تنورة في السعودية ليعمل في نقل الركاب من البحر إلى البر، ويتقاضى على ذلك مقابلاً، وقد تعرف خلال عمله إلى أجواء خليجية مختلفة، وأجناس بشرية متعددة، ما عمق تجاربه في الحياة وجعله خبيراً في سلوك الناس وعاداتهم، وبعد سنوات من العمل هناك عاد إلى أرض الوطن ليستقر بشكل نهائي. انصرف المهيري بعد مسيرة عملية طويلة في العمل وبعد تجارب حياتية متنوعة إلى توثيق أجواء الحياة القديمة واستقصاء تفاصيل حياة المجتمع التقليدي، وكذلك الفترة التي وعاها، وما تعلمه فيها من قيم، وما وعاه ذهنه من أحداث وعادات، واهتم كثيراً بالعادات التي تظهر أخلاق المجتمع، وتعلي شأن المحبة والتعاون فيه، فهو يرى أن تلك القيم كانت أساساً للاستقرار والحياة الكريمة والمحبة التي طبعت حياة المجتمع القديم، فرغم شح مصادر العيش، وقسوة الحياة، إلا أن تلك القيم جعلتهم يعيشون في سعادة، وكأنهم يمتلكون ثروات طائلة، وذلك لأن تلك القيم هي الثروة الحقيقية التي لا تنضب. أصبح بخيت المهيري أحد الرواة الذين يعول عليهم في رواية التراث وحياة المجتمع في الماضي، وكثيراً ما يجتمع إليه الناس في مجلسه يحدثهم عن الماضي ومآثر الأقدمين، وقد كرّمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في دورة يوم الراوي 2014، وجاء في إصدارها بهذه المناسبة، ضمن تعريف مختصر به، أنه: ولد في الشارقة عام 1943، وتميز بسرد القصص التراثية والشعبية وإلقاء الشعر الشعبي، ويجمع الناس ليستمعوا إليه.
مشاركة :