«أزمة الفيفا».. عندما تتلاعب المصالح ب«كرة القدم»

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الرياضة هي توأم السياسة، لا تغيب واحدة عن الأخرى رغم كثرة الادعاء بغير ذلك في الأوساط الرياضية الرسمية، وقد تحقق الرياضة ما تعجز عنه السياسة، وقد تكون وسيلة سياسية في بعض الأوقات، تعبر بها دولة أو مجموعة دول عن عمل سياسي، كما حدث في أولمبياد موسكو سنة 1980 الذي كان واحداً من أوضح صور خلط الرياضي بالسياسي، حيث انعكست العلاقات الدولية المتوترة بين الغرب بقيادة أمريكية مع الاتحاد السوفييتي سلباً على نشاط رياضي دولي كبير، وانعكس ذلك في مقاطعة أمريكا ومعها عدد كبير من الدول التي تدور في فلكها الأولمبياد كجزء من حزمة من الإجراءات التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية للاحتجاج على الغزو السوفييتي لأفغانستان في سنة 1979. النماذج متعددة وأكثر من أن تحصى، وفي وطننا العربي هناك واقعة شهيرة حديثة جرت أحداثها المؤسفة أثناء التصفيات النهائية المؤهلة للمشاركة في كأس العالم السابقة بين فريقي مصر والجزائر الشقيقتين، وقد تم استدعاء السفراء بين البلدين على خلفية أحداث شغب مؤسفة وعنف، حيث انتقلت الغيرة الرياضية واللعب الرجولي داخل المستطيل الأخضر إلى المشجعين ومصالح كلا البلدين في تطورات سريعة واعتداءات أليمة مهددة بتعكير صفو العلاقات بين البلدين العربيين، بل تضررت السودان نفسها راعية المباراة الفاصلة بشكل يوضح عمق العلاقة بين الرياضة والسياسة بأكثر مما دار في خلد الذين شرعوا للرياضة العالمية قواعدها وقوانينها. وكرة القدم اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم أجمع هي في الحقيقة خليط من الرياضة والسياسة والاقتصاد، وبعض الشعوب تنتقم لكرامتها بالأهداف والهتافات، وبعض الساسة يقولون إن كرة القدم ليست سوى واحدة من الألعاب السياسية، وقد دخلت السياسة بقوة إلى خط الهجوم على ملاعب كرة القدم، وهذه المرة من بوابة فضيحة الفساد التي ضربت الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، وإحالة عدد كبير من الأسماء البارزة فيه إلى التحقيق بتهم الفساد، وبعد أن علا صوت بعض الاتحادات الرياضية مطالبة بتأجيل الانتخابات أو انتخاب شخص آخر غير جوزيف سيب بلاتر، الرئيس المزمن للفيفا، جاء الدور على القادة السياسيين للتعليق على ما اعتبره البعض كارثة خطرة، وعبرت عن مصالح كل طرف ورؤيته لجوهر ما يجري في الملاعب الخلفية للسياسة الدولية المتداخلة في القضية. فساد الفيفا لم يكن وليد اللحظة، بل امتد طوال سنوات، ليتحرك مؤخراً بقوة الدفع الأمريكية قبل أيام قليلة من انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، حيث تم اعتقال سبعة مسؤولين على خلفية تهم غسل أموال واحتيال ورشاوى تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار في الفترة منذ 1990 حتى الآن. وقامت السلطات السويسرية بعملية الاعتقالات بعد طلب من السلطات الأمريكية، فيما تم وضع سبعة آخرين على القائمة، وجاء تدخل السلطات الأمريكية في القبض على مسؤولي الفيفا، وتحقيق المدعي العام الأمريكي بالمنطقة الشرقية في نيويورك معهم في اتهامهم بقبول وإعطاء رشاوى بين أوائل التسعينات والوقت الحالي، لينقل الأزمة الرياضية إلى معركة سياسية تدور رحاها بقوة بين الجانبين الأمريكي والروسي، فضلاً عن تدخل بعض الدوائر السياسية للتعليق على الأزمة. تبدت السياسة منذ اللحظة الأولى في أزمة الفيفا، وكان لافتاً بعد ساعات من إعلان القضاء الأمريكي التحقيق مع 14 شخصاً من أعضاء حاليين أو سابقين للفيفا ورؤساء شركات تسويق رياضي على علاقة بالاتحاد للاشتباه في تلقيهم رشاوى منذ سنة 1990، أن وسائل إعلام روسية أشارت إلى مؤامرة أمريكية لمنع تنظيم كأس العالم 2018 في روسيا، كما أصدرت الخارجية الروسية بياناً هاجم اللجوء غير المشروع للقانون الأمريكي في هذه القضية، وطلبت موسكو من واشنطن وقف المحاولات لتطبيق قوانينها خارج حدودها، وتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه على خط الأزمة، وقال في مقابلة صحفية إن جوهر فضيحة الفساد ليس إلا منع إعادة انتخاب جوزيف بلاتر رئيساً للفيفا، وذلك لأنه قاوم ضغوط الساعين لإقناعه بالعودة عن اختيار روسيا لاستضافة كأس العالم 2018. وأكد بوتين أن انعكاسات فضيحة فيفا لا ترتبط بروسيا التي ستستضيف كأس العالم في كرة القدم في عام 2018، وأعرب الرئيس الروسي عن قناعته بأن الرياضة يجب أن تكون منفصلة عن السياسة، وينبغي أن تؤثر إيجابياً في الأخيرة وتكون أداة للحوار والوفاق وإيجاد الحلول. استقالة بلاتر بعد نجاحه في الحصول على مقعد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لدورة خامسة، أضافت غموضاً جديداً فوق الغموض الذي يكتنف التوقيت والإجراءات التي اتخذت في حق مسؤولين كبار بالفيفا، وقال أحدهم: لا أصدق أنه اتخذ هذا القرار بناء على أي أساس أخلاقي، لقد حدث شيء في هذه الفترة جعله يستقيل، كان يمكن أن يستمر للأبد، لذا بالتأكيد هناك شيء ما حدث. أصابع السياسة لعبت هذه المرة أيضاً في تعديل مجرى الأحداث داخل صفوف الفيفا، رغم أن مصدراً قريباً من الفيفا حاول أن يحصر الأمر داخل أسوار الاتحاد الدولي، وصرح بأن بلاتر تعرض لضغوط من مسؤولين في اللجنة التنفيذية وأناس في دائرته الداخلية لكي يرحل، في أعقاب الخزي الذي أحاط بالمنظمة منذ اعتقالات مسؤولي الفيفا وجرى إبلاغ بلاتر على ما يبدو بأنه إذا أراد اختيار متى وبأي طريقة يرحل، فإنه يجب أن يفعل ذلك الآن. بلاتر الذي امتثل للضغوط واستقال بعد أقل من أسبوع واحد على انتخابه، كان يفعل ما طلب منه رغماً لمرة أولى وأخيرة في مشواره داخل الفيفا، حتى الشركات الكبيرة الراعية للفيفا والتي لم تعلن سخطها بعد انتصار بلاتر تغيرت لغتها في أعقاب استقالته الملغزة، وقالت كوكاكولا: الاستقالة خطوة إيجابية لصالح الرياضة وكرة القدم والجماهير، وستساعد على أن يحول الفيفا نفسه سريعاً إلى منظمة للقرن 21، ورحبت أديداس وهي من الرعاة الكبار أيضاً باستقالة بلاتر، وقالت: الاستقالة تمثل خطوة بالاتجاه الصحيح في طريق الفيفا لتكوين واتباع معايير إلزامية شفافة في كل شيء يفعله. طوال 17 عاماً تولى فيها السويسري جوزيف بلاتر، رئاسة الفيفا، والفضائح تطفو على سطح المشهد الكروي العالمي، ما بين رشاوى وفضائح وعمولات وتلاعب في خدمات البث للمباريات، ومنذ سنة 1998 حيث تولى بلاتر رئاسة الاتحاد، هناك اتهامات توجه له بأنه قدم مبلغ 50 ألف دولار كرشوة لممثل الدول الإفريقية في التصويت، لتكون الأصوات الإفريقية في صالحه، وهو ما نفاه بلاتر بشدة. وفي سنة 2006 وجهت الفيفا إنذاراً لجاك وارنر نائب رئيس الفيفا، والذي تولى مسؤولية تسويق تذاكر مباريات كأس العالم وكانت مقامة في ألمانيا هذا العام، وأفادت تقارير أن شركة تعود ملكيتها لعائلة وارنر قامت ببيع تذاكر في السوق السوداء جنت منها عمولة قدرت ب 900 ألف دولار، غير أن لجنة الفيفا التي حققت في الأمر لم تتمكن من إثبات تهم على وارنر نفسه، في حين أدانت ابنه واكتفت بتوجيه إنذار له. وفي سنة 2010 حظيت روسيا وقطر بشرف تنظيم مباريات كأس العالم في سنتي 2018 و2022، وتم خلال تلك الفترة وقف عضوين تنفيذيين في الفيفا بسبب تهم تتعلق بالفساد، أما الاتهامات التي وجهت للبلدين المضيفين، فتم التحقيق فيها داخل الفيفا، ولم تخرج التحقيقات بنتائج ملموسة. مكتب المدعي العام السويسري أعلن أنه فتح تحقيقاً جنائياً في منح حق تنظيم كأس العالم عامي 2018 و2022 لقطر وروسيا على الترتيب، وهو الأمر الذي زاد شكوك البعض تجاه هذه الخطوات المتسارعة في الفيفا، وبدا أن سؤال سحب تنظيم كأس العالم مطروحاً سواء في نسخته الروسية في عام 2018، أو نسخته القطرية في 2022، أو كليهما وستكون هناك فرصتان وحيدتان العام المقبل لتقديم مثل هذا المقترح أثناء المؤتمر الانتخابي الاستثنائي، والمتوقع بين ديسمبر/ كانون الأول سنة 2015 ومارس/ آذار سنة 2016 أو في الاجتماع السنوي المعتاد في مايو/ أيار سنة 2016. متابعة مجريات المباراة على أرض الملعب الرئيسي للفيفا تشي بأنها تحولت إلى معركة تستخدم فيها أسلحة السياسة والاقتصاد، التي تبقي الرياضة وكرة القدم على هوامش الملعب الجانبية، وقد بدأ الحديث الخجول عن إمكانية تنظيم إنجلترا لكأس العالم سنة 2018 بدلاً من روسيا، وتنظيم أمريكا لبطولة سنة 2022 بدلاً من قطر، ليثبت أنها لعبة مزدوجة تتداخل فيها الرياضة مع السياسة بطريقة لا تعرف من يسبق الآخر ومن يتلوه، وهي اللعبة نفسها التي يمكن أن تتسبب في الإطاحة بالنظام القائم بمنظمة الفيفا، حيث يجري التحضير الآن للخروج بهيئة اقتصادية مكونة من رعاة الاتحاد الدولي يكون من حقها وحدها منح الدول حق تنظيم كأس العالم، بدلاً من الجمعية العمومية للفيفا التي يبدو أنها مقبلة على تطهير هائل تسقط فيه رقاب أخرى. سحب كأس العالم من روسيا وقطر لن يكون قراراً سهلاً، لأنه يمس مصالح دول وشركات عملاقة، ويحتاج إلى أدلة قوية على ثبوت تلاعب في التصويت لا يمكن الشك بها، خاصة أن لوائح الفيفا تسمح بسحب البطولة في حالات الفساد، وبالنسبة لقطر سيكون سحب التنظيم بمثابة لطمة كبيرة، بينما قد ترى روسيا فيها خطوة دبلوماسية عدائية خاصة في ظل الخلافات المحتدمة بينها وبين الغرب بسبب أوكرانيا، وليصدق قول القائل: ما اجتمعت السياسة والرياضة إلا وكان الفساد ثالثهما.

مشاركة :