دودة غينيا تصيب الإنسان بالحــمّى والألم الحارق والغثيان

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ظلت الفتاة هوبيدا إدريسو، البالغة من العمر تسعة أعوام، تعاني أياماً طويلة الألم، ثم فيما بعد امتلأ جسدها بالبثور، وأطلت منها ثلاث ديدان برؤوسها، وهي ما يطلق عليه دودة غينيا. كان ذلك عام 2007 عندما اجتاح هذا المرض قرية سافيلونغو في غانا. وتقول الفتاة في ما بعد: ربما أصبت بهذه الديدان بعدما تناولت ماءً من أحد الجيران خلال بيعي الفحم في الجوار. ويعود هذا المرض المروع الى أزمة قديمة، ويطلق عليه دودة غينيا، أو داء التنينات، ويصاب الشخص به عندما يشرب المياه التي تحتوي على طفيليات صغيرة تعيش داخلها يرقات دودة غينيا المُعدية. وتنمو هذه اليرقات وتترعرع داخل بطن الإنسان، ويصل طولها إلى متر أو ثلاث أقدام في بعض الأحيان. وعندما تخرج الدودة من جسد الإنسان هناك احتمال بأن تضع بيوضها في الماء لتكتمل دورتها اذا اغتسل الإنسان في البرك الراكدة، وهذه البرك الراكدة هي مصدر مياه الشرب لمعظم السكان في هذه البلاد. ويطلق عليها البعض الحية النارية للألم الشديد الذي تصيب به ضحيتها عندما تخرج من النطف بعد عام كامل في جسد الإنسان، وتشبه الخيط عند خروجها. وينبغي اقتلاع الدودة الناشئة بعناية من الجسم، عن طريق لف عصا حولها قليلاً قليلاً كل يوم لمدة شهر أو شهرين. استراتيجيات السيطرة على المرض تتمثل الاستراتيجيات الرئيسة للبرنامج العالمي لاستئصال داء التنينات في وضع برامج مراقبة وطنية، وتحديد الحالات، وبالتالي وضع سياسة ملائمة وخطة وطنية للاستئصال بعد ذلك، ويتم تنفيذ التدخلات، مثل التثقيف الصحي من قرية الى اخرى، من قبل متطوعين على مستوى القرية حول أصل المرض، وطريقة انتقال العدوى، وطرق الوقاية منه، ومكافحة العائل الوسيط بالمواد الكيميائية، واستخدام مرشحات مياه الشرب، للحيلولة دون ابتلاع البراغيث التي تحتوي على اليرقات المعدية. واقتراح توفير مصادر مياه صالحة للشرب، مثل آبار جوفية باعتبارها مساهماً رئيساً في مكافحة المرض، ومنع المصابين من الدخول الى موارد مياه الشرب. طفيليات في الساق كان المهاجر السوداني، بمدينة ملبورن الأسترالية، ليس لديه اي فكرة بأنه يحمل في ساقه إحدى هذه الطفيليات لأربع سنوات بأكملها، ولم يكتشف ذلك الا بعد أن عانى تورماً في كاحله، وزار الطبيب لإجراء فحوص، وكشفت الأشعة السينية التي خضع لها وجود جسم طويل يشبه الخيط داخل كاحله بطول متر تقريباً، حيث اظهرت الأشعة قطعتين من كرة لولبية. ويقول الطبيب إن هذا المخلوق مات قبل فترة وبدأ يتحلل داخل الجسم مسبباً له هذه الأورام. استئصال دودة غينيا أكدت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، مارغريت تشان، أن جهود القضاء على دودة غينيا أحرزت انجازاً كبيراً في غانا، حيث ثبت خلو البلاد من هذا المرض في يناير الماضي. وذكرت أن نيجيريا بدت مشجعة للغاية، اذ لم يبلغ عن وجود حالات طوال الأشهر التسعة الماضية. ووفقاً لسجلات منظمة الصحة العالمية، فإن ثماني دول فقط في إفريقيا يجب التأكد من عدد الاصابات بها، تشمل كلاً من كينيا والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا، والتي تم تصنيف هذا المرض فيها بـغير المستوطن، وتشاد وإثيوبيا ومالي وجنوب السودان، على أن المرض فيها مستوطن. ويأتي متبرع كل يوم ولمدة أسبوعين الى منزل المصاب لاستخراج الديدان. وكثير من المرضى يعاني أكثر من دودة في وقت واحد، وتستغرق الجروح الناجمة عن استخراج الديدان شهرين لتشفى. وعندما بدأت الديدان في الظهور، لم تستطع هوبيدا الذهاب الى المدرسة، أو التعامل مع مهامها المنزلية، أو إكمال وظيفتها المدرسية بعد الدوام المدرسي. وبعد عام من ذلك تعافت هوبيدا تماماً من مرض دودة غينيا، وأصبحت قادرة على أداء مهامها اليومية، فضلاً عن عملها في بيع الفحم لإعالة أسرتها ودفع الرسوم المدرسية لأشقائها الثلاثة. عرف البشر هذا الطفيلي منذ ما لا يقل عن 3000 عام، حيث تم العثور عليه في أحد المومياوات المصرية، ويؤثر المرض في السكان الأشد فقراً، الذين يقطنون في المناطق الريفية أو مناطق النزاع، والذين لا يحصلون على مياه صالحة للشرب. وهو على حد سواء، يوصف بمرض الفقر وسبب للفقر. وفي أحيان كثيرة يصاب أكثر من نصف سكان القرية به، ولهذا السبب يؤثر بشكل كبير في الإنتاجية الزراعية، والانتظام في الدراسة بالنسبة لطلاب المدارس، وصحة الأم والطفل. ويؤثر المرض في الأفراد الذين يعتمدون على موارد المياه الملوثة، وهذا يعني أن 15-70% من سكان القرى في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على حافة الخطر. ويهدد المرض أيضاً التنمية الاقتصادية، لأنه يؤثر بشكل رئيس في السكان الأكثر إنتاجية بين 12 - 50 عاماً. ويتخذ المرض نمطاً موسمياً ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بهطول الأمطار. وغالباً ما يتزامن مع موسم الحصاد أو الزراعة الموسمية، ويؤثر بشكل كبير في الإنتاجية الزراعية، وعلاوة على ذلك، فإنه يؤثر في الالتحاق بالمدارس. ويقدّر البنك الدولي أن معدل العائد الاقتصادي على الاستثمار في البرنامج العالمي لاستئصال مرض دودة غينيا، من المحتمل أن يشكل نحو 29% في السنة. ولايزال المرض متوطناً في أربع دول إفريقية، هي السودان (1698 حالة) ومالي (57)، وإثيوبيا (21) وغانا (8). حضانة طويلة للمرض لا تظهر الأعراض على الشخص المصاب حتى مرور عام، أو نحو ذلك بعد الإصابة، ثم تبدأ إناث دودة غينيا بإنتاج ملايين من البيض في جسم المريض، وهذا الارتفاع المفاجئ في عدد اليرقات يؤدي بالتالي الى الإحساس بحرقة مؤلمة تحت الجلد، ثم تظهر نطف مؤلمة، وقد يصاب المريض بحمى طفيفة، احمرار في منطقة الألم، وتورم وحكة شديدة في جميع أنحاء النطفة، ويصاب بالإسهال، والغثيان، والتقيؤ والدوار. وقد تنفجر النطفة بعد يوم أو ثلاثة أيام من ظهورها. وعندما تظهر الديدان الإناث ببطء من النطف يشعر المريض بألم مبرح حارق. وعندما يغمر المريض مكان الاصابة في الماء يخرج من الدودة الأنثى سائل أبيض حليبي في الماء يحتوي على الملايين من اليرقات ومن هنا تبدأ دورة حياة الدودة من جديد. العلاج لا يوجد أي دواء أو لقاح ضد المرض متاح في الوقت الراهن، كما أن الأشخاص المصابين لا تتطور لديهم المناعة ضد الاصابة بالمرض مرة أخرى، وهناك فقط العلاج التقليدي، وهو سحب الدودة تدريجياً باليد، وعادة عن طريق لفها بعصا خشبية صغيرة وسحبها ببطء كل يوم، وهي عملية مؤلمة للغاية، ويمكن أن تستغرق أسابيع أو شهور لنزع دودة كاملة، وهي الفترة التي غالباً ما يعاني فيها المريض إعاقة شديدة. وعلاوة على ذلك، يصاب المريض بالتهابات بكتيرية ثانوية تنتشر بشدة على جسده، وإذا لم يعالج بالمضادات الحيوية، يمكن لهذه الالتهابات أن تسبب العديد من المضاعفات مثل الحمرة، والخراجات، وتعفن الدم، والتهاب المفاصل الانتاني، ويجب على المرضى والأطباء أن يحرصوا على عدم قطع الدودة أثناء استخراجها يدوياً، لأنها في هذه الحالة يمكن أن تسبب التهاباً شديداً، حيث إن الجزء المتبقي من الدودة الميتة يتحلل في الطرف المصاب. عن جلوبال ميدسن جيمي كارتر يؤسّس مركز استئصال دودة غينيا كارتر: رأيت امرأة شابة تحمل ما بدا لي من الوهلة الأولى طفلاً صغيراً بين ذراعيها.. ولكنه لم يكن طفلاً، بل هو ثديها الأيمن، الذي تورّم جراء المرض إلى ما يبلغ القدم، وخرجت من حلمته ديدان صغيرة. طفلان في جنوب السودان يستخدمان مرشحات لشرب الماء. من المصدر خلال السنوات الـ30 الماضية شن الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، حرباً شعواء على دودة غينيا، وكان أول مواجهة له معها في أواخر ثمانينات القرن الماضي، خلال رحلة له إلى قرية صغيرة في غانا، حيث أصيب أكثر من ثلثي سكانها بهذا الطفيل. وتحدث في ذلك الوقت إلى مجموعة من الصحافيين، قائلاً: رأيت امرأة شابة تحمل ما بدا لي من الوهلة الاولى طفلاً صغيراً بين ذراعيها... ولكنه لم يكن طفلاً، بل هو ثديها الأيمن، الذي تورم جراء المرض الى ما يبلغ القدم، وخرجت من حلمته ديدان صغيرة. واكتشف كارتر لاحقاً أن المرأة كانت مصابة بـ11 دودة في جسمها. هذا الحدث، الذي وصفه بأنه واحد من أكثر مشاهد المعاناة الإنسانية التي رآها في حياته إيلاماً، ألهمه تشكيل بعثة جديدة تابعة لمركز كارتر للقضاء التام على مرض دودة غينيا. في نيويورك، خلال فبراير الماضي، دعا كارتر الى العد التنازلي لدرجة الصفر، لهزيمة هذا المرض. وأكد كارتر أنه على الرغم من أن معظم العالم الغربي لم يعد يبدي اهتماماً بالقضاء على ويلات هذه الأمراض، فإن مؤسسته تسير على الطريق الصحيح، للقضاء على دودة غينيا ليصبح المرض التالي الذي يتم استئصاله تماماً، في جميع أنحاء العالم بعد الجدري. كان المرض عام 1991 متوطناً في ما يقدر بـ23 ألفاً و735 قرية في 21 دولة آسيوية وإفريقية، مثل غانا والهند وباكستان واليمن. لكن الآن لا يوجد هذا المرض سوى في 30 قرية فقط، في أربعة بلدان، هي مالي وتشاد وإثيوبيا، وجنوب السودان. ويقول مدير برامج مركز كارتر، كريغ ويذرز: تخيل دودة بطول متر واحد، داخل بشرتك خلال 11 أسبوعاً، وهذا في حد ذاته كابوس بالنسبة لي، ويضيف إنه كائن غريب في حياتنا الحقيقية، مشيراً إلى أن الديدان يمكن أن تظهر في أي جزء من الجسم، تخيل اسوأ ما يحدث: يمكن لهذه الديدان ان تخرج من سقف الفم والثدي والرأس، وكيس الصفن. ساعد مركز كارتر على كسر سلسلة حياة الدودة عن طريق تثقيف المجتمعات المحلية المتضررة من دودة غينيا، وتزويدهم بأنابيب مرشحة للمياه لارتدائها حول أعناقهم واستخدامها عند شرب المياه. ترجمة: عوض خيري

مشاركة :