من يتابع مراكز الدراسات الامريكية على الخصوص والاسرائيلية ايضا، يكتشف حجم المعلومات حول الدور الايراني في العراق، وكيف ان هذا الدور بات محل انتقاد مراجع الشيعة قبل السنة، وان الحديث الذي ظل همسا بين مسؤولين عراقيين حول الابعاد الفارسية للنفوذ الايراني، اصبح علانية اليوم، الامر الذي دفع بطهران لسحب البساط من تحت اقدام الحكومة العراقية، وقادة الاحزاب الطائفية، ليظلوا أسرى لتوجهاتها، فقد ضخت كامل قوتها في الحشد الشعبي، ودفعت باضعاف الجيش العراقي، لعدة اسباب رئيسة. أول الاسباب هي ان شيعة العراق وان ربطت بينهم وطهران علاقة مذهبية، الا انهم بالمحصلة ضد جعل العراق ولاية فارسية، حيث برز ذلك واضحا باعتراض المرجعيات على تصريحات علي يونسي الذي اكد أن بغداد أصبحت عاصمة للامبراطورية الفارسية، اضافة الى وجود امتعاض لدى المرجع علي السيستاني من النفوذ الايراني، وخاصة بعد تدخل طهران الواضح في وراثة السيستاني قبل وفاته، ثاني هذه الاسباب ان طهران تراقب هي وحزب الله وعن كثب وجود تحول ومتغير في سوريا، وهذا يتضح من خلال التعاون والتفاهم بين جبهة النصرة والفتح والاخوان المسلمين، والذي بدأ يعطي ثماره على الارض، الامر الذي دفع ببشار الاسد وبناء على نصائح ايرانية للانسحاب من تدمر وتسليمها لداعش وثالث هذه الاسباب توقف الحشد الشعبي عن مواجهة داعش، وتوقف قوات سليماني عن الدخول في الانبار وارسال الجنود الايرانيين الى سوريا، ولكن خطة قاسم سليماني هذه المرة، تمكين داعش من السيطرة على بغداد، الامر الذي سيعيد خلط الاوراق مجددا، ويجعل طهران التي كان لها دور عملي في نشأة داعش، تتلاعب بواشنطن ودول المنطقة، من خلال جعل بغداد عاصمة للخليفة البغدادي هذه المرة. ورابع هذه الاسباب، اعادة بناء صورة داعش، وجعلها مقبولة مع تعديلات طفيفة في سلوكها، وهي تشبه الى حد بعيد كيف بكى البعض بن لادن رغم تطرفه، وكيف غنى البعض لنصر الله رغم طائفيته، عندها سيأتي يوم يحج فيه البعض الى بغداد الرشيد، لمدح الخليفة ابوبكر البغدادي، فكل هذه المتناقضات ممكنة ومتوقعة، وداعش التي اصبحت بالنسبة لبعض السنة ملجأ اضطراريا امام هجمات الحشد الشعبي، وجدنا البعض يعلنها على الملأ، تفضيله داعش على حكم الميليشيات الطائفية، رغم ان كلا الاثنين مر، لكنه الواقع، فرغم قبح افعال داعش، الا انها امام المد الفارسي اصبحت شرا أهون من شر كما يقولون. وخامس هذه الاسباب ولادة مكون شيعي عربي يضم مجموعة من المراجع والمفكرين والمثقفين والاعلاميين، مناهض للنفوذ الايراني في المنطقة، ويعمل على بناء اللحمة الوطنية في مختلف الدول العربية، ومحاربة الطائفية وثقافة الكراهية، وولاية الفقيه والتمدد السياسي الايراني في المنطقة، والذي ضم حتى الان اكثر من 230 شخصية تتداول فيما بينها انشاء منظمة عربية شيعية لهذه الغاية ولهذا ترى طهران أن تأثيرها يتداعى ويتراجع بسبب انكاشف ادوارها واهدافها. وسادس هذه الاسباب هو ارتقاء أهلنا في الشرقية على الالم والحدث والالتحام بالدولة ومؤسساتها، وهو ما لمسناه في مواقفهم في ظرف حاد وضاغط، وهو ما عبرت عنه الزميلة الاربش التي كان الوطن والدولة في مكانة عالية في نظرها، مثلما نحن مدعوون جميعا لمحاربة التطرف والارهاب والتكفير السني والشيعي، وهذا الارتقاء الوطني واللحمة الوطنية كان خلافا للدعاية الفارسية حول المملكة، والتي جعلت من نفسها ناطقا باسم أهلنا ومعبرة عنهم، وهذا ما رفضوه في وقفتهم البطولية والوطنية. امام هذه التحولات تشعر واشنطن انها مجبرة على الانصياع لبعض الرؤى الاقليمية على اعتبار ان شرا أهون من شر، حيث يمكنها ذلك من عزل سنة سوريا عن العراق، وعزل شيعة لبنان وعلوية سوريا عن ايران، وجعل الجميع في حالة من الضعف، في حين هناك اتفاق بين جميع الفرقاء للقضاء على داعش، خاصة وان سنة سوريا لا يمكنهم مواجهة داعش في ظل حضور ايران وحزب الله، كما ان سنة العراق ايضا لا يمكنهم مقاتلة داعش طالما هناك نفوذ ايراني، وطالما هناك اجتثاث طائفي يقوم به الحشد الشعبي، عندها لابد من تحالف دولي امريكي تركي ايراني خليجي للقضاء على داعش. امام هذا المنطق، هناك من يرجح امكانية تسليم ايران بغداد لتنظيم داعش، اولا لخلط الاوراق، وثانيا لتعزيز استقلالية وانفصالية وتبعية الجنوب العراقي، وخلق أزمة اقليمية، وفوضى خلاقة تضيع فيها ملامح الدولة العراقية، مثلما هو متوقع ان ينسحب النظام السوري من دمشق وتسليمها لداعش، لتصبح داعش حقا دولة العراق والشام، وليصبح الخليفة مسيطرا على بلد الامويين وبلد الرشيد امام هذه التحولات ترى واشنطن أنها لن تكون بديلا عن الدولة العراقية ولا عن الجيش العراقي، ولهذا تفترض واشنطن جدلا ان على العراقيين ان يبحثوا عن الامل والتفاهم بدلا من الخصام والحروب، وايضا رفض واشنطن التدخل البري لدحر داعش على اعتبار انهم ليسوا جيشا نظاميا، وان واشنطن لا يمكنها صنع الاستقرار في العراق، فهذه مهمة العراقيين انفسهم، الامر الذي قد يدفع بالحكومة العراقية والمرجعيات الوطنية لفتح باب التفاهم العربي لصنع الاستقرار والامن في العراق، بعدما فشلت ايران في صناعة الامن، وبعدما اصبحت اداة لبث الفوضى. وعليه فان طهران ما زالت توظف داعش وميليشيات الحشد الشعبي وحركة التمرد الحوثي لخدمة مصالحها، وهو الامر الذي ساهم بطريقة واخرى في دفع داعش لاستهداف الامن الوطني السعودي، وحفز حركة التمرد الحوثي لاستهداف حدود المملكة مؤخرا، لكن وبعد ان اسقط أهلنا في الشرقية الخيار الطائفي، وقوت هذه الانفجارات اللحمة الوطنية، ترى كيف سيكون الوضع في العراق، مع ارتفاع اصوات الشيعة العرب الرافضة للنفوذ الفارسي ايران قد تندفع فعلا باتجاه تسليم بغداد لتنظيم داعش التكفيري، ولكن ما تداعيات هذا التسليم ان فرضت طهران ايضا تسليم دمشق لداعش، واصبح التنظيم يسيطر على عاصمتين ونفط، وكتلة سكانية كبيرة، هل هي محاولة ايرانية لخلط الاوراق، أم انها الاوراق الاخيرة بيد ايران. ان المتابع ومن له علاقات قوية مع الرموز والمراجع العربية في العراق يكتشف، أن الشيعة العرب ليسوا أدوات لإيران، ولم يكونوا رهن اشارتها، بعدما رفضوا طائفية الحشد الشعبي في الانبار، وبعد وقفتهم الوطنية في الشرقية، ووقوفهم صفا واحدا خلف الدولة الوطنية، وإدراكهم لخطورة السياسة الايرانية في المنطقة. باحث سياسي
مشاركة :