القاهرة: «الخليج» فتحي إمبابي روائي من جيل السبعينات، صاحب رؤية فنية وإبداعية مختلفة، تأثرت أعماله الروائية بالتحولات الاجتماعية والسياسية ما بعد هزيمة يونيو 1967، بالإضافة إلى تكوينه السياسي والثقافي، حيث كان أحد قادة الحركة الطلابية المصرية في فترة السبعينات، وقد ظهر ذلك جلياً في عدد من رواياته مثل «مراعي القتل»، و«العلم» وغيرهما. * تنتمي إلى جيل السبعينات كيف ترى تجربة هذا الجيل في الإبداع العربي؟ - هي تجربة مختلفة - بالتأكيد - ومتميزة أيضاً على أكثر من مستوى، فعلى مستوى اللغة، كانت هناك لغة مخالفة للسائد وقتها، وهي لغة جيل الستينات التي انحازت إلى الواقعية المفرطة، والأحلام الكبرى، في حين جاءت لغة جيل السبعينات مركبة تضع الهم العام في خلفياتها، لكن جعلت صدارة المشهد للذات بأوجاعها وأحزانها وطموحاتها المنكسرة، خاصة أن هذا الجيل خرج من رحم هزيمة 5 يونيو 1967، جيل رأى المرارة متجسدة أمام عينيه، والانكسار حل محل الطموحات الكبرى والأحلام المجهدة، والآمال المزيفة، فكان عليه أن يصنع على مستوى الرؤية تركيبة تخصه، ومشهداً يدل عليه. وجدنا هذا في الشعر، فتكونت الجماعات الشعرية مثل إضاءة 77، وأصوات وغيرهما، وفي الرواية ظهرت تجارب تعبر عن هذا الجيل لمحمود الورداني، وإبراهيم عبد المجيد، وعبده جبير وغيرهم، وظهر ما يمكن أن يسمى بالرواية المضادة، التي لا تبنى على ما هدم، بل تقيم بناءها ومعمارها الخاص، وتحاور المجتمع برؤية أكثر عمقاً وفلسفية، رواية تعتمد على الأسئلة ولا تنتظر الأجوبة بعينها، رواية الاجتراح للمسكوت عنه، من هنا كان اختلاف جيل السبعينات، وهو جيل ثوري انطلقت تجربته من رحم الشارع، ومن أفق مفتوح على التغيير. منابع * في رواياتك نرى حواراً مفتوحاً مع التاريخ والواقع السياسي والاجتماعي.. ما منابع ذلك؟ - هناك منابع متعددة أستقي منها ما أكتب، منها تجربة الحركة الطلابية في السبعينات في مصر، التي كنت أحد قادتها منذ عام 1972 والأحداث التالية لها، كذلك الواقع الاجتماعي المصري في فترة السبعينات وتحولاته، خاصة منذ الفترة التي تلت وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولي أنور السادات المسؤولية، وصعود طبقات سياسية واجتماعية، حاولت هدم ما بناه عبد الناصر في سنوات المد القومي العربي، كذلك عبرت عن حالة الاغتراب التي عاشها المجتمع المصري والبحث عن لقمة عيش في بلاد عربية أخرى، كما حدث في روايتي «العلم»، أنا ابن الواقع الذي عشته في الماضي، وأعيشه أيضاً في الحاضر، وأعتقد أن الكتابة الجيدة هي بنت الواقع، تنبع منه وتعبر عنه. وهذا ما أحاول الاقتراب منه في معظم أعمالي السردية. * في روايتك «مراعي القتل» نجد روافد من الموروث الشعبي.. إلى أي مدى أضاف ذلك البعد إلى الأبعاد السردية الأخرى في الرواية؟ - المكون الشعبي، مكون أصيل في الشخصية المصرية بشكل عام، والموروث الشعبي عنصر رئيسي في الأعمال الإبداعية بشكل خاص في الشعر والقصة، والرواية، وهذا البعد هو أحد مميزات الإبداع فهو يمنحه خصوصية التجربة والكتابة الواقعية، أو كتابة الهامش الاجتماعي - كما يسميها البعض - تتكئ في أحد عناصرها على هذا البعد الحيوي فهو يمنحها المرونة والانسيابية أيضاً، كما أنه يجعل الشخصية السردية كأنها من لحم ودم، يضفي عليها حياة خاصة، وقد اعتمدت على الموروث الشفاهي، في بعض فصول رواية «مراعي القتل»، وأظن أن هناك عدداً من الدراسات النقدية التي كتبت في هذا الجانب، ومنها بعض الدراسات الجامعية. إنتاج غزير * ساد في فترة سابقة مصطلح «الانفجار الروائي».. هل أنت مع هذا المصطلح؟ - مع النهايات الأخيرة للقرن العشرين ظهرت على سطح الواقع الثقافي ظاهرة أطلق عليها «الانفجار الروائي»، ذلك أن المنتج من أعداد الروايات بدا غزيراً ومتواصلاً مثل نهر، رغم أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تقلص عدد النسخ المطبوعة للنص الروائي الواحد من ثلاثة آلاف نسخة في الطبعة الواحدة إلى ألف نسخة، لكن في السنوات الأخيرة، شهدت سوق التوزيع طفرة هائلة، وأخذت روايات عديدة تشهد نمواً متزايداً في أرقام التوزيع، خاصة مع كثرة الجوائز الخاصة بالرواية، مما أوجد حالة جيدة من المنافسة الإبداعية، وبدا أن هذا الفن يستعيد عافيته، ويلقى قبولاً متزايداً يعيده لمكانته الثقافية المرموقة. لكن الأمر لم يقتصر على مجرد ظهور روايات، تحمل أسماء معروفة، وأسماء جديدة بأعداد كبيرة، فقد شهدت الساحة ظهور اهتمام مؤسسات ثقافية رسمية ومراكز ثقافية دولية بالنشاط الروائي وبالروائيين، كما نزلت مؤسسات مالية عملاقة إلى المشهد الروائي، عبر طرحها لجوائز مالية ضخمة، وليس من المستغرب أن ينظر إلى فن الرواية بتقدير خاص، فالرواية فن رفيع يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الشخصية الإنسانية، والوجدانين الفردي والعام. لم تقتصر الرواية على دورها بوصفها فن الحرية الإنسانية ومرآة التقدم، لكنها كانت أيضاً أحد أهم العوامل الرئيسية في تشكيل الشخصية الإنسانية، فمن منا لم يقرأ «الحرب والسلام» لتولستوي، ولم يتأثر برواية «الجريمة والعقاب» لدستوفيسكي، ومن الذي قرأ «كافكا»، ولم يتفهم العالم الكابوسي للدولة الحديثة. * كيف ترى معوقات تسويق الإنتاج الثقافي والروائي منه بصفة خاصة الآن؟ - بالتأكيد هناك معوقات كثيرة تقف في وجه الإبداع بشكل عام، ومنها ضعف عملية التسويق، وأرى أن هناك فوضى ناجمة عن تضارب الأهداف والمصالح حول هذا الفن الرفيع وهو فن الرواية، والذي للغرابة الشديدة سنجد أنفسنا أمام أهم ملمح من ملامحه، وهو أنه فن النبلاء حيث يقوم أصحابه بالإنفاق عليه، وحمل كلفة إنتاجه، بدءاً من ساعات الكتابة والسهر والخوف، والتي تمتد لسنوات، ونهاية بتحمل الكاتب لتكاليف الجمع والطبع والنشر ثم القيام بحمله لتوزيعه على النقاد والصحفيين والأدباء، بحثاً عن نظرة تقدير أو تعاطف.
مشاركة :