قفزت أسعار النفط أمس مسجلة أكبر مكاسب يومية على الإطلاق، حيث سجل خام مزيج برنت ارتفاعا بنحو 15 في المائة ليصل إلى 28.45 دولار للبرميل، فيما قفز الخام الأمريكي بأكثر من 25 في المائة ليصل إلى 26.08 دولار للبرميل، في تعبير لافت لاستجابة الأسواق للإجراءات التحفيزية التي اتخذها عديد من البنوك المركزية حول العالم إلا أن الضغوط الهبوطية على الأسعار ما زالت قوية ومؤثرة في نحو واسع في ضوء تهاوي الطلب على النفط جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا في عديد من دول العالم. ويضغط على الأسعار بقوة اتساع المنافسة على الحصص السوقية بين المنتجين عقب انتهاء تحالف "أوبك +". ويقول لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن السوق تجتاز بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ الصناعة، خاصة فيما يتعلق باستمرار تهاوي الطلب العالمي موضحين أن الاقتصادات الرئيسة دخلت بالفعل إلى نفق التباطؤ ويقترب الاقتصاد العالمي بالفعل من حالة ركود واسع وشامل. وفي هذا الإطار، يرى مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن الاقتصاد العالمي يقترب من أزمة انكماش طاحنة خاصة مع استمرار القيود التي فرضتها الحكومات الأوروبية وأمريكا الشمالية على التنقل كجزء من إجراءات لمواجهة تداعيات أزمة انتشار "كورونا"، ما أدى إلى تضخيم صدمة الطلب السلبية بشكل كبير وجعل السوق النفطية تتجه إلى تسجيل أصعب فترات التعثر والضعف. وأضاف ماندرا أن أغلب التحليلات الدولية تصب في مصلحة التوقعات بأن يشهد الشهر المقبل أكبر كمية نمو للمخزونات وتراكم للنفط في تاريخ السوق بسبب انحدار الطلب إلى أضعف مستوياته لافتا إلى أن بيانات مؤسسة "ستاندرد تشارترد" الدولية تتوقع أن تصل خسارة الطلب العالمي إلى ذروتها في أبريل عند 10.4 مليون برميل يوميا وأن ينخفض الطلب السنوي إلى مستوى قياسي يبلغ 3.39 مليون برميل يوميا في 2020. من جانبه، يقول بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم إنتجلنس بوليسي" الدولية، إن تزامن ضعف الطلب مع العرض الفائض يفاقم أزمات الصناعة في الفترة الراهنة ويؤدى إلى تراكم المخزونات التى يمكن أن تصل إلى 2.1 مليار برميل بنهاية العام الحالي، لافتا إلى توقع تقارير دولية مثل "ريستاد إنرجي" أن يؤدي الانكماش إلى أكثر من 200 حالة إفلاس فقط في قطاع خدمات حقول النفط الأوروبية. ونوه فارين إلى أن تدهور أسعار الخام سيستمر وغير معروف مدى القاع السعري الذي يمكن أن يصل إليه سعر النفط، لكن بنك "جولدمان ساكس" الدولي أصدر بعض التوقعات التى خفضت سعر خام برنت للربع الثاني إلى مستوى 20 دولارا للبرميل. من ناحيته، يعتقد أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، أن المنتجين الأمريكيين سيكونون أول المتأثرين بتدهور الأسعار الذي سيخرج قطاعا مهما منهم من حسابات السوق، خاصة من أصحاب التكلفة المرتفعة التي تصل إلى 40 دولارا للبرميل أو أكثر، متوقعا تسارع انكماش أنشطة النفط الصخري الأمريكي خلال الأسابيع المقبلة. وأشار موريس إلى أن روسيا بحاجة إلى ارتفاع أسعار النفط مثلها مثل السواد الأعظم من المنتجين لكنها اختارت تعديل مسارها بالانسحاب من خطط خفض الإنتاج في إطار تحالف "أوبك +" وزيادة إمداداتها النفطية في ضوء توقعات غير دقيقة أن الوباء العالمي سيكون شأنا قصير المدى، لكن التقييمات الحديثة تشير إلى أن الوباء قد يستمر لفترة أطول من المتوقع سابقا. بدورها، ترى أكسوي ساهو المحللة الصينية والمختصة في شؤون الطاقة، أن المنتجين في "أوبك" وخارجها قد يعودون إلى مائدة المفاوضات بعد تفاقم أوجاع السوق وتزايد الحاجة إلى استعادة التوازن والاستقرار، لافتة إلى أن روسيا بدأت تشعر بالضغط لأنها ترى تراجع دخلها من النفط والغاز، بينما يتعين عليها أن تكافح من أجل حصتها السوقية في الأسواق الرئيسة مثل أوروبا وآسيا. وذكرت أكسوي أن كبار المنتجين وكل المنظومة يراقب الوضع عن كثب في أسواق النفط العالمية لافتة إلى أهمية العودة إلى تكتل المنتجين لإيجاد حل لوضع السوق النفطية شديدة التدهور مما لا يستبعد معه بحث عقد اجتماع استثنائي جديد لتحالف "أوبك +" لمناقشة جميع السبل الممكنة للسيطرة على تدهور أسعار النفط. من جهة أخرى، وعلى صعيد التداولات، ارتفعت أسعار الخام الأمريكي بأكثر من 25 في المائة أمس متجاوزة موجة بيعية استمرت ثلاثة أيام، في ظل تهاوى الطلب وزيادة الإمدادات بفعل اشتداد المنافسة على الحصص السوقية. والتقط خام برنت القياسي، الذي فقد نصف قيمته في أقل من أسبوعين، الأنفاس بعض الشيء مع تقييم المستثمرين في مختلف الأسواق المالية تأثير حزم تحفيز ضخمة من بنوك مركزية. وقلص الخام خسائره بعد أن تهافت المستثمرون على شرائه بأسعار تنافسية للغاية مدفوعين أيضا بالمساعدة الاستثنائية الهائلة التي كشف عنها النقاب المصرف المركزي الأوروبي. وبحسب "رويترز"، ارتفع برنت 3.62 دولار، أو 14.55 في المائة، إلى 28.45 دولار للبرميل، فيما صعد الخام الأمريكي 5.28 دولار، بما يعادل 25.49 في المائة، إلى 26.08 دولار للبرميل. وقالت وزارة الطاقة الأمريكية إنها ستشتري ما يصل إلى 30 مليون برميل من النفط لاحتياطي البترول الاستراتيجي بنهاية يونيو كخطوة أولى نحو إنفاذ توجيه الرئيس دونالد ترمب بملء مخزون الطوارئ لمساعدة منتجي الخام المحليين. وتبلغ الطاقة المتاحة للاحتياطي، المقام في تجاويف أرضية طبيعية على سواحل تكساس ولويزيانا، 77 مليون برميل. وذكرت وزارة الطاقة أن الشراء الأول البالغ 30 مليون برميل سيكون لنفط من الخام منخفض الكبريت وعاليه، وسيتركز على الشراء من منتجين صغار ومتوسطين. وقال محللون لدى كليرفيو إنرجي بارتنرز في مذكرة للعملاء أن الوزارة "يبدو أنها تمهد عدة مسارات لإعمال توجيه الرئيس ترمب بملء احتياطي البترول الاستراتيجي.. نرى إجراء اليوم خطوة ضرورية نحو ملء احتياطي البترول، لكنه ليس كافيا في حد ذاته". وأوضح ستيفن منوتشين وزير الخزانة على قناة فوكس بيزنس إنه سيحث ترمب على الاستفادة من انخفاض أسعار النفط ومطالبة الكونجرس بما بين عشرة مليارات و20 مليار دولار لملء احتياطيات البترول الاستراتيجية على المدى الطويل، مضيفا : "يجب علينا ملء الاحتياطي على مدار الأعوام العشرة المقبلة." وستشتري الوزارة ما يصل إلى 11.3 مليون برميل من الخام منخفض الكبريت، وما يصل إلى 18.7 مليون برميل من الخام عالي الكبريت، منوهة إلى أن تاريخ التسليم بين أول مايو و30 يونيو، على أن يستمر تقديم العروض حتى 26 مارس. وأكدت وزارة الطاقة أن الاحتياطي يمكنه استقبال 685 ألف برميل يوميا من الخام.
مشاركة :