عندما يرحل الشعراء: تصمت حروف الشعر في سماء دون نجوم!في الأسبوع الماضي شيّع اهل البحرين والخليج العربي الشاعر القدير سعادة الشيخ عيس بن راشد آل خليفة إلى مثواه الأخير، بعد معانات مع المرض.لم تغب بسمته ولم ينشغل النسيان في الإبتعاد عن سجيته التي اعتاد محبوه على حفظها في اسارير وجهه. ذلك الرجل الذي جسد معاني الكلمة في مفاهيمها ومعانيها الوطنية والثقافية في الأغنية البحرينية، إنه الرجل الذي صنع الأمل بمشاعره الإنسانية الطيبة وأهازيجه التي مزجها بكلماته البسيطة الراقية التي حفظها الكثير من محبيه محليًا وخليجيًا وليكن عربيًا، كان يتغنى بها حين يكتبها بدموع الفرح للوطن والمواطن. رحل مخلفا وراءه الكثير والكثير من المعاني التي نسجها بنقاء قلبه وبآهات وشجون وحب هذا الوطن. فقد كان مشواره الأدبي والرياضي مليئا بالعطاءات الثقافية والرياضية.ولأننا في القسم الثقافي بجريدة أخبار الخليج نشعر إن الوقوف على مثل هذه الشخصية يعزز ما نراه واجبًا اخلاقيًا وإنسانيًا يفرض علينا حب هذا الرجل الذي احبه الكثيرون وظل هو بهم اكثر ولهًا.وعبر استطلاعنا الذي استطلعنا فيه نخبة من الأدباء ومن لهم حظوة في الأدب الشعبي ومن هم عاصروا الراحل وكانوا قريبين من ادبه في القصيدة العامية:الفنان والكاتب إبراهيم الراشد: المرحوم سعادة الشيخ الشاعر عيسى بن راشد آل خليفة طيب الله ثراه، برحيله خسرت البحرين احد ابنائها البررة في المجال الثقافي والفني والادبي وخاصة في مجال الاغنية وما كان يمثله الراحل العزيز من تميز وتألق تجسد في النهوض بالأغنية البحرينية وتطورها من خلال المواضيع والافكار والمفردات والاسلوب المميز الذي جعل قصائد الشيخ عيسى متفردة في الصياغة والجزالة.. فقد كانت قصائد بحرينية خالصة ومتجذرة فكان لقصائده التي غناها كبار المطربين في البحرين التغلغل في عمق وجدان ومخيلة وذاكرة اهل البحرين والخليج العربي حتى غدى الراحل العزيز رمزا من رموز الاغنية الخليجية الحديثة. وهذا لم يتأت من فراغ فكان الراحل ملما بالثقافة الشعبية البحرينية وتراثها المتنوع الاصيل وخاصة ما يتعلق بأغاني البحر والبر بتنويعاتها وكان من عشق تراث البحرين وساهم في نشره من خلال العديد من برامجه الاذاعية والتلفزيونية والمحاضرات فضلا عن خبرته وتجربته العملية في مجال الاعلام حيث كان في منصب وكيل وزارة الاعلام في أواخر السبعينات وقد شهد التلفزيون والاذاعة في عهده تسجيل العديد من الفنون الشعبية البحرينية من خلال الدور والفرق الشعبية فضلا عن دعمه وتشجيعه للدور والفرق الشعبية في المشاركة في كافة المناسبات والاحتفالات الوطنية. رحم الله بوعبدالله واسكنه فسيح جناته. أما الشاعر شوقي أحمد فيرى: إن خبر رحيل سعادة الشاعر الأديب الشيخ عيسى بن راشد له وقع أثره على القلب أولاً، وذلك لما يحمله المرحوم من مكانةٍ أدبية تمتزج بتراثنا ووطننا، هو ذلك الشاعر الإنسان بروحه التي تشعُ طيبًا وأخلاقًا وإنسانية.. حينما تنظر له تشعر أنك أمام الأدب البحريني الأصيل وحينما تستمع لأحاديثه الجذابة تشعر أنك تتنفس حبَّ الوطن بما يحمل من أصالة وتُراث ممتد على مر العصور.. نعم كان لرحيله فراغ لا يُسد وكان لأدبهِ الشعبي جمال وعذوبة قلَّ نظيرها.وحول تميزه في كتابة قصائد الأغنية يضيف شوقي: تميزت أُغنية الشاعر الشيخ عيسى بن راشد وشعرهِ الشعبي بشكلٍ عام بمميزات كثيرة أهمها تلك اللغة البحرينية الأصيلة وذلك الصدق الكامن في أعماق الشاعر من حُب ووطنية وغزل جميل يحلق بنا نحو سماوات الإبداع وروعة الكلمة.وإن كلماته ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة الوطنية ولغة شعرية لا تحيد عن لهجة أهل البحرين تتدفقُ جمالاً وانسيابيةً، ولهذا تجد لكلماته أثرها وخلودها على المستوى المحلي والخليجي، وهي بذلك تركت فارقًا واضحًا نلتمسه في جودة المفردة البحرينية مما يُحسب في رصيد الشاعر الشيخ عيسى بن راشد رحمه الله تعالى من الناحية الأدبية.مؤكدًا: إن مسيرة الأديب الراحل الشيخ عيسى بن راشد مسيرة مليئة بالعطاء والتفاني من أجل الوطن سواء في شعره وأدبه أو في خدماته الجليلة المختلفة، فهو الذي أعطى الكثير وبذلك يستحق منا الكثير. وفي ذات السياق أسفت الشاعرة منار السماك لهذا الرحيل فأوضحت قائلة: تواضعه، بساطته وتعاطيه مع كل من حوله، ضحكته النقية، حديثه السلس، مفرداته المفهومة، إنجازاته الشعرية الرياضية والوطنية، تصريحاته حول الكرة البحرينية ودوره في كأس الخليج، دماثة خلقه وأريحيته في المقابلات التلفزيونية، إشادة المتعاطين معه وصدقه مع محبيه وما له من مواقع لا تنسى ويكفي ان نستمع إلى الأغنية الخالدة بالزينة ذكريني ونرى صداها في قلوب الكثيرين، منذ لحظة انطلاقها ولغاية يومنا هذا لنجد الجواب الشافي والوافي على أثره الواضح. الشاعرة د. جميلة الوطني بحزنٍ ترى إن رحيل هذه القامة المتفردة في العطاء، عشقا للقاء الله وقبولاً بقدره أصبحت البحرين كل البحرين حزينة تجمع دمع شتاتها وهي تسمع رحيل شيخ لم يشيخ برغم سنواته الثمانين.. إذ نودي في النبأ.. (لقد رحل الشيخ عيسى بن راشد).. لتودعه النخب ونشيج الابتسامات على رجل لم يكن عنوان فراقه مجرد رحيل.. بل إنه ستار رفع عن تاريخ رسمي وشعبي إنه ثقافة تمخضت عن عقود جهد وعطاء صعب التقييد.. فالشيخ الفقيد يعد من أهم شعراء كتابة النصوص الشعبية لكل المناسبات وباللهجة العامية البحرينية حتى رسخ بأذهان المتلقي إنه أديب معبر عن ضمير أمة صعب أن يطوى تاريخه ومسيرته.. وها هي رحله وراحلته يتغنى بها الشعب. مؤكدة على تميزه في كلماته التي تعد مفاتيح لمدن وقرى قلوب البحرينيين خاصة والخليجيين عامة، فأشعاره ليست عابرة سبيل بل هي ومضات عاطفية ومناهل أدبية حطت برشاقة على مدارات الروح والمجتمع الخليجي يتذوقها الجميع بزهرات المعاني، فضلا عن كونه المؤسس لرياضة وشباب البحرين في تاريخها الناصع منذ السبعينات وحتى وفاته كان مع شباب البحرين ينثر جهده ويوزع اقتراحاته ويشد الجموع ويشحذ الهمم من أجل بناء رياضة لم تحصر بالبحرين بل كان له أثر في كل محطات الخليج الرياضية التي أسس بطولاتها الأكبر وعنوانها الأهم الذي ما زال مع الأيام يشكل ثقافة خليجية عربية بحرينية يتغنى بها الصغار والكبار.. وان فقدوا شيخهم الأكبر عيسى بن راشد رحمه الله.فأكبر تكريم له السير على خطاه بحفظ الوطن ووحدة الصف وعمق وأصالة الكلمة وحفظ التراث، ومن أمثاله تبقى أغانيه مشاتل زهور وقلائد ياسمين تفوح منها عبق التراث والأدب والثقافة. فنقش بعض أشعاره المغناة بماء الذهب لتوضع على واجهة جدران أسرة الأدباء والكتاب الداخلية إكراما له، وأن تتكرم هيئة البحرين للثقافة في البحرين ببناء مسرح للشعر يسمى باسم الشاعر عيسى بن راشد ويعتبر مختبرا للشباب الواعد من الشعراء تقام عليه أمسيات شعرية، وفتح متحف أرشيفي لمطبوعاته وأغانيه وإقامة مهرجان سنوي يحمل اسم الشاعر الراحل.ويرى الشاعر أمير هلال: إن رحيل الشاعر الشيخ عيسى بن راشد كان رحيلا مفاجئا وخاصة على مستوى الأفراد لم أكن أتوقع هذا الخبر كنت احسبها إشاعة في برامج التواصل الاجتماعي. كان رحمه الله له الأثر الكبير على شعب البحرين بشكل عام وعلى الأدب والثقافة بشكل خاص، حيث أنه كان رحمه الله شاعرا له مكانته الخاصة وله وزنه في ساحات الشعر البحرينية، وكان رحمه الله منفردا بأسلوبه المتميز وبعفويته في الكتابة وبدى جليا في حفاظه على المفردة العامية أو اللهجة العامية حافظ عليها ولم يتأثر بمن حوله من الشعراء سواء من الداخل أو من الخارج.أعتقد أن الشاعر الشيخ عيسى بن راشد رحمه الله ترك فراغا، لا يسده شاعر آخر، ولا يستطيع شاعر آخر أن يأتي بهذه العفوية وهذا الأسلوب وهذه المكانة في الحب، فحبه تملك الصغير والكبير من شعب البحرين، ومن وجهة نظري الخاصة أنه بعد رحيله ليس له بديل.من ناحية التكريم فأي تكريم يليق بهذه القامة، أنا اقترح هنا بتوثيق جميع أعماله سواء على مستوى التلفزيون أو على مستوى برامج التواصل، لكي يبقى الشاعر الشيخ عيسى بن راشد حاضرا وموجودا معنا في جميع الأوقات.الشاعر علي النهام يلتقي مع الجميع على إن الشاعر عيسى بن راشد: فجعنا برحيله كما فجع الوسط الثقافي والرياضي البحريني والخليجي والعربي على حدّ سواء برحيل عراب الثقافة وهرم الرياضة الأكبر سعادة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة الذي كان يعد علامة فارقة في الثقافة البحرينية والخليجية والعربية.لقد كان المغفور له بإذن الله من أهم أعمدة القصيدة الشعبية في البحرين ورافدا مهما من روافد الأغنية البحرينية والخليجية، ولا غرابة فقد غنى قصائده كبار الفنانين الخليجيين والعرب مثل الفنان عبادي الجوهر والفنان حاتم العراقي والفنان أحمد الجميري والفنان جواد العلي وغيرهم وكان لقصائده المغناة نكهة مميزة ومختلفة إذ ما زالت بعض أغانيه تسكن ذاكرتنا وتعانق مخيلتنا وتداعب أحلامنا مثل (رفاعية، يالزينه ذكريني، كل عيوب الدنيا)، وتميزت قصائده ببساطتها وخفتها وأناقتها وقربها من الناس إذ كانت تعبيرا صادقا عمّا يختلج في نفوسهم وضمائرهم وعواطفهم ووجدانهم..لقد كان رحمه الله تعالى مرآة للوطن ونموذجا معبرًا عن قيمه وثقافته وطموح أبنائه وتميزهم، وكان وجها مشرقا يفتح للأجيال في جدار العتمة طاقة للنور وكان كما قال السعيدي:رأيتهُ قبل ميل الأرض معتدلاكأنّهُ دهشة المعنى إذا اكتملاوكان يركض في بال الرياح بلاخوف، ويخلغُ عن أحلامهِ الكسلا.الشاعرة هنادي الجودر لا تبتعد عن فيض ما تحدث به من سبقوها من الشعراء وبحزن شديد تقول: في البدء إنا لله وإنا إليه راجعون، لا اقول بأن الخبر كان مفجعًا، فكل نفسٍ ذائقة الموت، بل كان موجعًا ففقد الأحبة يوجع القلب والمشاعر والشيخ عيسى حبيب مخلوق من طيبة يأسرك بلطفه ورُقيّ أخلاقه وسموها، أجزم بأن الإنسانية فقدت إنسانا حقيقيا وفقد الشعر شاعرا عذبا وفقدت البحرين رمزا يمثل أصالتها وطيبتها وعفويتها وفقد أصدقاءه خيرتهم، بالنسبة إلي تربطني علاقة رائعة بالشيخ عيسى فهو صديق الشعر والحنو يسعدك باستقباله وابتسامته النقيّة وكثيرا ما كان يردد للآخرين بأن (هنادي بنتنا) وهذا مصدر شرف وفخر واعتزاز لي سأفتقد ذلك جدا.موضحة: أن معظم الأغاني التي تحفظها الأجيال هي كلمات صاغ جمالها عيسى بن راشد، نكهته المميزة ومفرداته البحرينية الأصيلة هي الأكثر انتشارا بين الإنتاج الغنائي البحريني المعاصر، فكلماته المغناة وضعت بصمة ذات تفاصيل فارقة، بصمة متفرّدة لا شبيه لها، تميّز نتاجه عن سواه، كان رحمه الله يسكب روحه شعرًا، فتخرج القصيدة ممتزجة بكل أريحية تفاصيله العذبة، البسيطة، الجميلة، بحيث يسهل على المتلقي أن يعرف منذ البدء بأن هذه الأغنية هي لعيسى بن راشد.عيسى بن راشد ليس بحاجة لتكريم، اخلاقه، مسيرته ونتاجه كرّموه أثناء حياته وستستمر في تكريمه راحلاً فكل هذا الحب الذي حظي به وحظيت به أشعاره هو وسام تكريم حقيقي لا يضاهيه وسام، أما التكريم على صعيد رسمي من قبل الدولة أو أهلي من قبل المؤسسات الأهلية المختلفة ادبيًا ورياضيًا ففي رأيي أن تكريم الانسان يكون أجمل وأطيب وقعًا أثناء حياته إذ لا نفع من باقة ورد على سطح قبر، ولكن قد تكون فكرة اطلاق اسم الشيخ عيسى بن راشد على مؤسسة تعنى بالشعر والرياضة في آن واحد مقترح محل نظر. رحم الله الشيخ عيسى بن راشد وأحسن الله عزاء الشعر والكرة والرياضة فيه. وليسعفني البوح ان اصدح بشيء يسكنني بوجع الفقد على رحيله: رحمك الله يا نبضٍ أبد ما ينطفي صوتهيا قلبٍ عايشٍ فينا رغم فقده ورغم موتهرحمك الله يا شيخي يا تاج الراس وحبّ الناسيا ساكن قلب المحرَق وقلب الشعر وبيوته.وفي ختام استطلاعنا يرى القاص والصحفي الرياضي حسن بو حسن: إن لخبر وفاة هذه الشخصية الوطنية والأدبية والرياضية والاجتماعية الفريدة من نوعها الأثر البالغ جدا في نفسي نظرًا إلى العلاقة الطويلة والمتواصلة التي كانت تربطني به في حقل الرياضة على وجه الخصوص، ولا يخفى على الجميع بأن المرحوم الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة والذي يحلو لنا دائما أن نكنيه بـ «هرم الرياضة» هو الأب الروحي للرياضيين في البحرين وفي الدول الخليجية والعربية الشقيقة، كما أنه الملهم للرياضيين لما يتصف به من سجايا وصفات حسنة ولما يحمل في وجدانه وطيات تاريخه ومشواره الحافل بالعطاء من ينابيع معرفية تتدفق معان جميلة وحكم سديدة ورؤى ثاقبة.وأما على مستوى حضوره في كتابة الأغنية الوطنية والشعبية فقد كانت له خصوصية تامة وألق مضيء ورونق مغاير وإطار متميز لا يضاهيه أو ينافسه فيه أحد، وأما فيما يخص الجانب الوطني في كلماته الغنائية فقد كانت وطنية بامتياز وكان مبلورها والمحرك لها الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة عاشقا للحرف وهائما في الكلمة ومتيما في الحبيبة مع كل ما في قصائده من شوق إلى الأرض والحبيبة وزمان ومكان ومدينة للوفاء وأمنيات ومعاناة وغرام لا يفارقه في كل كتاباته.هو «ولهان ومسير» وهو الذي قال «اشقد أنا ولهان حتى وأنا يمج»، وعيسى بن راشد الذي قال «حلفت يا الزينة ما فارق البحرين» وفارقها مخلفا وراءه دموعا وحسرات في قلوب جميع محبيه، فارقنا بعد رحلة من العطاء الذي لا ينضب ولم يبق لنا اليوم إلإ إرثه الأدبي وذكرياته الجميلة وكل ما تركه لنا من منجزات وإصدارات أدبية، ولزاما على الجهات والمؤسسات المعنية بالشأن الأدبي والثقافي وكذلك الرياضي أن تفكر في التكريم المناسب واللائق بهذه القامة الأدبية واستحداث جائزة باسمه.وجدير بما سبقت الإشارة إليه من مداخلات الأخوة والأخوات فقد كان الراحل من الشخصيات البارزة التي حصلت على عدة أوسمة ومن هذه الأوسمة وسام البحرين من الدرجة الأولى، وسام الشيخ عيسى بن سلمان من الدرجة الأولى، وسام التميز الأولمبي الذهبي، وسام الدفاع الوطني من دولة الكويت، الوسام الفضي من اللجنة الأولمبية الدولية، كما حصل على العديد من الأوسمة الثقافية بديل إنجازاته المتواصلة. ذلك هو الشيخ عيسى بن راشد الذي شهد له القريب والبعيد. وعلى ضوء ما تم ذكره فقد استمعنا لهذه الشهادات التي وثقتها أخبار الخليج إثر رحيله رحمه الله.
مشاركة :