ماجد عبدالله العصيمي رئيس اللجنة البارالمبية الآسيوية ونائب رئيس الاتحاد الإماراتي لرياضة المعاقين والمدير التنفيذي لنادي دبي للمعاقين شخصية إماراتية لعبت دوراً كبيراً في حياة المعاقين في المجتمع الإماراتي، منذ طفولته عندما كان عمره سنة ونصف السنة أصيب بشلل الأطفال لكنه لم يستسلم لإعاقته وبفضل والدته وحنانها، استطاع كسر العزلة النفسية التي كان يعيش فيها، وانطلق ليلعب مع أصدقائه ويلتحق بالمدرسة ويواصل دراسته، وبعد تخرجه في كلية تقنية دبي والتي كان يرى دخوله فيها انتقالاً إلى عالم مختلف لحرص المسؤولين فيها على توفير كافة الخدمات لذوي الإعاقة، بدأ بعدها مشواره في طرق كافة الأبواب الوزارية والعمل في المجال الإعلامي ليصل صوته للمسؤولين ويعرفهم بحقوق ذوي الإعاقة، عن حياته والتحديات التي واجهته وممارسته العمل الإعلامي والرياضي أجرينا هذا الحوار. } حدثنا عن النشأة والطفولة والتحديات التي واجهتها. - أنا من إمارة دبي وأصبت بشلل الأطفال وعمري سنة ونصف السنة، وبعد إعلان الأطباء أنه سيكون ملازماً لي، كانت صدمة في المنزل، ولكن والدي رضي بالبلاء، وكان علي التعايش معه وكان على إخوتي أن يتعاملوا معي بشكل خاص لاختلاف الناحية الجسدية عنهم وبذلك بدأت تتغير أيضاً حالتي النفسية، فكنت أريد لعب كرة قدم ولكن نظراً لإعاقتي وجسمي الضعيف لم أمارسها، وبدأت تسوء حالتي النفسية، وفي هذه الفترة لا يمكن لطفل عمره أربع سنوات أن يتفهم معنى قضاء الله وقدره، وأنه اختاره ابتلاءً ومحبة، فكنت كطفل أفهم فقط أنني أريد أن ألعب ولكني لا أقدر فكان هذا يسبب حاجزاً نفسياً إضافة للجسدي، وكانت تضايقني نظرة الشفقة في عيون الآخرين سواء من الفريج أو المجتمع وكنت أرفض هذه النظرة، لكن الله سبحانه وتعالى أرسل لي أباً وأماً على قدر كبير من الوعي طفقا يرسمان حياتي فعندما بدأ أبي يشعر بأنني سأنطوي دفعني منذ الطفولة للاندماج وسط المجتمع فكان يطلب مني الذهاب مع إخوتي للعب في الفريج، وكنت قبلها أجلس في البيت أشاهد التلفزيون ولا أعمل أي شيء وليس لي أي فائدة، وبعدها أتحدى الواقع فعندما بدأت أخرج مع إخوتي اكتشفت أنني أملك موهبة التعليق على الكرة، فبدأ أصحابي في الفريج يلعبون وأنا أعلق عليهم وأبث فيهم الحماس كي يحرزوا مزيداً من الأهداف وفي المقابل لا أعطي اهتماماً للفريق الآخر إذا أحرز هدفاً ولا أزرع فيهم الحماس حتى لا أزرع اليأس في فريقي الذي يلعب أمامه، وبعد فترة بدأ الأصدقاء في فريجي يشعرون بأهميتي وسطهم وأهمية الدور الذي أقوم به فأحضروا لي ميكروفون لأعلق به وبدأت أوفر جواً من الفكاهة وسطهم، وعندما أغيب عنهم كانوا يحضرون إلى البيت ويسألون عني، ووقتها بدأت أدرك أهميتي وتزداد ثقتي بنفسي وتفتح وعيي بأنه ليس شرطاً أن أكون لاعب كرة قدم، ولكنني من الممكن أن أكون معلقاً رياضياً، وليس شرطاً أن أكون طياراً ولكنني من الممكن أن أكون مهندساً للطيران. }كيف كان مشوار حياتك الدراسي؟ - التحقت بالمدرسة، وكانت عادية وليست مخصصة لذوي الإعاقة، وعندما دخلتها صدمت بالواقع ووجدت حواجز كثيرة حيث كان معمل العلوم في الطابق الثاني وأنا أذهب على كرسي متحرك فواجهت صعوبة في الصعود إليه، وكذلك دخول دورات المياه والتي لم أكن وقتها أملك إلا أن أمتنع عن شرب أي سوائل حتى لا أضطر إلى دخولها لأنها غير مؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة، كذلك صعوبة السير فيها بسبب كثرة المنحدرات، فلازمني شعور بالإصرار والتحدي وضرورة مواجهة كل هذه العوائق أمامي حتى أنال شهادتي، واكتشف المعلمون والطلاب وقتها شخصيتي القيادية فكنت رئيساً لمجلس الطلاب في كل مرحلة دراسية وحتى الثانوية العامة، أتشاور مع الطلاب وأتعرف إلى مشاكلهم وما يحتاج اليه الصف الدراسي مثل تزيينه أو الذهاب إلى رحلة مدرسية، وكنت أمارس دوراً قيادياً ولكن في إطار ضيق، وكنت من المتفوقين دراسياً ولدي جرأة في التعبير فكنت عندما أجد معلماً يستخدم طبشوراً أبيض بينما يستخدم الملون إذا حضر الموجه، فكنت أتحدث للموجه وأخبره بأن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها الطبشور الملون، وكانت الرسالة تصله، ولمس المعلمون جرأتي، وكنت مع ذلك لا أخرج عن ترتيب الخمسة الأوائل، فكنت في مدرسة صلاح الدين الابتدائية ثم المهلب في المرحلة الإعدادية ثم ثانوية دبي. } كيف كانت نقلتك للتعليم الجامعي؟ حدث تغيير كبير في حياتي عند انتقالي من ثانوية دبي إلى التقنية العليا، ولمست ذلك من أول أسبوع في الدراسة، التقى مدير الكلية بي وزميل آخر من ذوي الإعاقة وسألنا عما نحتاج اليه لتسهيل دراستنا فأحسست وقتها أنني انتقلت إلى عالم آخر، فطوال دراستي من الابتدائية وحتى الثانوية لم يسألني أي شخص عن احتياجاتي، وبالفعل وفر لي موقف سيارات أمام باب الكلية مباشرة مع موقف رؤساء الأقسام، وجهز دورة مياه خاصة لي ولزميلي وقام بتمهيد ممرات خاصة داخل الجامعة حتى يمكننا الحركة بسهولة، وجدت وقتها في الكلية بيئة حقيقية صديقة للمعاق، كنت أحمل ملفي وأتحرك بحرية في الجامعة، وكنت أتعجب وقتها هل انتقلت من مجتمع إلى آخر مختلف، من فكر إلى فكر آخر، 12 سنة وأنا أصرخ وزملائي مما نعانيه في المدرسة وكثير منهم لم يتمكنوا من مواصلة التعليم وخاصة الإناث، عندما لا أستطيع الصعود بالكرسي إلى المعمل كنت أزحف على السلالم ولكن الفتيات لم يستطعن القيام بذلك فتركت الكثيرات منهن المدرسة، هذه الكلية وفرت بيئة محبة للمعاق، فأخذت وقتها على نفسي عهداً أنه لن يغير مصيري إلا أنا، وأنه من الضروري أن يصل صوتي وزملائي من ذوي الإعاقة للمسؤولين، وأن نظهر في وسائل الإعلام، وحاولنا بعد ذلك قطع شوط كبير في ذلك وقررنا استخدام الرياضة كأداة أو وسيلة ليصل صوتنا للآخرين. } هل بدأت وقتها الالتحاق بالنادي وممارسة الرياضة؟ - التحقت بالنادي منذ كنت في المرحلة الإعدادية وبدأت في نادي الثقة للمعاقين بالشارقة، ومارست فيه تنس الطاولة وكنت لاعباً جيداً على المستوى العربي والخليجي، ومنذ التسعينات أوليت الرياضة جانباً كبيراً من حياتي وأحضرنا في النادي متدربين على أعلى مستوى، ووضعنا جهداً كبيراً في الرياضة وكانت إدارة النادي تثق في قدراتنا وتركت لنا حرية أن نطلب ما نريده، فطلبنا مدربين محترفين، وبالفعل بدأنا التدريبات وكان هناك شباب مؤهلون استطاعوا الوصول إلى مستويات متقدمة، وكان أولمبياد سيدني في أستراليا عام 2000 الصرخة الأولى لذوي الإعاقة حيث حصدنا فيه أربع ميداليات ثلاث فضيات وبرونزية، واستقبلنا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتصدرنا أغلفة الصحف وظهرنا في وسائل الإعلام، وكنا وقتها حديث الناس، يتعجبون ممن استطاعوا رفع علم الإمارات وتمثيل الدولة في سيدني، والإمارات تشارك لسنوات طويلة في الأولمبياد ولم تحرز ميدالية واحدة والعلم لم يرفع إلا في الافتتاح فقط ،ولم يعرف في أي إنجاز، فأصبحت هناك رؤية مختلفة عند المسؤولين أو الأشخاص العاديين تجاه فئة ذوي الإعاقة، ربما بدأوا يراجعون أنفسهم ويشعرون بأنهم ظلموا هذه الفئة عندما عاملوهم بمشاعر الشفقة والعطف فقط، ووقتها استغللنا هذا النجاح وطرقنا أبواب الوزراء والمسؤولين، ذهبت إلى وزير التعليم وأخبرته بحق ذوي الإعاقة في التعليم، ووزير الصحة وأعلن حقوقنا في العلاج الطبيعي والمستمر، والبلديات المختلفة طالبناها بضرورة تغيير البيئة المحيطة لتصبح صديقة للمعاق، وطرقت هذه الأبواب كمتحدث باسم ذوي الإعاقة و بفضل الثقة التي منحني إياها صاحب السمو حاكم الشارقة، وقدمت ثلاثة برامج على إذاعة الشارقة هي "مشاعل الأمل" و"طموح لا ينتهي" و"مجلة الشباب والرياضة"، ناقشت فيها كل القضايا المختلفة التي تهم الشباب وأدخلت مشكلات ذوي الإعاقة فكانت لدي قاعدة كبيرة من المستمعين، وقدمت برنامجاً آخر في إذاعة وتلفزيون نور دبي خاص بذوي الإعاقة اسمه "معكم نتكامل" كنت أستضيف من خلاله مسؤولين يتحدثون عن الخدمات التي يقدمونها لذوي الإعاقة، وعملي في مجال الإعلام بسبب حبي له وذلك على خلاف دراستي حيث درست في الكلية إدارة أعمال، وجاءتني وقتها عروض كثيرة للعمل كمعلق في برامج رياضية ولكني رفضت الاحتراف في المجال الإعلامي، وأشعر بالفخر بعملي في المجال الرياضي، وأصبح هناك نوع من التحدي أمامنا، في 2006 أدى هذا الحراك إلى ظهور قانون خاص بذوي الإعاقة، وفي 2013 أطلق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي مبادرة تاريخية هي"مجتمعي مكان للجميع" تهدف إلى توفير بيئة دبي صديقة لذوي الإعاقة تنطوي على تفاصيل كثيرة ملخصها أن أي خدمة تقدم للأشخاص العاديين يجب أن يستفيد منها ذوو الإعاقة مثل الخدمة الإعلامية فإذا كان الشخص العادي يمكنه مشاهدة الأخبار وسماعها، فيجب أيضاً على الأصم أن يسمع الأخبار من خلال توفير شخص يترجم له بلغة الإشارة وهكذا. } كيف تركت نادي الثقة وتوجهت إلى نادي دبي للمعاقين؟ - ترشحت لمنصب المدير التنفيذي في نادي دبي واختارني صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله عضواً في المجلس الرياضي فانتقلت إلى دبي، وفزت أيضاً في ديسمبر/كانون الاول الماضي برئاسة القارة الآسيوية لرياضة المعاقين والتي تشرف على 42 دولة، ونظراً للثقة التي منحني إياها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، رشحت عضواً في اللجنة العليا لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة. } كم يبلغ حالياً عدد الرياضيين من ذوي الإعاقة في الدولة؟ - يبلغ عددهم نحو 3000 رياضي موزعين على كافة أندية ومراكز الدولة، ولكن المؤهلين للمشاركة على مستوى عالمي وصل عددهم إلى 20 أو أكثر، ونعمل حالياً في سياسة الاستقطاب بحيث يكون هناك جيل ثان يحمل الراية عن الجيل الأول.
مشاركة :