عرفت البحرين، منذ زمن طويل مختلف الأوبئة المعدية، وكان المواطنون بتكاتفهم وتعاونهم خلال تلك الحقبة العصيبة من الزمن، بمختلف أطيافهم وألوانهم وفئاتهم أهم عناصر النجاح في القضاء أو التخفيف من ويلات تلك المصائب من الأمراض، هذا ما رواه لي من عايش تلك السنين والنكبات المحزنة.كان أشد هذه الأوبئة هو مرض الطاعون، الذي كانت بدايته تقريباً 1897 ثم تكرر انتشاره وتردده على البحرين خلال الأعوام 1904، 1905، 1907، أما في عامي 1929 و1931 فكان شديدا على الناس حتى سمي هذا الوباء (بسنة الرحمة)، حيث كثرت الوفيات بين المصابين فيه، ولم يخل بيت منه. وفي هذا الصدد يقول احد المعمرين ان الناس كانت تسير في الشوارع والطرقات وحتى الاسواق وهم صامتون وعابسو الوجوه لا كلام ولا ابتسامة، بل كان همهم وأسئلتهم عن البيوت التي وصل إليها هذا الوباء وخطف أحد أفرادها، وكم تم دفنه هذا اليوم من المصابين الخ، لأن أغلب البيوت، وخاصة في المحرق خلال انتشار هذا الوباء المعدي فقدت فيه الكثير من أفرادها أو عائلاتها.هكذا كان الناس وقد تحملوا مصائب ومتاعب هذا المرض وكان لسان حالهم الاستغفار والدعاء الدائم، لكن وبسبب تكاتف الناس وتواصلهم الدائم وكثرة استغفارهم وأدعيتهم الدائمة وهم كما هو معروف كانوا أكثرهم من بسطاء الناس وأفقرهم، وخصوصاً من سكان المحرق. كل ذلك ساعد كثيراً في التخلص من ويلات هذا المرض المعدي. إنها رحمة الله سبحانه وتعالى التي حلت بهم ونزلت عليهم.كان هكذا اسلوب الناس وتعاملهم وتكاتفهم في التصدي لمثل هذه الكوارث والمحن الإنسانية، وقد تجلى ذلك حتى تجاه الأمراض أو الأوبئة التي جاءت بعد مرض الطاعون، كان الواحد منهم حينما يسمع عن مريض يسارع إلى طرق الأبواب ويسأل أهل البيت إذا هم في حاجة لتقديم أي عون ومساعدة في حين أن بعضهم كان يسارع إلى مراكز الشرطة أو النواطير للإبلاغ عن أي مصاب بهذا الوباء، هكذا كان المواطنون من سكان البحرين يدا واحدة في مجابهة تلك الأوبئة الشديدة للحد في انتشارها.كان مشهداً رهيباً عندما تمر جنازة وهي في طريقها إلى المقبرة، عندها ترى أغلب المتاجر والدكاكين الواقعة في طريقها وقد أغلقت أبوابها وانضموا إلى المشيعين. لم يطلب أحد منهم المشاركة في هذا المصاب الجلل لكنها طيبة وطبيعة أهل البحرين فهي لم تتغير على مر الزمان. كذلك من الأوبئة الأخرى التي مرت على البحرين متلاحقة مرض الجدري والكوليرا، لكن بسبب تلاحم الناس مع بعضهم بعضا وتكاتفهم وتواصلهم السريع في تقديم العون والمساعدة كان أحد الأسباب من تخفيف ويلات هذه الأمراض المعدية، بل كان لها الأثر الكبير في شفاء المصابين. كان الناس يتسابقون ويسارعون في حمل المرضى إلى (الكرنتيله) الحجر الصحي، سواء كانت في المحرق في حالة بوماهر (المحجر الصحي)، حيث كان ينقل المصابون بمرض الجدري إليها أو إلى المحجر الصحي (الكرنتيله) الواقعة في القضيبية، وكما هو معروف فقد أنشئت هذه (الكرنتيله) التي في المحرق عام 1929 بعد أن نقلت إليها (الكرنتيله) الواقعة في القضيبية. وقد تردد مرض الجدري عدة مرات على البحرين كان آخرها 1957م، لكن الوسائل الصحية والعلاجات لمكافحة مثل هذه الامراض قد تغيرت كثيراً. أما عن بدايته فتقول السجلات الصحية انه كان موجودا منذ بداية القرن الثامن عشر. كانت مثل هذه الأوبئة تتلاحق بعضها بعضا مخلفة وراءها المصائب والوفيات، أما إذا تحدثنا عن تاريخ دخول مرض الكوليرا فكان أول مرة منذ 1811 بينما آخر انتشاره كان عام 1978.والآن سأروي لكم قصة واحدة من عشرات القصص حول التكاتف والتلاحم بين مختلف فئات الناس كبيرهم وصغيرهم وبين السلطات الصحية في البحرين، وهو ما حدث عندما انتشر وباء الكوليرا عام 1978 عندما هرعت وسارعت جموع كبيرة من المواطنين إلى دائرة الصحة لتقدم مشاركتها في حملة التطعيم وبوسائل أخرى من المساعدة هذه مشاهد عشتها بنفسي وبعض غيرها عايشته أيضاً منذ بداية الخمسينيات، والآن ربما يتساءل أحدكم عن سبب انتشار مثل هذه الأمراض في البحرين بل في مناطق كثيرة من دول الخليج، لا تنسوا الوضع الصحي والوسائل الصحية الضعيفة وكيفية معالجتها لمثل هذه الأمراض المعدية في تلك السنين، وعدم وجود المراكز الصحية مثل العيادات أو المستشفيات الصحية والمعدات أو اللوازم الصحية الأخرى كانت أهم الأسباب، لكن أقولها كلمة حق، هي ان المستشفى الأمريكي (1897) ومستشفى فكتوريا التذكاري (1900) قد لعبا دوراً مهماً وكبيراً في علاج المئات من المرضى في البحرين .ثم لا نبتعد قليلاً عن أنواع التكاتف والتعاون الذي نتحدث عنه الآن سأروي لكم نموذجا واحدا، وهو ان محافظ المحرق ذلك الرجل النشط الغيور على مصلحة هذا الوطن ومواطنيه قد فتح مجلس المحافظة يجتمع فيه أسبوعياً مع أعداد كبيرة من المواطنين، حيث تدور أو تطرح في هذا المجلس من قبل الحضور مختلف الآراء والاقتراحات الهادفة والتي تصب في مصلحة هذا الوطن هنا يتجلى تكاتف المواطنين وتعاونهم ومواقفهم في إيصال آرائهم بهذه الطريقة الحضارية، وهي قيام سلمان بن عيسى بن هندي وبكل صدر رحب في إيصال تلك الآراء أو الرغبات إلى الجهات المسؤولة في الدولة. إذن أليس ذلك نوعا من التعاون والتكاتف بين المسؤولين والمواطنين وهو واحد من عشرات الصور للتلاحم بين فئات المواطنين الذي يجري في مختلف المؤسسات. حفظ الله البحرين من كل سوء ومكروه ملكا وشعبا وأفرادا.
مشاركة :