حياتنا صراخ لاحظ بكاء الطفل العربي وقارنه ببكاء الطفل الأوروبي… أنصت لمن صوته أعلى. ليس من الضروري أن يكون البكاء وحده، حتى حين يمزق صوت الطفل المحتج على أن والدته لم تشتر له ما أراد، فإن صوت احتجاجه زاعق وصاعق لا يوازيه صوت آخر… خصوصًا في الأماكن المغلقة مثل المولات. حتى حين يعبر عن غبطته يختار أن يصرخ لا أن يضحك. هل لاحظت؟ ربما لهذا السبب نكبر ومعظمنا لا يزال يصرخ… لا بالصوت الطالع من الحنجرة فقط (وإن كان هذا لا يزال ممارسًا أيضًا) بل حين يغني أو يمثل أو يخرج أو حين يكتب… مرّة بعد أخرى، تستوقفني تلك العناوين الهادرة لأعمال فنية وخصوصًا السينمائية منها. أو هي كانت هكذا إلى أن عالجها الكاتب في مقالاته فإذا بها تعاني وتصرخ وتثور وتئن وجعًا وإحباطًا. عناوين مثل: «انحياز أنثوي في زمن القهر» و«الفيلم الوثائقي يطرح أهمية الواقع» و«الفيلم القصير فن جاد يحارب السينما السفيهة» و(من بعد ذكر عنوان الفيلم): «يطرح الراهن وأبعاد المستقبل». و(على النحو ذاته إزاء فيلم آخر): «رصاصة في الاتجاه الصحيح». لمن يكتفي بقراءة العنوان معذور إذا ما اعتقد أن خطأ تركيبيًا وضع عنوان مقالة سياسية عوض عنوان مقالة عن فيلم قد يكون كوميديًا أو عاطفيًا. قد يقلب القارئ الصفحات باحثًا عما إذا كان العنوان الفني سقط على مقال سياسي عن أحداث سوريا أو العراق أو على مقال اقتصادي. لكنه لن يجد أن في الأمر أي خطأ، فالعناوين الداكنة هي واحدة هنا وهناك. أولئك الذين سيقرأون محتوى المقالات التي من المفترض أن تكون سينمائية محضة سيجدون أن الناقد استخرج من الفيلم أي بادرة تتيح له استخدام عنوانه الصارخ. ربما كان مشهدًا لهيفاء وهبي من فيلم «حلاوة روح» أو لقطة للممثل محمد كريم في مسلسل «إمبراطورية ميم»… المهم أن اللقطة أو العبارة أو المشهد المختار عليه أن يحمل ما سيجعل المقالة بأسرها متوّجة بذلك العنوان الغاضب. وإذ تقرأ متخطيًا العنوان (إذا ما كنت تكترث فعلاً) تجد أن العمل الفني تحوّل، عند معظم الكتاب عنه، إلى بحث في «أوجه المعاناة» وتعدد «أساليب الطرح» أو «غياب الأبعاد السياسية» أو «حضورها». وكثيرًا ما يكون على نحو «فيلم ينقل معاناة الإنسان»… كل شيء باستثناء معالجة الفيلم على النحو الذي جاء عليه وليس على النحو الذي يبحث عنه الكاتب (أو الناقد) ليرضي نزعاته السياسية أو آراءه الشخصية. ليس أن الأفلام تخلو من وجهات النظر وأن الكثير من هذه الوجهات سياسية. لكن النقد الفني ليس عبارة عن تفصيل ملابس تليق بالسياسة التي في الفيلم تبعًا لأهوائنا. إنه سياق متكامل يبحث في العمل لذاته وبذاته. يهتم بالكيفية التي تم تحقيق الفيلم (أو سواه) به وليس بما يطرحه فقط. قديما ما أدين جاك وورنر (أحد أصحاب الاستوديو المعروف) عندما قال: «إذا كانت لديك رسالة ابعثها بالبريد». طبعًا من الضروري أن يكون للأفلام رسائل. لكنها قد تكون إنسانية أو عاطفية أو فكرية أو مجرد ترفيهية مصنوعة على نحو راق. ابحثوا عنها تجدوها. وحتى لو كانت سياسية، فإنها ليست عذرًا لمقالات مشبعة بالسياسية.ll
مشاركة :