مكافحة الفساد والقضاء عليه مبدأ يتحدث عنه الجميع في كل زمان ومكان، وهو محل إجماع بين الأفراد والمجتمعات، ولا يعدم كائن من كان حججه وبراهينه على أن ذلك آفة من الآفات التي تصيب المجتمعات، وتكون سبباً في المظالم وضياع الحقوق، بل وزرع الأحقاد والضغائن في النفوس؛ لأن من تضيع حقوقهم بسبب هذه الآفة تمتلئ حقداً على من ظلمهم وأخذ بغير حق ما يؤمنون أنه من حقوقهم سواء كان ذلك بسيف الواسطة أو بسيف الوظيفة والسلطان أو القبيلة أو الرشوة أو غيرها من المصادر، والأسباب التي يستقوي بها الظالم على المظلوم. وفي ديننا الإسلامي الحنيف الكثير من الأوامر والنواهي التي تكافح هذه الآفة وتحذر مرتكبيها وتنبه إلى خطرها وتحريمها، ومع ذلك فإن الحديث عن الفساد ومكافحته ومساءلة من يرتكبه كائناً من كان هو بصراحة شيء لم تعتد عليه الشعوب النامية في العصر الحديث، وهو وإن كان معروفاً في بعض المجتمعات التي وصلت إلى حد ملموس من المساواة وسيادة العدل والقانون، إلا أنه ما زال في الكثير من بلاد العالم الثالث حديثاً مهموساً يتحدث فيه الناس بصوت منخفض؛ خوفاً من مسامع الفاسدين حيناً، ومن سطوة مراكز القوة والسلطة حيناً آخر. وبالتأكيد فإن ذلك لم يغب أبداً عن بصيرة خادم الحرمين الشريفين، وهو يؤكد أن لا أحد لديه حصانة عن المساءلة، وأن خادم الحرمين الشريفين شخصياً وسمو ولي عهده وأصحاب السمو الأمراء والوزراء وكل مسئولي الدولة هم أمام القانون والعدالة سواء، وأن بإمكان أي مواطن أن يقاضيهم ويحصل على حقه متى ثبت هذا الحق، وأن لا حصانة لأحد أمام القضاء. لله درك يا سلمان بن عبدالعزيز، وأنت تحيي سنة أصيلة من سنن الدين الحنيف، ظن البعض أنها خبت مع الزمان.. هكذا بكل صراحة يسمع القاصي والداني والمواطن والمسؤول في كل المواقع أنه لا حماية ولا حصانة ولا محاباة لأحد، فليحذر المسؤول الخطأ والشبهة، وليعلم المواطن أياً كان أن بإمكانه أن يطالب بحقوقه كائناً خصمه من كان. صحيح أن الدولة كانت دائماً ضد الفساد والمفسدين وأن هيئة النزاهة قد سبق إنشاؤها منذ سنوات، وأنها باشرت العديد من قضايا الفساد وسوء استخدام السلطة والتنفع من وراء بعض العقود، بل حتى تزوير الوثائق وخاصةً وثائق وصكوك ملكية الأراضي التي وقع فيها حتى من اؤتمن على مسؤوليتها، وما القضايا المعروفة في المدينة وجدة وغيرها إلا أمثلة على ما وقع منها، ولكنها في نفس الوقت أدلة على ملاحقة الدولة ومتابعتها للفاسدين وعدم فكاكهم من يد العدالة والقضاء التي طالتهم وستطال غيرهم طال الزمن أو قصر؛ ليكونوا عبرةً لمن يعتبر وليحسب من تسول له نفسه ألف حساب قبل أن يقبل على مثل هذه الأفعال. ولا شك في أن صوت خادم الحرمين الشريفين وأقواله الحاسمة الحازمة ستطرق أسماع المواطنين كافة، وتكون دفعة قوية وسلاحاً في يد أصحاب الحقوق من جهة، وسوطاً في وجه كل من يعتقد أن بإمكانه ظلم الناس وأخذ حقوقهم بسيف الوظيفة والسلطة أو القبيلة والمال. وهو كذلك -بلا شك- يعطي هيئة مكافحة الفساد وغيرها من الجهات المعنية بحقوق المواطنين مزيداً من الدعم من أعلى سلطة شرعية في البلاد. لقد كانت بلادنا دائماً -والحمد لله- بيئة مهيأة لإقامة العدل ونبذ الظلم منذ أسست أركانها على قواعد الدين الحنيف وارتضت كتاب الله شريعة ومنهاجاً، غير أن النفس أمارة بالسوء، وربما تضعف بعض النفوس أمام المغريات، حتى ظن البعض أنه يمكن أن يحتمي بسلطته ووظيفته أو بقبيلته ونسبه أو بعلاقاته وشراكاته مع غيره من الفاسدين أنه يمكن أن يستغل الوظيفة والعلاقات لصالح نفسه ويتكسب من الموقع، وربما استطاع أن يحقق بعض هذه الغايات غير الشريفة مما أغراه بالمزيد منها، ولا شك في أننا لمسنا جميعاً وطوال الفترات الماضية وحتى قبل تأسيس هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» إجراءات ضد مثل هذه السلوكيات، إلا أننا كذلك لاحظنا -وبشكل ملموس- أن ضبط مثل هذه الأمور والإعلان عنها كان أكثر وضوحاً وانتشاراً منه في الفترات الماضية، خاصة وأن الأنظمة تضمنت التشهير بالمفسدين والمرتشين وأعوانهم، وكذلك المزورون ومستغلو السلطة من خلال نشر الأحكام في الصحف، وكذلك الأخبار التي توضح جرائمهم وما أوقع عليهم من جزاءات. ومن المؤكد أن ذلك كان وسيظل سبباً في عدم وقوع المزيد من هذه الأعمال ويحد منها مستقبلاً. وستكون كلمات سلمان بن عبدالعزيز مرشداً لكل مواطن ومسئول على طريق مكافحة هذا الداء، وستظل هذه الكلمات ترهب ضعاف النفوس عن الفساد وتقوي عزيمة أهل الحقوق الذين لن تضيع حقوقهم، وهم يجدون بعد الله -سبحانه وتعالى-، في خادم الحرمين الشريفين نصيراً لهم وعوناً على حماية حقوقهم. ويبقى علينا نحن المواطنين دور لا يقل أهمية عن كل ما سبق، وهو أن نثق تماماً أن القيادة الرشيدة تعني ما تقول وأن حقاً لن يضيع ما دام وراءه مطالب، أما الذين يسكتون عن حقوقهم ولا يقاضون من ظلمهم فهم شركاء له في فعله لأنهم يشجعونه عليه ويعينونه على تكراره، أما أنت أيها الحاكم العادل سلمان بن عبدالعزيز فلك -إن شاء الله- أجر كل من اتبع هذه السنة وعمل بها، لا حرمك الله من أجرها، وأعزك وأعز سلطانك، وبارك فعلك وقولك وعزمك. أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي
مشاركة :