«منظومة مختبر التشريعات» تغيّر المفاهيم عن دور الحكومات في دعم تكنولوجيا المستقبل

  • 3/25/2020
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

اعتقد الشاب البلجيكي الثلاثيني ماركس سانتي أنه وصل لطريق مسدود، فبعد محاولات غير ناجحة للحصول على تصريح يمّكن شركته من إجراء تجارب ميدانية على اختراع تكنولوجي مبتكر يتيح استخدام الطائرات بدون طيار كمراكز نقاط اتصال ساخنة (Hotspots) بتقنية «واي فاي» في مناطق نائية، أعاد أوراق مشروعه إلى دُرج مكتبه في العاصمة بروكسل وغادر لقضاء إجازة ليرفه عن نفسه. وخلال تواجده في بهو الفندق بانتظار سائق الشركة السياحية الذي سيجول به في مرافق دبي السياحية، تناول صحيفة محلية نُشرَ فيها خبر عن إطلاق «منظومة مختبر التشريعات في دولة الإمارات».. لم يكن سانتي يعلم أن وجهته للترفيه ستكون كذلك وجهته نحو المستقبل، وأن التكنولوجيا التي ابتكرها ستدخل حيز التنفيذ التجريبي خلال أسابيع بعد سنوات من الانتظار بفضل مبادرة إماراتية مبتكرة تمكّن أصحاب الاختراعات التكنولوجية الحديثة من تطبيق اختراعاتهم في بيئة تشريعية آمنة، وأن شركته «Avionica» ستتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، وهو اليوم يؤمن بأن «بناء أكبر مختبر تشريعات لتكنولوجيا المستقبل من مختلف أنحاء العالم يضاهي بناء أطول برج في العالم» ويتساءل مستغرباً ما الذي تنتظره الشركات لتطبيق اختراعاتها في ظل تواجد هذا المختبر في الإمارات؟ الإجابة تكمن في طبيعة العلاقة التقليدية بين الحكومات بشكل عام وشركات التكنولوجيا في القطاع الخاص، فقد اقتصر عمل الحكومات لوقت طويل على توفير المتطلبات الأساسية للمجتمعات من أمن واستقرار وصحة وتعليم، ولم تُعر اهتماماً كافياً للشركات الخاصة الناشئة المعنية بالابتكار، بل غلب على هذه العلاقة طابع التقييد والرتابة ووضع تشريعات جامدة لا تتوافق مع المتغيرات العصرية ولا تواكب التقدم التكنولوجي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد. ولم يكن ذلك بدافع رغبة الحكومات في الحد من التقدم التكنولوجي، بل كان بالغالب بسبب صعوبة إلمام المسؤولين الحكوميين بالجوانب التقنية المتقدمة التي تقوم عليها التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي نتج عنه غياب الدعم والتشجيع الحكومي للتطبيقات الحديثة من جهة، وغياب ثقة شركات التقنيات الحديثة بالحكومات من جهة أخرى. مواكبة المستقبل حكومة الإمارات أيقنت باكراً أن مستقبل الحكومات لا يكمن فقط في مواكبة المستقبل، بل باستشرافه، وأن مستقبل الإنسان مرتبط لا محالة بمستقبل التكنولوجيا، وأن على المسؤولين بناء تصور جديد يضع الحكومة وشركات القطاع الخاص في كفة واحدة، يعملان معاً في بيئة تحفز على الابتكار والتطوير وتحترم في الوقت ذاته مسؤوليات الحكومة تجاه الأفراد وضمان أمنهم وسلامتهم، وهذا هو المبدأ الذي قامت عليه منظومة مختبر التشريعات، فالبرغم من كونه مبادرة حكومية إلا أنه مبادرة حكومية في صورة حديثة وضمن علاقة جديدة مع الشركات الخاصة. ويمكن توضيح أُطُر هذه العلاقة الجديدة من خلال النظر في المحاور التالية على سبيل المثال: - اقتراح التشريعات الحكومية: في السابق كان اقتراح التشريعات لمجلس الوزراء في الدولة يتم بشكل حصري من خلال الوزارات والجهات الاتحادية، أما اليوم فيمكن من خلال منظومة مختبر التشريعات اقتراح تشريعات من قبل الشركات والأفراد ليتم النظر فيها خلال اجتماع مجلس الوزراء وبما يفتح المجال لتبني تقنيات حديثة تعود بالنفع على الأفراد. - التشاور: توفر منظومة مختبر التشريعات فرصة للتشاور غير المحدود، بمعنى أنه بإمكان معدي السياسات الاستعانة بأصحاب الخبرة في مختلف المجالات والتخصصات الوظيفية ضمن نطاق غير محدود، بعكس منظومة التشريع التقليدية القائمة على مشاورة الجهات الحكومية ذات الصلة فقط. - مدة إعداد التشريع: تم تقليص مدة التشريع من سنة إلى خمس سنوات إلى أقل من سنة، بحيث تواكب منظومة مختبر التشريعات ديناميكية القطاع الخاص وقطاع التكنولوجيا بشكل عام والذي يعتبر عامل الوقت من أهم عوامل النجاح. - معرفة آثار التشريع: عوضاً عن الاعتماد على الأسلوب التقليدي لمعرفة آثار التشريع بعد دخوله حيز النفاذ ومضي فترة زمنية مناسبة، يقوم مختبر التشريعات بدراسة آثار التشريع وكافة الجوانب المتعلقة به قبل إصداره. - تعديل التشريع: جرت العادة على تعديل التشريع بعد دخوله حيز النفاذ، إلا أن مختبر التشريعات وبحكم البيئة التجريبية التي يوفرها يتم تعديل التشريع قبل الإصدار وأثناء إجراء الاختبار والفحص. - مجالات التشريع: أهم ما يميز طبيعة العلاقة الجديدة بين الحكومة والقطاع الخاص هو عدم اقتصار مجالات التشريع على التنظيم الحكومي والقطاعات التقليدية، بل التوسع لتضمن المجالات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. وصممت منظومة مختبر التشريعات خصيصاً لتوفير بيئة عمل مناسبة لإطلاق وتنفيذ المشاريع الابتكارية وتقييم آثارها ومتطلبات عملها من النواحي التشريعية، بهدف احتضان الابتكارات التي تمس حياة الأفراد بشكل مباشر بهدف إسعاد الإنسان. حيث باشر مختبر التشريعات بدراسة المشروعات المستقبلية المقدمة من الجهات المحلية والعالمية بهدف توفير مجموعة من القوانين والتشريعات المرنة لتقنيات المستقبل، وذلك لتعزيز دورها في خدمة المجتمع مع ضمان الحد من المخاطر التي قد تترتب على التطبيق غير الآمن لتلك التقنيات المستقبلية. تطور ارتبطت التنمية في الإمارات دائماً بالتكنولوجيا الحديثة، والتي من دونها لا يمكن إحراز التقدم والتطور، وما كان لدولة الإمارات أن تقفز هذه القفزات الواسعة وتحافظ على مكانتها في مواقع الريادة وتحرز المراكز المتقدمة على مستوى العالم، إلا بانتهاجها الطرق العلمية الحديثة والمتطورة وبسعيها لاقتناء أحدث ما وصل إليه العالم من تقنيات في مختلف فروع ومجالات الحياة.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :