الحقيقة التي لا جدال حولها أن القيم المستوحاة من القراءة تؤثر في منظومة الفكر وأدواته

  • 6/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يؤكد الباحث والاكاديمي د. عبد المؤمن استاذ الدراسات الاصولية والاجتهادية بجامعة القرويين أن القراءة هي الأساس في طريق التجديد، كما يجزم أن لا معنى للتغيير دون التشبع بقيم المعرفة فهو يرى أن من أشرف أدواتها البحث والمطالعة والتحصيل، قائلا كلما تجشم القارئ عناء البحث وطلب المعرفة متسلحا بمنهج يراعي فيه المسلمات والثوابت المعرفية في أي مجال، سيسهم لا محالة في إنتاج مجتمع حضاري، كذلك يقول عبدالمؤمن ان الحقيقة التي لا جدال حولها، ان القيم المعرفية المستوحاة من القراءة تؤثر بشكل واضح في صياغة منظومة الفكر وتطوير أدواته عندما يقول إن الأصل في المعرفة عدم الحصر مادام العقل الإنساني تواقاً إلى الإبداع والإمتاع فإلى الحوار: * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته؟ - الحقيقة التي لا جدل حولها، أن القيم المعرفية المستوحاة من القراءة، بعد تثبيت منهج النخل والتمييز تؤثر بشكل كبير في صياغة منظومة الفكر، وتطوير أدواته، وتسديد نتائجه وثمراته، وكان وما زال كتاب الموافقات للإمام الشاطبي رحمه الله 790ه، من أئمة الفكر المرموقين، باعتباره نظّارا وعبقريا على مستوى التأسيس لأصول النظر ولواقح الفكَر في تاريخ العلم والعلماء، من أدوات التأثير في مسار فكري غض يفتقر إلى تحديد الوسائل أكثر منه جني المقاصد، وإن كان مجال التأسيس المعرفي في الكتاب لأصول الشريعة، فإن الدارس له قد يسبر أغوار الفكر الإنساني، ويتطلع من خلاله إلى أبعد مجال في خبايا المعرفة الإنسانية والكونية. أحسب تأثيره ذا بُعد هام، لا لشيء إلا لأنه أثار في دواخلي حقيقة البحث في القضايا الاجتهادية، واستنهض همة التنقيب عما انسد بابه واستعصى لُبابه، فتوصلت به إلى حقيقة استخراج الدرر من مصادر التنزيل، وبدأت أدرك أسرار التشريع التي لا غنى لمكلف عن فقهها، واستصحبت طرائق الاستنباط التي أشرَف على سردها نظرا وتطبيقا، وبه انبثقت لدي جذوة البحث في أصول الاجتهاد، واجتماع أهل المذاهب عليها، وتلاقح واردات العقل ومعارفه، وائتلافها واختلافها بين الماضي والحاضر، ومدى الاستمداد منها في علاج الواقع والمتوقع، وضرورة استصحاب الطارئ للنص، وكلها قضايا ألممت بها مبكرا، في مراحل تدرج فيها مستوى الخبْر والتمييز لقضايا الكتاب، ولا يزال استصحابي له مصدرا، إذ كلما اقتحمته بنفس جديد إلا وكأني لم أطالعه من قبل، كتاب زاخر وبحر ذاخر ينبض بغزارة اجتهاد وبُعد نظر لا يُضاهى، وأحسب جازما أن أمثاله من الكتب في بابه أقل غناء وأكثر عناء. * ما نوع التأثير وهل أنت مقتنع به وما مدى استمراره؟ - وهل بقي شك فيما سلمت به ابتداء أن التأثير حاصل وأن سرد مجالاته متعذر؟، ومنها على سبيل الحصر: معرفة فقه الواجب ومراتب النظر فيه، وهذا لعمري مما أضحت فيه الحاجة ملحة في واقعنا بمعرفة مراتب الوجوب، جمعا بين النظر الشرعي والواقعي، فتجد عبارات الكتاب من جنس: ما لا يتم الواجب إلا به، وعبارة الوجوب الكلي والجزئي، في قسم التكليف الاختياري، والقصد الابتدائي والامتثالي والتكليفي، وغيرها مما يعدّ بحق فلسفة غائرة المبنى عميقة المعنى في معرفة ما للمكلف وما عليه، ومعرفة قيمة الواقع في التشريع، ودرك أولويات البيئة والسياق، ومن ثم التأسيس للتشاركية والتنمية الاجتماعية عبر آفاق رحبة واسعة. ثم درك ضوابط ميزان الأولويات بين الشرع والواقع، وهو متفرع عن النظر المقاصدي الذي وضع ضوابطه، وهو يومئ إلى الترجيح عند التعارض، بين مستلزمات النظر في مقاصد الشرع والمكلفين، إما جمعا أو فرقا، وفي كل متاهات فاصلة بين الانضباط والانفراط، ثم الاستفادة من قواعد الفقه المستقبلي في النظر والتخطيط، وهو ما يؤلف منهج الدراسات المستقبلية آنيا، أي ما يؤسس لرعي الواقع والمتوقع، في العناية بقاعدة المآل وما يتفرع عنها من المصالح والاستحسان ورعي الخلاف وغيرها، ولو لم يكن إلا البعد الحضاري لهذا المسلك لكفى في التدليل والترشيد، لما يعد من ثوابت النظر في قضايانا الحياتية المعاصرة، وما يستجد من نوازل متآلفة أو مختلفة. كذلك الاستفادة من الإلحاح على ضرورة الانفتاح على كل المعارف الإنسانية والكونية بدون استثناء، وتعزيز قيم التواصل الحضاري، لما لها من دور في إبراز قيمة الاجتهاد بأقسامه تنقيحا أو تخريجا أو تحقيقا للمناط، وفي الباب الأخير أشد و أولى. ثم البعد التربوي في التأسيس لقيم الجمال، وهذا للأسف ليس بحائد عن منهج الوحي بل التغاضي عنه ليس لضموره، ولكن لضمور النظر المستبصر بهدى كليات الشرع، وتلك من الآفات التي نبه عليها أرباب الاجتهاد، حتى جعل منحى التربية والسلوك وقفا على مناهج ومدارج مخصوصة، وأضحى الافتقار إليه في منهج التحمل والأداء جليا واضحا، والجلبة منه معتادة في النفور واتساع رقعة الخلاف، ولعل تنبيه الشاطبي إليه كان مفحما، إذ جعله من أولويات المعرفة بأصول التشريع، وضمانا لمجال استقرائها والاستنباط منها، والاجتهاد خارج حدودها استمدادا منها، ومنه قوله: كل مسألة مرسومة في الأصول لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية، أو لا تكون عونا في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية.ه الموافقات: 1/29، ومنه التوصل إلى التأسيس لقاعدة استصحاب المعرفة للعمل أي عمل القلب والجوارح، وقد أطال فيها النفس، فليس من ثوابت التغيير عدم الفصل بين المعرفة والأخلاق، إذ ما القيم الحضارية إلا نتاج الوصل بين الفكر والسلوك، بل لعله من حوافز الرقي التي لا غنى عنها، ولا سؤدد دونها؟ وهذا كان له أبعد الأثر في مقاربتي لمناهج الاجتهاد في المذاهب الفقهية، ومدى ملاءمتها لقضايانا المستجدة، فكتبت: أثر الذرائعية والواقعية في مسالك الاجتهاد وتفعيله في القضايا المعاصرة، وكتبت عن نظرية التقعيد السلوكي نظرا وتطبيقا وهي قيد الإخراج، وكتبت مقالات ومقامات في الجانب الجمالي من التشريع وقد طبع، ورؤى معرفية في الأصول والمقاصد وهي قيد الطبع، ونظرات في التصرفات النبوية من خلال المنهج النبوي في التغيير: تغيير الأسماء والمعالم وغيرها من بحوث تفتقت يراعة الكتابة فيها بفعل استصحاب النظر المقاصدي المستمدة أصوله من الكتاب الآنف الذكر. * هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - الذي أسلم به يقينا أن لا مندوحة عن القراءة في رسم طريق التجديد، ولا وجود لمعنى التغيير دون التشبع بقيم المعرفة، التي من أشرف أدواتها البحث، والمطالعة، والطلب، والتحصيل، وغيرها من اصطلاحات تؤسس لجهد ما في القراءة، مع جودة اختيار وسبك، ونخل وتمييز، حتى لا تُبتذل المعرفة، وحتى لا نكرس الاجترار والتقليد، والجمود والتبعية، إذ وكلما تجشم القارئ عناء البحث وطلب المعرفة مستعينا بمنهج سديد في حسن الاختيار، ورعي المسلمات والثوابت المعرفية في كل مجال، والعناية باصطلاح كل فن باعتباره بابَتَه التي لا تولج البيوت إلا من دفّتها، وتقدير أهل الاختصاص، إلا وسيسهم لا محالة في إنتاج مجتمع حضاري، ينشد التغيير، في كافة المجالات المعرفية، ما دام الاجتهاد مشروعا، وما دام ائتمامه بالربانية مصدرا، والواقعية منهجا، والمقاصدية شرعة، وهذا كائن في كل المجالات المعرفية بدون استثناء، إذ الأصل في المعرفة عدم الحصر، ما دام العقل الإنساني تواقا إلى الإبداع والإمتاع.

مشاركة :