حالة من الجدل تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، لتداول كتاب يسمي "آخر الزمان" لـ ابراهيم بن سالوقيه، يدعى أنه تنبأ بنهاية العالم خلال شهر مارس 2020، انتشار فيروس كورونا، وحدوث زلازل وبراكين، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر القلق الكبير بين مواطني العالم أجمع. وجاء على مواقع التواصل أن مؤلف الكتاب إبراهيم بن سالوقيه المتوفى عام 463 هجرية تنبأ بأحداث كورونا من خلال أخبار الزمان، وتناقلوا منه إحدى صفحاته المزعومة والتي تحمل رقم 365 وتضمن نصها: "حتى إذا تساوى الرقمان (20=20)، وتفشى مرض الزمان، منع الحجيج، واختفى الضجيج، واجتاح الجراد، وتعب العباد، ومات ملك الروم، من مرضه الزؤوم، وخاف الأخ من أخيه، وكسدت الأسواق، وارتفعت الأثمان، فارتقبوا شهر مارس، زلزال يهد الأساس، يموت ثلث الناس، ويشيب الطفل منه الرأس". وربط رواد المواقع هذه الكلمات بالأحداث المتتالية التي يمر بها العالم منذ بداية العام الجاري 2020، خاصة مع تفشي فيروس كورونا كوباء عالمي، وانتشار الجراد في بعض البلاد الأفريقية، وقرار وقف العمرة وإخلاء الحرم المكي للتعقيم، وعاصفة التنين التي ضربت البلاد خلال الفترة الماضية.لكن في الحقيقية بعد البحث والاستفسار، لا يوجد شخص فى التاريخ الإسلامي يحمل اسم إبراهيم بن سالوقيه، فهو اسم مزعوم لا أساس له من الصحة، حتى لو حاول البعض أن يلفق له نسبا أو يسوق له حججًا أو يدعي أنه عاش فى بلاد كذا أو كذا، فهذا الاسم لا يعرفه أحد ولم يرفق اسمه فى كتاب من قبل ولم يذكر أحد أي نص له قبل يوم 16 مارس الجاري عندما ذكرته صفحة تدعى "تغريدات عراقية".ومع أن إبراهيم بن سالوقيه غير معروف فإن كتاب "أخبار الزّمان" معروف لكنه من تأليف أبو الحسن عليّ بن الحسين بن علي المسعودي، وهو من علماء العرب في زمانه، لقبه قطب الدّين، ولد سنة 283هـ والمتوفّى سنة 346 هـ (896-957م)، وهو من ذرّية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولد في بغداد ومات في فسطاط في مصر، كان اهتمامه كبيرًا بالتّاريخ والفلك والجغرافيا، وكتابه أخبار الزّمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران، كتاب تاريخيّ فيه تاريخ الزّمان من أوّله (ابتداءً بقصّة آدم)، يحوي قصصًا غريبة، يميل بعضها ليكون قصصًا خرافيّة وبعضها إلى الحقيقة، وليس فيه تنبّؤاتٍ بالمستقبل، لكنه يتحدث عن الماضي.ويبلغ عدد صفحات الكتاب الحقيقي 278 صفحة فقط، بما يعني أنه لا وجود فيه للصفحة المذكورة 365، كما أن الكتاب لم يتطرق إلى أي نبؤة عن نهاية العالم، بل اقتصرت كل موضوعاته عن رصد التاريخ القديم بمختلف بلدان العصر القديم، ومنها الصين، الافرنج، الأندلس، مملكة الترك، مملكة الروم، مملكة خراسان، وغيرها من القصص.هذا من جانب ومن ناحية أخرى فإننا لو تأملنا النص السابق سوف نجد نصا غير متسق وغير متوافق مع طريقة العرب فى التأليف من ذلك غياب الإيقاع فى الجمل، فإن العرب كانوا عادة مغرمين باتساق الجمل وتقاربها ومساواتها محافظة على الإيقاع كأنها مقطوعات شعرية، لكن النص المذكور ممتلئ بالأخطاء وحافل بالكسور.وثالث المنكرات وأشدها دلالة علي "خرافة النص" وكذب مدعيه هو استخدام الأشهر في ذلك الزّمن القديم، فمنذ نحو 1000 سنة وأكثر كان العرب والمسلمون لا يستخدمون للأشهر الميلاديّة في ذلك الزّمن إلا قليلًا، وكانوا يستخدمونها بأسمائها العربيّة ، أمّا الاستخدام الرّسميّ فكان للأشهر الهجريّة.وعن مؤلف الكتاب الحقيقي فهو أبو الحسن المسعودي مؤرخ، رحالة، وباحث من أهل بغداد، كان قد أقام بمصر وتوفي فيها، ومن أشهر ما كتب سلسلة كتب "أخبار الزمان ومن أباده الحدثان" وهو تاريخ موثق في نحو ثلاثين مجلدا، بقي منه الجزء الأول مخطوطا والذي تم طبعه عدة مرات كان آخرها في عام 1996.وكتب المسعودي أيضا "التنبيه والإشراف - ط"، و"أخبار الخوارج"، و"ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور"، و"الرسائل"، و"الاستذكار بما مر في سالف الأعصار"، و"أخبار الأمم من العرب والعجم"، و"خزائن الملوك وسر العالمين"، و"المقالات في أصول الديانات"، و"البيان" في أسماء الأئمة، و"المسائل والعلل في المذاهب والملل"، و"الإبانة عن أصول الديانة" و"سر الحياة"، و"الاستبصار" في الإمامة، و"السياحة المدينة".
مشاركة :