توقفت كثيرا أمام واحد من أكثر الأخبار المحلية اللافتة للاهتمام في الأيام الماضية، الخبر الذي لم يحظ باهتمام إعلامي مناسب، أشار إلى أن الهيئة العامة لمجلس الشورى أحالت مقترحات لبعض الأنظمة الجديدة إلى جدول أعمال المجلس، من أبرزها في تقديري مشروعان؛ أولهما يختص بتعديل نظام الأحوال المدنية؛ والآخر يتعلق بمشروع نظام الوحدة الوطنية الذي طال انتظاره، ورغم أهمية مشروع النظام الأول، فإنني أعتقد بأن مقترح النظام الثاني هو الأكثر أهمية، وينبغي أن يحظى بالأولوية القصوى تحت القبة الشورية، مع ضرورة الحرص الشديد على أن تخضع مواده للمراجعة المتأنية بعيدا عن الاستعجال الذي قد تمليه الظروف الراهنة. والمؤكد هو أن تحرك عدد من أعضاء مجلس الشورى لإصدار قانون لصيانة الوحدة الوطنية من المخاطر التي تتربص بها هو مبادرة مشكورة.. وقد سبق لي أن دعوت لإصدار هذا النظام مع الكثير من الكتاب والمثقفين والحقوقيين والمهتمين بالشأن العام منذ سنوات، ليس لأن النظام هو ضرورة فقط، بل لأن صدوره كان سيسد ثغرة واسعة طالما نفذ منها المتربصون والمحرضون، ولاسيما في مثل هذه الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، لهذا كنت آمل أن يصدر هذا القانون نتيجة لحاجة وطنية أكثر من كونه رد فعل على لأحداث الأخيرة. وبصرف النظر عن توقيت وظروف (مخاض) نظام الوحدة الوطنية المنتظر، فإن ما يعنينا بشأنه – كمواطنين – هو أن يكون فاعلا لتحقيق الهدف منه، خصوصا تجاه تجريم كل ما يؤثر سلبا على متانة سلمنا الاجتماعي، وتماسك جبهتنا الداخلية، أو المساس بحقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم، والخروج على الثوابت الوطنية، والإساءة للرموز الدينية والوطنية، كما أرجو أن لا يكتفي النظام بذلك، وإنما آمل أن يتضمن رؤية ممنهجة لتحصين وحدة بلادنا ضد كل ما من شأنه النيل منها، سواء أكان ذلك بالكلام أو بالفعل أو بالكتابة أو حتى بالإشارة والتلميح، وأيا كانت الوسيلة المستخدمة، بدءا من الخطابات الدعوية ومنابر المساجد، ومرورا بمناهج التعليم وشبكات التواصل، وانتهاء بشاشات الإعلام وصفحات الجرائد، وذلك من خلال مواد واضحة ومحددة؛ لا تحتمل الجدل أو التأويل. وبطبيعة الحال فإن النظام المطلوب لا يستهدف الحد من حرية التعبير عن الرأي أو التضييق على وسائل الإعلام وإنما التعامل بحزم مع كل خطاب مؤجج؛ يدعو للكراهية، أو ينطوي على التمييز، أو يثير النزاعات؛ أيا كان طابعها؛ طائفيا وقبليا أو مناطقيا وعرقيا، كما ينبغي أن يتضمن عقوبات رادعة؛ ليس فقط على الجرائم التي يتم تنفيذها، بل وحتى على مجرد التهديد بالعنف، والتحريض عليه، والتعاطف معه؛ أو تشجيع ونشر وتمويل كل ما يدعو لذلك؛ بأي شكل من الأشكال، راجيا أن لايكتفي النظام الجديد بالعقوبات الجنائية، وإنما المدنية أيضا؛ وهو ما سيكفل وأد الفتنة في مهدها، سواء أكان مرتكبوها أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين؛ لأن الموضوع لم يعد يحتمل العبث بأمن البلاد في هذا التوقيت العصيب الذي تحاك فيه المؤمرات على وحدتنا واستقرارنا. ولأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن، فإن التشريـع المرتقب ولائحته التنفيذية لا بد أن تكون عقوباته (بشقّيها الجنائي والمدني)، مشددة وصارمة، ومن الأفضل أن يورد النظام نماذج واضحة للممارسات التي يجرمها هذا القانون؛ وفي مقدمتها استخدام مفردات وعبارات التأجيج الطائفية من نوع «الروافض والنواصب»، أو العرقية مثل «القبيلي والخضيري»، أو العنصرية كمقولة «طرش بحر» و «بقايا حجاج»، أو الخلقي مثل «العبد والخال»، أو العقائدية كتكفير الآخرين بسبب الاختلافات الفقهية غير المحسومة بنصوص قطعية ثابتة؛ بدون ذلك لن نستطيع إغلاق أبواب الفتنة والتصدي الحازم لها عبر أحد أوسع أبوابها وهو تحقير أو استفزاز أي مكون اجتماعي، أو تخوينه والانتقاص من كرامته؛ بناء على العرق أو اللون أو الشكل أو اللهجة أو العادات أو الإعاقة أو الجنس أو المستوى الاجتماعي والمرجع المكاني والانتماء المذهبي. ختاما، أتطلع إلى أن يأتي نظام الوحدة الوطنية قويا، واضحا، وحاسما تجاه إرساء قواعد السلم المجتمعي، وتشجيع التعايش مع الاختلافات، وتعزيز مبادىء المساواة والعدالة، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وتشجيع الوسطية والاعتدال في المجتمع، وذلك نظرا لانعكاساته الإيجابية؛ أمنيا وسياسيا على المملكة، ولاسيما في ظل التحديات الخطيرة التي تواجهها بلادنا بعد التفجيرات الغادرة الأخيرة التي استهدفت ضرب وحدتنا الداخلية، ومحاولات زعزعة استقرارنا من قبل تنظيمات الإرهاب الخارجي وفي مقدمتها تنظيما داعش والقاعدة ومايسمى بحزب الله، إضافة لعملائهم وأذنابهم في الداخل من دعاة الفتنة، الذين ما فتئوا يحرضون، ويثيرون الفرقة والنعرات والانقسام بين المواطنين، سواء عن جهـل أو تهـور أو... استهداف.
مشاركة :