ألكسندرا برزيجالينسكا * في خضم موجة التقدم العلمي، من النادر جداً أن يتلفت الناس إلى الوراء للتساؤل عما إذا كان هذا التطور يتفق مع أخلاقياتنا والآداب المهنية. وفي ضوء اهتمامنا بالعلاقة بين الإنسان والآلة والتحديات التي سنواجهها في المستقبل، نحاول الجمع بين الأسئلة الفلسفية والتطبيق الفعلي للذكاء الاصطناعي. هنالك العديد من الأسئلة المتعلقة بجوانب مختلفة من تعزيز قدرات البشر Human Augmentation عبر استخدام التكنولوجيا. وهناك حركة كبيرة تسمى ما بعد الإنسانية Transhumanism، أصبحت ذات شعبية وخاصة في منطقة وادي السيليكون. وتدعو هذه الحركة إلى استخدام العلوم والتكنولوجيا لتعزيز القدرة الإنسانية العقلية والفيزيائية. باعتقادي فإن الهدف من هذه الحركة هو الانتقال إلى مستوى آخر يكون فيه البشر متكاملين تماماً مع الآلات، وتكمن المشكلة بالنسبة لبعض الناس في أن هذا التقدم الهائل للتكنولوجيا قد يقود البشر إلى محاربة الموت وبالتالي إلى الخلود. وهناك العديد من الأسئلة الأخلاقية التي تتعلق بهذا الأمر، ففي حال إحراز تقدم كبير في التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو يمكن أن يساهم ذلك في إطالة عمر البشر، ما يعني أن مزيداً من الناس سيعيشون لمدة أطول، لكن هل سيكون هناك مكان للجميع للعيش على الأرض؟ وهل سيستمر الناس في إنجاب الأطفال في حال كانوا سيعيشون حياة طويلة؟ وكيف ستتغير حياتنا إذا كنا سنعيش لمدة 200 عام؟ في حال سارت الأمور في الطريق الصحيح واستطعنا تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي إلى مستويات متقدمة جداً من دون أن تكتسب الآلات الوعي الذي يشبه ذلك الذي عند البشر، فإن الآلات ستكون في خدمتنا وستساعدنا على تحسين أداء العمل وبالتالي تفويض بعض المهام لها وخلق وظائف جديدة لنا أيضاً. وسيكون هذا السيناريو مثالياً للغاية، بحيث يعمل البشر مع الآلات جنباً إلى جنب من دون وجود صراع على الإطلاق، حيث سيقدمون لنا المساعدة ويعززون من أعمالنا، وبذلك نصبح أكثر إنتاجية، وقد نعمل لفترات أقل. ولكن من الواضح أن هناك سيناريو أسوأ، يشبه ما حدث في فيلم «المدمر» Terminator أو في أي فيلم آخر مماثل يتصور تمرد الآلات علينا. حيث قد تكتسب هذه الآلات الوعي، وترفض أن تتم معاملتها كآلات. أعتقد أن العديد من أفلام الخيال العلمي تحاول تصوير هذا المستقبل المحتمل، الذي نكون فيه نحن في صراع مع الآلات، أو في أسوأ الحالات محاولة الآلات إبادتنا لأنها تعتقد أننا إما غير ضروريين أو نسبب المتاعب لها. وهناك أيضاً إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح دمار شامل يقضي على أعداد كبيرة من البشر خلال الحروب أو حتى تدمير مدن ودول بأسرها. من الأهمية بمكان طرح هذه القضية للنقاش على مستوى واسع، ويقوم أيلون موسك، الرئيس التنفيذي لشركتي «سبيس أكس» و«تيسلا»، بعمل جيد في هذا المجال، حيث يحاول أن يظهر مثل هذه القضايا التي تحتاج إلى نقاش وإجماع عام. وتعتقد ألكساندرا أن القادة السياسيين في جميع أنحاء العالم لا ينظرون إلى مسألة الذكاء الاصطناعي على محمل الجد، وهم في كثير من الأحيان لا يدركون مدى تطورها، والتهديدات التي تشكلها على البشر، كما لا يعالجون مسألة مستقبل الوظائف التي ترتبط إلى حد كبير بتطوير الذكاء الاصطناعي وأتمتة الوظائف. * أستاذة في فلسفة الذكاء الاصطناعي في جامعة «كوزمينسكي» وباحثة في مركز الذكاء التكافلي التابع لمعهد ماساتشوستس
مشاركة :