دفن جثمان وزير خارجية العراق الاسبق طارق عزيز (79 عاما)، الوجه الدبلوماسي الابرز لصدام حسين لدى الغرب، السبت في محافظة مادبا (32 كلم جنوب عمان) بناء على رغبة عائلته التي تقيم في المملكة وذلك بعد اسبوع على وفاته في احد مستشفيات جنوب العراق حيث كان يمضي اعوامه الاخيرة في السجن. وبدأت مراسم الدفن التي استمرت نحو ساعة عند الساعة 16,30 بالتوقيت المحلي في مقبرة الخلود الجديدة في ضواحي مدينة مادبا بحضور افراد عائلته والمئات من العراقيين والاردنيين. وحمل نعش عزيز الذهبي الذي وضعت فوقه زهور بيضاء ولف بالعلم العراقي القديم الذي يحمل ثلاث نجمات وعبارة "الله اكبر" على الاكتاف وسط هتافات "يا صدام أفتح الباب جايلك أغلى الاحباب" و"يا صدام أرتاح أرتاح جايلك أغلى الاحباب" و"سمع سمع سمع خلي دموع الفرس تدمع" و"يا زياد قل لابوك كل الاردن بيحبوك" و "وصل صوتي عابغداد كلنا أبو زياد" و "بالروح بالدم نفديك يا عراق". وتوفي عزيز الجمعة الفائت في احد مستشفيات جنوب العراق حيث نقل اثر تدهور حالته الصحية. وقبيل دفنه بساعتين اقيمت صلاة على روح عزيز في كنيسة العذراء الناصرية للاتين في منطقة الصويفية في عمان رفعت خلاله صور لعزيز مكتوب عليها عبارة "شهيد العراق والامة" و"ستبقى في قلوبنا يا عزيز الامة". وقال المطران مارون لحام في كلمة عقب الصلاة التي حضرتها زوجة عزيز وابناؤه وبناته واحفاده ان "الاردن ملكا وحكومة وشعبا مسيحيين ومسلمين يتشرفون باستقبالك ويفتخرون ان يرقد انسان كبير مثلك بسلام في ارضنا الطاهرة". واضاف ان "عزيز بذل كل جهده ومهارته الدبلوماسية ليجنب بلده العراق خطر الحرب والدمار والتشرذم، وقابل البابا مرتين قبل عام 2003 وطلب منه التدخل لمنع المأساة، لكن غيره اراد غير ذلك". ومن جانبها، قالت ابنة عزيز الكبرى زينب في كلمة "يحق لي ان ابكيك وانت الانسان الذي صنعت لنفسك ولنا ولبلدك وامتك مجدا وتاريخا يفتخر به كل انسان شريف في كل هذا العالم". واحتشد مئات العراقيين والاردنيين في جنبات الكنيسة. وقال الاردني محمد الصبيحي (80 عاما)، أحد اصدقاء عزيز، والذي كان واقفا في باب الكنيسة ليتقبل العزاء ان "طارق عزيز ملك قلوب العرب كلهم وليس العراقيين وحدهم وهو من القادة النادرين الذين ضحوا من اجل مبادئهم وعملوا من اجل القومية العربية". واضاف لوكالة فرانس برس "لكن للاسف واجه الاعداء وامضى 13 عاما في سجون الاحتلال الاميركي واعوانه من الفرس المجوس". وقال زياد النجل الاكبر لطارق عزيز في نعيه لوالده ان "ستين عاما من النضال من اجل عزة العراق ووحدة الامة العربية انتهت برحيلك (...) قايضوك على مبادئك فكنت الاسمى وساوموك على رفاقك فكنت الاوفى". واضاف "برحيلك فقدت الدبلوماسية العربية عميدها وخسرت المبادىء والقيم رجلا كان مثالا لها، كم نحن مكلومون وحزانى لفراقك". وتابع ان "اسرتك الصغيرة ستفتقدك، رفيقة عمرك أم زياد وابناوك زياد وصدام وبناتك زينب وميساء واحفادك كبارا وصغارا ومنهم من لم يروك ورفاقك ومحبوك سيفتقدون بفراقك الزوج الوفي والاب الحاني والصديق والمعلم". وبحسب بيان النعي فانه سيتم تقبل العزاء في عزيز لمدة عشر ساعات يوميا خلال ايام السبت والاحد والاثنين في جمعية آل نبر في بيادر وادي سير في عمان. ووصل جثمان عزيز الى عمان في ساعة متأخرة من الليلة الماضية على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية الاردنية. وبحسب وسائل اعلام عربية فان مجموعة مسلحة "خطفت" جثمان عزيز اثناء وجوده في مطار بغداد، لكن تعذر التحقق من صحة هذه الرواية من السلطات العراقية او من عائلة الراحل المقيمة في عمان منذ عام 2003. والسبت الفائت اعلنت السلطات الاردنية والعراقية انه تمت الموافقة على دفن جثمان عزيز في اراضي المملكة "لاسباب انسانية" وبناء على رغبة عائلته. وعانى الراحل في السابق من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام دقات القلب. وطالبت عائلته مرارا بالافراج عنه نظرا للظروف الصعبة التي كان يعانيها في السجن. كما نقلت عن محاميه في العام 2011، طلبه من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الاسراع في تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحقه، بسبب تردي وضعه الصحي. وحكم على عزيز بالاعدام شنقا في تشرين الاول/اكتوبر 2010، لادانته "بالقتل العمد وجرائم ضد الانسانية" في قضية "تصفية الاحزاب الدينية". وعزيز المسيحي الوحيد بين الاركان البارزين للنظام السابق، كان الوجه الدبلوماسي الابرز لصدام حسين لدى الغرب. وعرف الرجل الذي كان يتحدث الانكليزية بطلاقة ويدخن السيجار الكوبي الفاخر، بنظارتيه الكبيرتين ولباسه الانيق. وسلم عزيز نفسه للقوات الاميركية بعد اقل من شهر على اجتياحها البلاد واسقاط النظام السابق. وشغل عزيز مناصب عدة اذ عين وزيرا للاعلام في سبعينات القرن الماضي، ووزيرا للخارجية في 1983، ونائبا لرئيس مجلس الوزراء في 1991. ورغم مناصبه، يعتقد ان عزيز لم يكن صاحب نفوذ في عملية اتخاذ القرار داخل النظام، بل كان موكلا الدفاع عنه امام العالم. ولد طارق عزيز في تلكيف شمال الموصل في شمال العراق في 28 نيسان/ابريل 1936، وهو من عائلة كلدانية، واسمه الحقيقي يوحنا ميخائيل. وتعرف عزيز على صدام حسين منذ خمسينات القرن الماضي، الا انه بقي بعيدا عن الدائرة المقربة منه والتي ارتكزت بشكل واسع على رموز من السنة لا سيما من منطقة تكريت مسقط رأس الرئيس الاسبق الذي اعدم في 2006. وتدرج في حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، ليصبح المسيحي ذي الرتبة الاعلى في الحزب الذي حكم البلاد منذ العام 1968. ويقول منتقدو التدخل الاميركي ان عزيز كان سجينا سياسيا، واودع الاحتجاز بسبب مقارعته ببراعة للذرائع الاميركية والبريطانية، لا سيما منها تلك المتعلقة بامتلاك بغداد اسلحة دمار شامل، والتي مهدت لاجتياح
مشاركة :