عثمان حسن رصدت العديد من الروايات العالمية والعربية العلاقة الشائكة بين «الريف والمدينة»، وقد جاءت صورة هذه العلاقة خاصة بين الكتاب العرب، تتبنى في معظمها مواقف مسبقة، تلعب على ثنائيات الفقر والحرمان والبؤس في جانب الريف، مقابل الانتهازية والاستغلال والجشع في المدن، ومثل هذه المواقف ظهرت مشحونة بعاطفة وآراء أيديولوجية مسبقة، خفضت من منسوب الرؤية التحليلية في رصد مثل هذه الثنائية، في حين كانت الرواية الغربية أكثر تسامحاً وأبعد تحليلاً، وفيها كثير من العمق الفكري.الناقد جيرالد مارتن، كاتب السيرة الذاتية لماركيز يعتقد أن شخصيات رواياته، مغروسة في ماضيه، وهي شخصيات ترتحل في المكان الكولومبي من دون تحيز لشمال أو جنوب، أو ريف ومدينة، ذلك أن ماركيز كان مدركاً لطبيعة صراع الأضداد بين المركز والهامش، وبين الذين يمتلكون والذين لا يمتلكون، وبين الريف والمدينة، وهو كل ما يمثله تاريخ كولومبيا الحديث.يرصد الكاتب الفرنسي جوريس كارل ويسمانس (1848 1907) في روايته «في المرفأ» تحولات المكان بين المدينة والريف، والانحدار في العلاقات بين الناس والمكان، بلغة حديثة راصدة لأدق تفاصيل المكان، وإسقاطات دوافع البشر عليه، وبهذا الفهم العالي لطبيعة الصراع، يأتي العمل الروائي مفعماً بالحيوية، بعيداً عن التشنجات وتسجيل المواقف الشخصية التي تكاد تكون سمة عامة في معظم المنجز الروائي لدول العالم الثالث التي وقعت في مطب هذه الإشكالية.في «قصص الريف والمدينة» للفرنسي ألفونس دوديه، نلمح سحرية عالية ترتبط بالمدرسة الطبيعية التي تصور المشهد الواقعي للحياة، عن شخصيات من الريف والمدينة، ومجتمع الفقراء والمهمشين داخل المجتمع، وكان أسلوبه واضحاً ورشيقاً.في جانب الرواية العربية، وبحسب كثير من النقاد، فإن رصد مثل هذه العلاقة ما زال مشوشاً وغامضاً، وبناء عليه نجح قليل من الروايات في رصد هذه الثنائية كما يرى الدكتور عمار زعموش وهو يكتب عن نماذج من الرواية الجزائرية على وجه الخصوص.وفي رأي زعموش، فإن رواية «غداً يوم جديد» لعبد الحميد ابن هدوقة، عكست هذه الثنائية الضدية بوعي معرفي يتحرى الأبعاد الدلالية والفنية الخفية للنص، وعبرت عن رغبة الكاتب الملحة في التغيير والمعرفة، وكشف توتر العلاقة بينه وبين الواقع الذي يعيش فيه.رواية «عزبة المنيسي» ليوسف القعيد، كما رصدها أكثر من ناقد، مثل ما هو حال معظم رواياته، تعبر عن وعي وتفهم عميقين، فهو يكتب رؤية جديدة حول ما يدور في القرية المصرية من تجاوزات وصلت إلى حد القهر الاجتماعي والنفسي، وكانت شخصياته في العمل ليست جامدة إزاء تفاعلها مع الأحداث، والرواية تميزت بالوصف المتماسك للشخصيات القصصية. ohasan005@yahoo.com
مشاركة :