مما منَّ الله به علينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية: - وجود قيادة حاكمة حكيمة تولي العلم والعلماء جلَّ اهتمامها وعظيم عنايتها وتنزلهم المنزلة العليا والمقام الأسمى. - وعلماء ربانيين (ورثة أنبياء) منارات هدى، وعناوين إصلاح، و نماذج تقوى وفلاح، يدلون الناس إلى الخير، وينيرون لهم الطريق، ويبينون للسائل السبيل، يعرفون أقل الشرين شراً، وخير الخيرين خيراً، فيفتون ويعلمون ويرشدون على علم ونور وهدى وبصيرة، نذروا أنفسهم للبيان والتبيين، وأمضوا أعمارهم في العلم طلباً وعطاء، فرحم الله من مات منهم وأطال أعمار الأحياء على الطاعة والعمل الصالح، وبارك فيهم وفي جهودهم. - وثالث المنن الربانية والعطايا الإلهية أن أنزل الله في قلوب أهل هذا الوطن الخيِّر وقاطنيه حب هؤلاء العلماء وإجلالهم وأخذ ما يقولونه بالقبول والتسليم ثقةً من عامة الشعب وخاصته بهم، ومعرفة يقينية بحرصهم الشديد على تقفي منهج السلف الصالح السديد، والأخذ بالدليل الصحيح. وإن عدَّ هؤلاء العلماء فإن في من أوائل من يعدُّ منهم في عصرنا الحاضر الفقيه المحدِّث الإمام فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله - الذي عُرف بحسن استنتاجاته واستخراجاته العقدية والفقهية والأخلاقية من الأحاديث النبوية الصحيحية. ولذا فقد كان حاضراً هذه الأيام من خلال دروسه وفتاويه، وكأنه يعيش معنا وبيننا اليوم سواء ما تعلَّق بانقطاع الصلاة في المساجد وأدائها في البيوت طاعة لولي الأمر، وحرصاً على سلامة الناس، وحماية للأنفس، وتحقيقاً للمصلحة العامة (إغلاق الكعبة والمسجد للمصلحة والحاجة)، أو ما كان له صلة بالجلوس للعزاء ثلاثة أيام، والفتوى الثالثة المصافحة حين الدخول على مَن في المجلس كما هي العادة التي توارثناها في بلادنا جيلاً عن سابقه، إذ قال - رحمه الله - في هذا الصنيع: (لا أعلم فيها شيئًا من السُّنة؛ ولهذا لا ينبغي أن تُفعل. بعض الناس الآن إذا دخل المجلس بدأ بالمصافحة من أول واحد إلى آخر واحد، وهذا ليس بمشروع، وإنما المصافحة عند التلاقي. أما الدخول إلى المجالس فإنه ليس من هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه أن يفعلوه. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس، ما يمر على القوم فيصافحهم، ولم نسمع أيضًا أنه إذا جلس حيث انتهى به المجلس أنهم يقومون ويصافحونه. فالمصافحة على هذا الوجه ليست بمشروعة، وقد سألتُ عنها من نعتمدهم من مشايخنا فقالوا: لا نعلم لها أصلاً في السنة. وسُئل - رحمه الله - في الباب المفتوح برقم (232): في الصباح نداوم على السلام والمصافحة، ما رأيك فيها يا شيخ؟! فقال الشيخ: إذا لقيت أخاك فصافحه. هذا طيِّب، لكن الشيء الذي أحدثه الناس، ولا أعلم له أصلاً في السنة: أنه إذا دخل المجلس قام يصافحهم واحدًا واحدًا يمرُّ عليهم، هذا ليس من السنة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخل المجالس ولا يصافح الناس، وإنما يجلس حيث ينتهي به المجلس، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأردف قائلاً: مشايخنا السابقون لا يفعلون هذا، ولا يُفعل عندهم أيضًا، لكن حدث هذا من بعض الإخوة المستقيمين ظنًّا منهم أن هذه المصافحة كالمصافحة مع الملاقاة، وليس كذلك. الملاقاة كل واحد يلاقي الثاني، أما هذا فرجل دخل على أناس جالسين، فهل كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل يسلِّم على الناس واحدًا واحدًا؟! وتابع بقوله: مَن كان عنده سُنة في هذا فليخبرنا بها، ومن ليس عنده سُنة فخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم) رحم الله ابن عثيمين وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدَّم في موازين أعمله، فما زال عمله (علم ينتفع به) لم ينقطع، وعمره قد طال ببقاء ذكره وغزير علمه وبطلابه ومحبيه الذين هم خير خلف لخير سلف، وإلى لقاء، والسلام.
مشاركة :