الاستقرار النقدي والمالي في عصر «كورونا» «1 من 2»

  • 3/27/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل الانتشار العالمي لفيروس كورونا مأساة إنسانية لا تزال تتكشف ملامحها في مختلف أنحاء العالم. وهناك تعقيدات في عملية القياس الكمي لأثرها الاقتصادي، ما ينشئ قدرا كبيرا من عدم اليقين حول آفاق الاقتصاد والتطورات المعاكسة المرتبطة بها. ومن شأن هذه الزيادة المفاجئة في عدم اليقين أن تهدد النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. إضافة إلى السياسات الاقتصادية الموجهة وإجراءات المالية العامة، وستكون السياسات الصحيحة لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي بالغة الأهمية في المساعدة على دعم الاقتصاد العالمي. يلاحظ أن تقلب الأسعار متغير منذ عام 2015 ومثال لهذا الوضع موجود في دول مثل اليابان ومنطقة اليورو والولايات المتحدة أن زيادة عدم اليقين وتشديد الأوضاع المالية أحدثت ارتفاعا حادا في مقاييس عدم اليقين الاقتصادي عبر دول العالم، كمقياس التقلب في سوق الأسهم. وفي هذا السياق، سجلت البورصات هبوطا حادا في الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، وشهدت طفرة في التقلب الضمني مع سعي المستثمرين الذين انتابهم القلق إلى إدخال آخر المخاطر الناجمة عن الفيروس الجديد في استراتيجياتهم الاستثمارية. ونتج عن هذا الارتفاع الحاد في عدم اليقين اتساع عام في فروق العائد على السندات عبر الأسواق المختلفة إذ يسعى المستثمرون إلى إعادة توزيع استثماراتهم بالتحول من الأصول الخطرة نسبيا إلى أصول أكثر أمانا. وأدت عمليات إعادة التوزيع هذه إلى إلحاق ضرر كبير بالسندات مرتفعة العائد وسندات الأسواق الصاعدة خصوصا. ونتيجة لذلك، حدثت زيادة حادة في فروق العائد على سندات الأسواق الصاعدة والأسواق الواعدة المقومة بالدولار الأمريكي. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة تشديدا كبيرا للأوضاع المالية، ما يعني أن الشركات تواجه ارتفاعا في تكاليف التمويل عند اللجوء إلى أسواق الأسهم والسندات. وهذا التشديد الحاد والمفاجئ في الأوضاع المالية يشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد، لأن الشركات تؤجل قراراتها الاستثمارية والأفراد يؤجلون استهلاكهم عند الشعور بتراجع الأمان المالي. استجابة السياسة النقدية تتبين من التشديد الحاد للأوضاع المالية إلى جانب توقعات انخفاض التضخم، وللسياسة النقدية دور في المنعطف الراهن. فبإمكان البنوك المركزية اتخاذ إجراءات سريعة للمساعدة على تخفيف حدة هذا التشديد للأوضاع المالية عن طريق ضخ السيولة وتخفيض أسعار الفائدة، ومن ثم منع حدوث ضائقة ائتمانية محتملة. والواقع: إن الأسواق كانت تتوقع من البنوك المركزية إجراءات جريئة لتيسير الأوضاع، مثلما تبين من الهبوط الحاد في عائدات السندات السيادية لدى كثير من دول العالم. ويؤدي اتخاذ إجراءات متزامنة عبر دول العالم إلى زيادة قوة السياسة النقدية. وبالتالي، فإن التعاون العالمي لتحقيق هذا التزامن يجب أن يكون على رأس جدول الأعمال. وللنجاح في تحويل مسار التشديد السريع للأوضاع المالية، يتعين أن تكون السيولة وفيرة داخل الدول وعبر الحدود. وفي هذه الظروف الاستثنائية، قد تحتاج البنوك المركزية إلى التدخل لتوفير سيولة طارئة إذا كانت ضغوط السيولة تهدد أداء السوق. وإذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية، يمكن أن يعود صناع السياسات إلى مجموعة الأدوات الأوسع التي تم استحداثها أثناء الأزمة المالية. فعلى سبيل المثال، أطلق الاحتياطي الفيدرالي برنامج القروض طويلة الأجل مقابل سندات مضمونة بأصول في 2009، وقدم من خلاله التمويل على أساس موجه. وطبق بنك إنجلترا ووزارة الخزانة البريطانية برنامج تمويل الإقراض الذي قدم دعما على التمويل لتحفيز التوسع في إقراض الأسر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات غير المالية. واستخدمت السلطات في دول أخرى أشكالا مختلفة من برامج الإقراض تهدف إلى خفض تكاليف الاقتراض في قطاعات معينة.

مشاركة :