يُفاجأ زائر «متحف الشارقة للحضارة الإسلامية»، بكثرة المعروضات والمقتنيات التي يستضيفها وفق الترتيب الزمني، والشرح الوافي عن كل قطعة. ولا يتوقف الأمر على ذلك، إذ عمدت إدارة المتاحف في الشارقة الى الاستفاضة صوتاً وصورة، عبر فيديوات تشرح آلية عمل بعض الاختراعات الإسلامية. يتنقّل الزائر داخل المعرض بسلاسة، فالمساحة رحبة، والمسافة الفاصلة بين المقتنيات تسمح بالتركيز على ما يتفحّصه الزائر. وما يبدو لافتاً، التصميم الداخلي والخارجي للمتحف، والمُزيَّن بزخرفات إسلامية جميلة. وإضافة الى عرض المقتنيات والتعريف بها، يهدف المتحف الى إجراء الأبحاث عليها وتطويرها، لتشجيع الجمهور من سكان الشارقة وزوارها على طلب المعرفة، وتقدير الفن الإسلامي، والاستمتاع بالتاريخ والعلوم والثقافة الإسلامية. ولكن ماذا عن الزوار، وعن ثقافة المتاحف؟ يبدو أن كل المغريات التي قدّمت أعلاه، لم تنجح في جذب الجمهور بأعداد كبيرة، كما يحصل مثلاً في متاحف فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة. فزيارة متحف اللوفر مثلاً، تتطلّب أكثر من نصف ساعة انتظار، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك وفق التوقيت أو الموسم، فهل نعرف في عالمنا العربي ما هي ثقافة الانتظار؟ تبدو لافتة الرحلات المدرسية الدائمة في أوروبا للطلاب، وتعريفهم الى تاريخ المنطقة وبلادهم، والشرح عن أبرز المقتنيات الفنية والمعروضات. من هنا، تبدأ ثقافة المتاحف في التكوّن لدى الأطفال، خصوصاً أن دولة الإمارات تشهد فورة فنية في بناء المتاحف، إذ سيُفتتح فيها العديد من المتاحف العالمية كغوغنهايم واللوفر. افتتح المتحف في تسعينات القرن الماضي، وكان موجوداً في منطقة التراث في أحد البيوت التراثية، وانتقل الى هذا المبنى الحديث عام 2008، فباتت المساحة أرحب وأوسع لعرض المقتنيات، وتقسيم قاعات المعرض وفق المواضيع، واستضافة معارض محلية وعالمية متنوعة. ويملك المتحف آلاف القطع من الحضارة الإسلامية، وخلال الجولة يمكن الزائر الاستمتاع بروعة الحضارة الإسلامية وعالميّتها، والتعرف الى تفاصيل مهمة من التاريخ الإسلامي، والعلوم والاكتشافات والثقافة الإسلامية، والتمتّع بجمال الفنون الآسرة. ويعتبر المتحف معلماً حضارياً سياحياً مهماً هو الأول من نوعه في دولة الإمارات، وقد أقيم في مقر سوق شعبية تقليدية تاريخية تم ترميمها. وتتجاوز محتويات المتحف من مقتنيات الفنون والثقافة الإسلامية، أكثر من خمسة آلاف قطعة فريدة جُمعت من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وجرى ترتيب عرضها طبقاً للموضوع في سبعة أروقة فسيحة. يتكوّن المتحف من طابقين: الأرضي والطابق الأول. في الطابق الأرضي، هناك صالة أبو بكر للعقيدة الإسلامية المخصّصة للتعريف بمبادئ الإسلام والقرآن الكريم، ويتم عرض أركان الإسلام الخمسة ومبادئ العقيدة الإسلامية، وهناك مجسم للكعبة وأجزاء عدة من كسوة الحرم المكي، ومخطوطات نادرة من القرآن الكريم والتفاسير، ونماذج مجسّمات وصور وعروض معلومات عن المساجد والجوامع من مختلف أنحاء العالم الإسلامي القديم والحديث. وفي صالة ابن الهيثم للعلوم والتكنولوجيا، تُعرض إنجازات علماء المسلمين ومساهماتهم في الحضارة الإنسانية، من خلال نماذج مجسّمة وصور ومعلومات عن أهم الاكتشافات والاختراعات والنظريات التي وضعها العلماء المسلمون في: الفلك والطب والجغرافيا، والعلوم الطبيعية والهندسة المعمارية، والرياضيات والكيمياء، والتكنولوجيا العسكرية والملاحة البحرية والهندسة وغيرها. وتحوي القاعة العلمية أيضاً، أدوات علمية جُمعت بعناية فائقة، كما هناك ردهة للاستقبال، تفسح في المجال أمام الزوار للتعرف إلى المسكوكات الإسلامية المعروضة، في سلسلة من الخزانات البارزة على طول مركز القاعة الرئيسة. ومن أمثلة العملات الأولية، تلك المسكوكة تحت حكم الخلفاء الأمويين، في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، وحتى العملات المتداولة اليوم، وتحوي المسكوكات الإسلامية معلومات تقدّم موضوعات مالية وأيديولوجية فكرية، إلى جانب موضوعات متنوّعة مثل تطوّر الخط الإسلامي، وإنجازات العلوم والتكنولوجيا. الفن الإسلامي وخُصّص الطابق الأول من المتحف للفن الإسلامي، في رحلة استكشافية منذ مطلع الإسلام وحتى الفترة المعاصرة. وتضمّ القاعة الأولى أعمالاً فنية ومشغولات مصنوعة من الخزف والمعدن والزجاج، وغيرها من الفنون التي أنتجت في العالم الإسلامي بين القرنين الأول (السابع الميلادي) والسابع الهجري (الثالث عشر ميلادي). حيث شهدت المنطقة في تلك الفترة توسعات، وامتدت الحضارة الإسلامية، وتأثر الفن الإسلامي بالأساليب الفنية من الحضارتين الإغريقية والفارسية، ولكن سرعان ما اكتسبت نمطها المميز وعكست روح العقيدة الإسلامية. القاعة الثانية تعرض قطعاً فنية إسلامية آسرة من القرن السابع الهجري (الثاني عشر ميلادي)، وحتى القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). وتتبع القطع المعروضة الفترة التي تلت اجتياح المغول للأراضي الإسلامية الشرقية، وهي قطع معدنية وخزفية مملوكية وصفوية وعثمانية، حيث طرأت في تلك الفترة تغيرات جذرية غيرت من الخريطة الإسلامية مرة أخرى، حيث تنافست الدولة العثمانية في تركيا مع الصفوية في بلاد فارس، والهندية المغولية على السيادة السياسية، وتألقت على أثر ذلك الفنون والثقافة. كما ازدهرت الفنون مع نمو التبادل التجاري والازدهار الاقتصادي في الشرق والغرب وبين المسلمين والمسيحيين والهندوس، ونستشفّ ذلك من الفنون والمواد المستخدمة في التشكيلات والمقتنيات المتفردة المعروضة في القاعة. وخُصصت الصالتان الثالثة والرابعة، للمشغولات الحرفية وعرض الأسلحة التي كانت مستخدمة خلال القرنين الثالث عشر (التاسع عشر الميلادي) والرابع عشر (العشرون الميلادي) الهجريين. وخلالهما، ازدهرت المنطقة اقتصادياً، وازداد الاهتمام الأوروبي بالمنطقة، ما أدى إلى تعزيز التبادل الفني والثقافي. وتمثل المعروضات هنا، النتاج الحضاري للثقافتين الشرقية والغربية. ومن أبرز مقتنيات المتحف، ثمة مجموعة كبيرة ومهمة من القطع النقدية الإسلامية، بما فيها عدد كبير من الدنانير الأموية. حيث كان المسلمون قبل الخلافة الأموية يستخدمون العملات، كالدينار البيزنطي والدرهم الفارسي، وبعد تأسيس أول خلافة إسلامية (الدولة الأموية)، أمر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، بإصدار عملة إسلامية جديدة خالية من الرسوم وتحوي نقوشاً تتضمّن الشهادتين. وهناك أيضاً، ستارة باب الكعبة والإسطرلاب الذي يعدّ من أكثر الأدوات استخداماً في المراصد، ويستخدم في تحديد الوقت ليلاً ونهاراً، وقياس الارتفاعات ومسارات النجوم، وتحديد الاتجاهات خلال السفر.
مشاركة :