أوبئة غيّرت مسار البشرية

  • 3/28/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا نزال في بداية أزمة فيروس كورونا الشرس فيما يبدو، نسأل الله أن تمر بسرعة، ومن الآن ظهرت أشياء غريبة في تصرفات الشعوب، فترى الاقتتال على السلع، ونفاد المعقمات والأقنعة، والضغط على المستشفيات، وهذه كلها قصيرة المدى، لكن ما الآثار الممتدة لـ"كوفيد - 19"؟ لا يمكن الجزم الآن، لكن بلا شك ستظهر آثار أعظم مما نعتقد، ولنا في التاريخ سوابق، فلما استحال السل وباءً في أميركا منتصف القرن التاسع عشر اعتقدوا أن السبب تلوث الهواء، نظرية روّجها طبيب من نيويورك، ذلك أنه لما ترك المدينة الكبيرة وذهب لجبال أديرونداك في نفس الولاية لاحظ تحسناً، فنصح الناس أن يتنفسوا الهواء النقي ويختلطوا مع الطبيعة العذراء، وفي تلك الفترة لم تكن الولايات المتحدة قد اتسعت كما نراها اليوم، والمناطق الغربية لم يقربها الأميركان من قبل وكانت مكاناً آمناً للهنود الحمر، لكن لما اجتمعت عدة أسباب كالبحث عن الذهب والرغبة في التوسع ومنها الاستشفاء نزح الكثير غرباً وهذا سبب مناوشات مع الهنود الحمر وإبادة لهم، ومن نجا فقد رُحِّل قسراً إلى ولايات أخرى، واستمروا في الهجرة غرباً حتى وصلوا أوريغون وكاليفورنيا وساحل المحيط الهادي، وفي خضم هذا كله اندلعت حرب بين أميركا والمكسيك، واستحوذت أميركا على ولاية تكساس. أيضاً من الآثار الكبيرة للأوبئة ما فعلته الحمى الصفراء بالغزاة الأوروبيين في البحر الكاريبي، فقد فَتك بالبريطانيين وأباد قرابة 70 % منهم في بعض الحالات، وأسوأ ما حصل هو لما أغاث هذا الوباء الإفريقيين الذين وُضعوا تحت جبروت الغزو الفرنسي، فقد كانوا تحت استعباد غزوٍ عنيف، ولما ثاروا وخلعوا العبودية أمر نابليون بإرسال جيش يخضعهم ويُرجعهم عبيداً، ونابليون محنك وقوي وأرسل قائداً كفؤاً من أقاربه في كتيبةٍ محترفة ضد مدنيين لم يتعودوا على القتال - فضلاً عن قتال جيش إمبراطوري متمرس -، ولما ظهر كأن مجزرة مهولة على وشك أن تحصل لم يكد الجنود الفرنسيون يحطون رحالهم هناك حتى فزعوا من تساقط جيشهم مريضاً بالحمى الصفراء التي ينقلها البعوض، وهلكت جماعات من الجنود أمام حيرة القيادة، بل حتى القائد نفسه قتلته الحمى، فأمر نابليون بسحب من بقي منهم، فرجع 8 آلاف من 30 ألفاً! فتحرر العبيد وظهرت دولة هايتي المستقلة. هكذا التاريخ، كل شيء يكاد يرتبط بكل شيء آخر، ولا يعلم إلا الله أبعاد ما نرى الآن.

مشاركة :