اعتبر مراقبون أن قرار إقالة نائب رئيس الوزراء في حكومة النظام السوري قدري جميل، يصب في سياقين متنافرين، الأول أن يكون في إطار لعبة تبادل الأدوار مع النظام واحتمالات عقد جنيف2 خلال فترة قريبة، والثاني أن روسيا قررت سحب التفويض من الأسد بناء على اتفاق مع واشنطن وقررت أن تبعد «جميل» عن حكومته وتحتفظ به لدور محتمل قادم تحافظ به على نفوذها داخل أي تركيبة مقبلة. وما يعزز الاحتمال الثاني هو أن جميل يشكل رأس جسر في عمل «المافيا» الروسية، كما يقول الإعلامي والاقتصادي مصطفى السيد لـ «عكاظ»، مشيرا إلى أن جميل يملك استثمارات بمليارات الدولارات في موسكو ورثها من علاقاته التي بناها بمساعدة والد طليقته خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري، ووالده جميل باشا قوطرش صاحب شركة «تكنو إكسبورت» التي كانت تحتكر جميع المستوردات التكنولوجية غير العسكرية من الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية السابقة، وهي الشركة التي منحتها دول المعسكر الشرقي للحزب الشيوعي وعائلة بكداش. ويفتح تاريخ جميل وعلاقته بروسيا على احتمال أنه بقي في موسكو بإيعاز منها ــ حسب تسريبات ــ ونتيجة خلاف مستحكم مع النظام جراء بعض التصريحات التي أزعجت الأسد، إذ ترددت أنباء عن تلقي جميل تهديدات في حال استمر في تصريحاته التي طالت أذرع النظام الأمنية. وفي كل الأحوال فإن التصريحات المتناقضة لأطراف ضمن حكومة النظام يمثلون ما يسمى معارضة الداخل حول مشاركتهم في جنيف2 تحت جناح الائتلاف السوري، كشفت عن خلل بالغ في شكل العلاقة، إذ تصر واشنطن ودول غربية على وجود وفدين فقط يمثلان النظام والمعارضة. وزير المصالحة في حكومة النظام وهو شريك جميل في التيار الشعبي، قال إن مشاركة معارضة الداخل في جنيف2 تحت جناح وفد الائتلاف «ضرب من الخيال»، ما يعني أن تصدعات حصلت داخل المعارضة المتحالفة مع النظام وهو ما يصعب مهمة الأسد في المؤتمر المزمع ويزيد من عوامل التفجير واحتمالات فشل المؤتمر، ويطرح تساؤلات كبيرة حول ما يخطط له بين واشنطن وموسكو. النظام السوري يبدو في وضع حرج ولاسيما أنه حاول خلال اليومين الماضيين نفي هروب نائب رئيس حكومته ليخرج لاحقا بقرار رئاسي يقضي بإعفائه، وهو في جميع الأحوال تعرض لضربة لها ثلاثة أبعاد، الأول هروب شخصية رفيعة من داخل الحكومة ما يضعف صورتها، الثاني يتمثل في خلط الأوراق والترتيبات التي عمل عليها النظام لنحو عامين محاولا تصوير قبوله للشراكة في الحكم عبر إدخال شخصيات معارضة، الثالث والأهم هو قلقه مما يدور في رأس حليفه الروسي الذي أبقى على جميل في موسكو وغطى عملية الهروب في وقت شديد الحساسية. ويرى كثيرون أن روسيا قد تكون ضمنت بديلا عن الأسد بإخراجها قدري جميل من توليفته الحكومية إلا أن هذا مع كونه مجرد احتمال هو بالتأكيد مقدمة لتطورات كبيرة وتغير مرتقب يكسر عنجهية النظام السوري الذي يمارس لعبة «الرقص في العرسين» محاولا أخذ دوره ودور المعارضة على طاولة المفاوضات المقبلة.
مشاركة :