تحقيق: راندا جرجس يعد تليف الكبد من الأمراض المزمنة التي تؤثر سلباً في الحياة، وتعرض المصاب لمضاعفات خطرة كتضخم الكبد والطحال، وفقدان الوزن دون سبب واضح، إضافة إلى نقص مناعة الجسم، وبالتالي عدم القدرة على مقاومة الأمراض، ما يجعله عرضة للعدوى وانتشارها لتصيب أعضاء أخرى مثل الكلى والقلب والرئتين، وينجم عنه ارتفاع السموم لعجز الكبد عن التنقية، وفي السطور المقبلة يسلط الخبراء والاختصاصيون، الضوء على أعراض وأسباب المرض وأهمية التشخيص المبكر. تقول الدكتورة ريم الحسن، أخصائية الجهاز الهضمي إن تليف الكبد يعني حلول الخلايا التندبية غير الفعالة، مكان السليمة التي تقوم بوظائف الكبد، مثل: تنظيف الجسم من السكر والسموم، وتخزين الفيتامينات، وتهيئة الصفراء للقيام بالهضم، وتحفيز عوامل التخثر التي تمنع النزف، وتشكيل البروتينات والغلوبولينات المناعية، ويعد الكبد من أكبر أعضاء الجسم التي تشارك في عمليات الاستقلاب، ولذلك فإن أي إصابة تؤدي إلى خلل في الوظائف الكبدية.تضيف: تليف الكبد من الأمراض البطيئة؛ حيث إن الخلايا تصاب تدريجياً، فتتحول إلى مريضة خلال فترة من الزمن، وبالتالي لا يوجد علاج فعال لإزالة التليف، لكن يمكن الحفاظ على القسم الفعال من الكبد، من خلال الاكتشاف المبكر، وإلا فتطور المرض يكون بموت الخلايا ولا تعوض إلا بزراعة كبد جديد أو في أسوأ الحالات إلى الموت نتيجة سرطان الخلية الكبدية. أعراض المرض تبين د. ريم أن تليف الكبد، يرافقه العديد من الأعراض كالتعب، الغثيان، ضعف الهضم، آلام خفيفة في البطن والعظام، نقص الشهية، فقدان الوزن، كدمات بالجلد، نزوف هضمية علوية أو سفلية نتيجة غياب عوامل التخثر ونقص الفيتامينات، اصفرار الجلد والعين، ظهور خطوط الأوعية الدموية الدقيقة بوضوح على جلد البطن والصدر، وذمات بالجسم والساقين نتيجة نقص البروتين، ارتفاع ضغط الدم في الكبد، تجمع السائل في البطن، اضطرابات الدورة الشهرية أو غيابها عند النساء، اضطرابات نفسية وعقلية وربما تصل لمرحلة غياب الوعي التام. أسباب الإصابة عن أسباب الإصابة تشير د.ريم إلى عوامل مثل التهابات الكبد الفيروسية (C، B، D)، التهاب الكبد الذي يحدث عند زيادة الحديد، والنحاس (داء ويلسن)، التليف الكيسي، الاضطرابات الوراثية في وظائف الجسم كأيض السكر الذي يعنى وجود الجالاكتوز في الدم أو داء اختزان الغليكوجين، ومشكلات الهضم، نقص ألفا-1 أنتيتريبسين، أمراض الكبد الناجمة عن الجهاز المناعي، تشمع القنوات الصفراوية، مختلف أنواع العدوى مثل الزهري أو داء البروسيلا، تناول الكحول، ولذلك يصنف الخبراء تليف الكبد كنتيجة لمجموعة كبيرة من المسببات، كما يصيب الأشخاص من كافة الفئات العمرية شباباً وكهولاً، ويمكن أن يستهدف الصغار في حالة إصابتهم بالأمراض الولادية الوراثية، وكذلك النساء المصابات بتشمع الصفراوي الأولي. وسائل تشخيصية يوضح الدكتور علي العيسي، مختص أمراض الجهاز الهضمي والكبد، أن الخطوة الأولى نحو التشخيص الاشتباه السريري عندما تظهر على المريض بعض الأعراض، كاصفرار الوجه والأغشية المخاطية أي ما يعرف باليرقان، وظهور الكدمات على الجلد، النزف من اللثة أو الجهاز الهضمي أو البولي تورم البطن والأطراف السفلية بسبب احتباس السوائل، الضمور العضلي، ويلجأ للتحاليل التي تؤكد فقر الدم، نقص الصفائح، اضطراب عوامل التخثر، نقص البروتينات، ارتفاع مستوى البليروبين والأنزيمات الكبدية. يضيف: يخضع المريض للفحوص الشعاعية، كتصوير البطن بالأمواج فوق الصوتية الذي يظهر تشوه شكل الكبد وضمور حجمه وتضخم الطحال، وأحياناً وجود سوائل داخل البطن وتمدد في الأوعية الكبدية، وبعدها يلجأ الطبيب للتنظير الهضمي لتحري وجود التوسعات الوريدية المعروفة بدوالي المريء والمعدة، وفي بعض الحالات يحتاج لإجراء خزعة الكبد للتحليل النسيجي. مضاعفات ومخاطر يشير د. علي إلى بعض المضاعفات مثل قصور الخلية أو الفشل الكبدي، ما يؤدي إلى تراكم مادة البيليروبين في الدم، والسموم والنواتج الاستقلابية مثل اليوريا، وتنجم عن ذلك مخاطر على مستوى الجهاز العصبي، وتبدأ من اضطراب القدرة الذهنية والاكتئاب، وربما تصل لفقد الوعي، وكذلك نقص مناعة الجسم بسبب تراجع البروتينات والأضداد الدفاعية في الكبد، ما يسهل حدوث الأخماج الفيروسية، وارتفاع الضغط في الجهاز الوريدي للكبد المسمى وريد الباب الذي يؤدي إلى تشكل توسعات وريدية في المريء والمعدة تسمى الدوالي وتتسبب بحدوث نزف خطر، قلة تصنيع عوامل التخثر الذي يسهم في حدوث النزف من الجهاز الهضمي، البولي، أو التناسلي، إضافة إلى تراكم السوائل في جوف البطن بسبب ارتفاع التوتر في وريد الباب ونقص بروتينات الدم، والسوائل وحدوث تورم في الأطراف، والعقم عند الجنسين، سرطان الكبد، قصور الكلية. طرق علاجية يفيد د. علي بأن الكشف المبكر يمنع تطور الالتهاب نحو التليف، أما عند المرحلة المتقدمة فالعلاج الوحيد لزراعة الكبد الذي يناسب الحالات المزمنة، وقبل الوصول إلى المخاطر يجب أن نلجأ للمعالجات التالية:* الالتزام بالحمية الغذائية القليلة المحتوى من الملح في كافة وجبات الطعام.* الأدوية الخافضة للضغط في وريد الباب.* المراقبة الدورية للتحاليل الدموية لعلاج فقر الدم أو نقص الصفائح عند حدوثه.* علاج اضطرابات الأملاح والشوارد مثل الصوديوم والبوتاسيوم.* الأدوية المدرة للبول للتخلص من تراكم السوائل في الجسم.* في بعض الحالات يضطر الطبيب لإجراء تفريغ للسوائل من البطن، عن طريق البزل.* التنظير الهضمي للكشف عن دوالي المريء والمعدة وعلاجها بتقنيات الربط.* المراقبة الدورية بالأمواج فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي. الفيروسات الكبدية يؤكد الدكتور أيسم مطر أخصائي، أمراض الجهاز الهضمي، أن وجود الفيروسات التي تصيب الكبد، تعد سبباً أساسياً في الإصابة بالتليف، وتشير التقديرات إلى أن فيروس(C) مسؤول عن 27% من حالات تليف الكبد حول العالم؛ حيث يتحول لمزمن في 80% من المصابين ما لم يعالجوا مبكراً، وبعد فترة تحدث الإصابة بالتليف الكبدي دون أعراض، ويؤدي لاحقاً إلى فشل وظائف الكبد وإصابته بالسرطان، ويحتاج حينها إلى نقل الكبد لإنقاذ حياة المريض. يضيف: أما فيروس B فتزداد احتمالية تسببه بالتليف كلما كانت الإصابة مبكرة، ويأخذ المرض عقوداً من الزمن قبل ظهوره وتدهور حالة الكبد، ويعد مسؤولاً عن 15% من حالات التليف، ويتسبب بالعديد من المضاعفات التي تؤثر في الصحة. لقاح وقائي ينبه د. أيسم، إلى أن اللقاح المضاد لالتهاب الكبد من النمط ب الركيزة الأساسية للوقاية من الإصابة بالفيروس الكبدي، وهو مأمون وفعال متاح منذ عام 1982، ويعد ناجحاً بنسبة 95% في الوقاية من العدوى، وتدوم الحماية طوال العمر على الأرجح، وتوصي منظمة الصحة العالمية بهذا اللقاح لكل الرضع في أقرب وقت بعد الولادة، وتعطى جرعتين إلى ثلاث بعد الجرعة الولادية، كما توصي بتطعيم البالغين إن لم يطعموا في الصغر، خاصة إن عزموا السفر إلى المناطق الشائع بها الإصابة، أو كانوا من الفئات الأكثر عرضة للعدوى بالفيروس، كما يعد الفحص المضمون للدم ومكوناته المتبرع بها، من أهم الاحتياطات اللازمة عند التعامل مع الدم أو مشتقاته، واستخدام الحقن لمرة واحدة والاستغناء عن عمليات الحقن غير الضرورية، وتجنب الوشم، للمساهمة في تقليل الإصابة بالعدوى. التهاب الكبد D تتراوح نسبة الإصابة بالفيروس الكبدي D من 15 إلى 20 مليون شخص تقريباً في جميع أنحاء العالم، وينشأ الفيروس عن طريق التزامن مع فيروس B، ويوصف بأنه عدوى إضافية له، وتنتقل هذه الإصابة بين الأم والرضيع أثناء الولادة، أو من خلال ملامسة دم شخص مصاب، وينتج عن هذه الإصابة العديد من المضاعفات والمخاطر التي تعطل الكبد عن القيام بوظائفها، كما تتسبب في أورام سرطانية خبيثة، وتؤدي إلى الوفاة، وهناك مؤشرات على انخفاض حالات الإصابة به في البلدان التي تحرص على برنامج التطعيم ضد فيروس التهاب الكبد(B).
مشاركة :