فى كتابه «دمياط فى التاريخ الحديث 1810- 1906»، تناول الدكتور راضى محمد جودة، تاريخ ظهور وانتشار عدد من الأمراض التى شكلت تحديًا كبيرًا أمام بقاء الإنسان على الأرض، من بينها: الرمد والجدرى والدوسنتاريا، والكوليرا، والطاعون، هذه الأمراض والأوبئة ظهرت فى القرن التاسع عشر إبان حكم محمد على لمصر الذى بادر بمواجهة هذه الأوبئة، واتخذ فى سبيل ذلك عدة وسائل للحفاظ على الصحة العامة.تناول الدكتور راضى جودة، حادثة انتشار وباء الطاعون فى مصر فى القرن التاسع عشر وكيفية محاربته، والإجراءات التى اتخذها محمد علي باشا، والى مصر، للحفاظ على حياة المصريين.عرض جودة أولا لوباء الطاعون ومرات ظهوره وذلك قبل أن يتطرق لدور محمد على فى محاربته وتدابيره فى سبيل مواجهته، إذ كتب: «يُعد الطاعون من أخطر الأوبئة التى أصابت البلاد، بل كان السبب الرئيس لمعظم الوفيات فى مصر فى تلك الآونة، وتؤكد إحدى الدراسات أن الطاعون لا يأتى مطلقًا من داخل مصر، ولكنه يظهر أولًا على شاطئ الإسكندرية، ومنه إلى رشيد ودمياط والقاهرة، ويسبق ظهوره وصول بعض السفن القادمة من سوريا، وإسطنبول لنقل الملابس الصوفية ولوازمها، حيث يكون الطاعون شديدًا فى إحدى مدنها خلال الصيف.وتصدت الإدارة المركزية لهذا الوباء بإقامة المحاجر الصحية، فعندما انتشر الطاعون فى مصر بشكل وبائى فى يناير ١٨١٣، وصف «الجبرتى» طرفًا من ذلك حيث ذكر: «أنه عندما جاءت الأخبار بوقوع الطاعون فإن الأطباء قد أشاروا على محمد على بعمل كورنتيلة بالإسكندرية على قاعدة صلاح الإفرنج ببلادهم، فلا يدعون أحدا من المسافرين الواردين فى المراكب من الديار الرومية، يصعد إلى البر إلا بعد مضى أربعين يوما من وروده، وإذا مات بالمركب أحد فى أثناء المدة استأنفوا الأربعين»، وعندما بدأ ينتشر بالإسكندرية فى الشهر التالى «فبراير ١٨١٣م» وتوفى على إثره الكثير من أبناء الإسكندرية أمر الباشا بعمل محاجر صحية بدمياط ورشيد وغيرها.وعندما انتشر مرة أخرى فى عشرينيات القرن التاسع عشر، القادم من سوريا وآسيا الصغرى، أقامت الإدارة المركزية المحاجر الصحية فى الإسكندرية عام ١٨٢٨، ودمياط ١٨٢٩، ورشيد ١٨٣١.وظهر الطاعون مرة أخرى فى دمياط عام ١٨٣١، وذلك عن طريق سفينة آتية من بيروت إلى الإسكندرية بقيادة القابودان «حسين»، ومرت على دمياط فصدرت الأوامر إلى محافظ دمياط لحجر المدينة حَجْرًا صحيًا مثل الإسكندرية منعًا لتسرب الوباء، ووضع القادمون إليها من الأناضول وعكا فى المحجر الصحى، إلا أن الوباء انتقل إلى دمياط على الرغم من الأوامر الصحية الصادرة للمحافظ باستقبال البعض منهم فى مسكنه، وكان من نتائج ذلك وفاة ثمانية أشخاص من عائلة المحافظ؛ بينما سقط العديد من الضحايا من مختلف العائلات فى المدينة.اضطرب المجلس الصحى لهذه الحادثة، ولما كان يخشى انتشار الوباء، فقد أشار على الحكومة بأفضل الوسائل التى تكفل وضع حد له، كما بعث إلى دمياط بالدكتور «فرانشسكو جراسى» grassi، وهو أحد أعضائه فكان أول ما عمله أن أقام سياجًا صحيًّا حول دمياط والقرى المجاورة، وبدأ بسلسلة من الإجراءات من بينها فصل الأصحاء عن المصابين، وتبخير المدينة وحرق المتعلقات الشخصية للمصابين بالطاعون، وبعد هذه الإجراءات وخلال الفترة بين يوليو وأغسطس ١٨٣٢، مات ٣٠٠ شخص من السكان الذى يبلغ تعدادهم ٢٠ ألف نسمة.وفى عام ١٨٣٤، انتشر مرض الطاعون بمصر وتفشى بدمياط وبذل «كلوت بك» جهدًا كبيرًا فى مكافحته ووضع رسالة عن علاجه.ولم ينقطع ظهور وباء الطاعون فى السنوات التالية، ولعل أخطر انتشار له كان فى عام ١٨٣٥، عندما اجتاح القاهرة وبلاد الوجه البحرى بشكل عنيف، وقضى على الكثير من السكان ومنها فى دمياط. وفى شهرى سبتمبر وأكتوبر عام ١٨٣٦، ظهر الطاعون مرة ثانية فى دمياط، غير أن الوباء لم يلبث أن قُضى عليه، لا فى المدينة فحسب، بل وفى خمس وسبعين ومائة من القرى التى ظهر فيها، وذلك بفضل نشاط الدكتور«جراسى» وسرعة ما اتخذه من تدبيرات.محمد على يتابع موقف الوباء وينقل الحجر الصحى خارج المدنرصد «جودة»، متابعة محمد على لما يحدث بدمياط عندما علم بخبر ظهور الطاعون عام ١٨٤٤ بالمحافظة، إذ طلب إرسال بيان بأسباب ظهوره وما درجة الضرر الواقعة على الأهالى ويستفسر منه هل انقطع أم ما زال منتشرًا وهل طبق الحجر الصحى أم لا؟.وتشير الوثائق إلى أنه فى حالة ظهور المرض بالإسكندرية كان يرسل مجلس كورنتينة الإسكندرية لناظر كورنتينة دمياط أمرًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة ذلك، فيشير ناظر كورنتينة دمياط «إلى أنه ورد له من مجلس الكورنتينة بالإسكندرية بخصوص مرض الطاعون يطلب منه نظافة المحلات التابعة للثغر وترتيب النظافة بالمحافظة وتبييض جميع المحلات من الداخل وإزالة القمامة ومنع الروائح الكريهة لما به من مياه بكثرة والتنبيه على مشايخ الشطوط ومن يلزم لهم التنبيه بتنظيف المحلات والنواحى المذكورة والشطوط».ووافق محمد على، على نقل مكان الحجر الصحى بعيدًا عن الأهالى من البر الغربى للبر الشرقى، كما وافق أيضًا على ترتيب جراية للفقراء الموجودين تحت الحجر الصحى، أما الأغنياء فكانوا يدفعون مقابل لذلك حسب ما تحدده اللائحة المنظمة لذلك.كما انتشر فى عام ١٩٠٥ فى بورسعيد، وانتقل منها إلى دمياط وأودى بحياة الكثير من أهل دمياط.«الجدرى» ينشط.. الحلاقون وحكيم الصحة يمارسون التطعيمذكر«جودة»، فى كتابه أن مرض الجدرى كان يتزايد خلال فصل الشتاء، فكان يصاب به الأطفال فى السن الصغيرة ويؤدى إلى وفاة الكثير منهم فى القاهرة وجميع المدن ومن بينها دمياط، ولإدراك محمد على خطورة هذا المرض بدأ مبكرًا بإجراء عملية تلقيح الجدرى عام ١٨١٩ على الأطفال، وكان يقوم بهذه العملية الحلاقون وناظر الكورنتينة.أوضح جودة: أن هذا المرض ظهر بشكل وبائى فى بعض السنوات كما حدث فى عامى ١٨٢٥، ١٨٣٦، واستدعى ذلك القيام بحملة تطعيمات شاملة على مستوى البلاد، فقد أصدر الوالى أمرا فى ١٠ يونيو ١٨٢٥، لجميع الجهات بأن يستحضر اثنين من الحكماء الفرنسيين بواسطة قنصل فرنسا، ليقومان بتطعيم الأهالى بمادة الجدرى وتطعيم من يلزم فن التطعيم، وكانت عملية التطعيم تتم بالتنبيه على كل مشايخ الحارات بحضور الأطفال للتطعيم بمعرفة حكيم الصحة والحكيمة، وفى حالة وجود شخص مريض تذهب الحكيمة لتطعيمه بالمنزل.«الكوليرا» فى دمياط.. محمد على يستعين بالأطباء الأجانبتحدث جودة فى كتابه: أن الكوليرا من الأوبئة التى مثَّلت خطرًا دائما على مصر ومن بينها دمياط، والتى ضربت مصر عشر مرات بين عامى ١٨٣١ و١٩٠٣، ويمكن تعقب مسارها إلى عودة الحجاج من الأماكن المقدسة، ولكن هذه الصلة لم تتكشف إلا عام ١٨٥٦.وفى عام ١٨٣١ أُخذت الحكومة على غرة بأول اجتياح لوباء الكوليرا وعانى البلد من خسائر مدمرة فى الأرواح، ففى شهرين قتل المرض نحو ١٥٠ ألف من السكان المقدر عددهم بثلاثة ملايين ونصف المليون، ودمياط بين ٥ إلى ٦ آلاف من عدد السكان البالغ ١٥ ألفًا، وكان محمد على يهتم اهتماما بالغا عند انتشار هذا الوباء، فلما انتشر هذا الوباء بدمياط مرة أخرى عام ١٨٣٦، طلب من محافظ دمياط إفادته تفصيليا بعد التحقق من ظهور وتفشى الوباء بالمدينة وضواحيها وبُعد المسافة بينهما وكيف حدث؟ وذلك لإخطار مجلس الصحة، فأجابه المحافظ بما طلب، مما جعل محمد على يرسل له فى يوليو ١٨٣٦ الخواجة «إسقارلاتو» لعمل حجر صحى بجهات دمياط وعليه أن يساعده فى كل ما يريد باعتباره مأمورا للحجر الصحى بها بدلًا من مأمورها السابق الذى لم يستطع القيام بعمله خير قيام لمرضه. وأوضح جودة: أن محمد على أمر محافظ دمياط فى ١٥ سبتمبر ١٨٤٤ أن ينشر قانون الحجر الصحى على المصالح التى تحت إدارته، ويبذل كل الجهود لتطبيقه لحماية المحافظة من العدوى من مرض الكوليرا.وأشار «جودة»، إلى أن وباء الكوليرا اجتاح دمياط عام ١٨٨٣، وقضى على العديد من سكان المحافظة، وعندما انتشر مرض الكوليرا فى دمياط عام ١٨٩٥، صدر قرار من مجلس الصحة البحرية والكورنتينات المصرية بأن يكتب على جوازات البواخر وإعلام خبرها وأوراق المراكب الشراعية والشهادات الصحية العبارة الآتية: «توجد الكوليرا الآسيوية بدمياط أما الصحة العامة فى باقى المدن المصرية فهى جيدة»، وقرر أيضًا تطبيق اللائحة المختصة بالكوليرا على الواردات الصادرة من دمياط إلى الموانئ المصرية بطريق البحر، وكذلك قرر بصفة استثنائية ومؤقتة تطهير البضائع والأمتعة القابلة لنقل العدوى، وإعدام بعض المأكولات كالفواكه والخضراوات والزبدة وغيرها، وتغيير مياه السفن بعد تطهيرها الأوعية المحتوية عليها. وفى العام التالى ألغيت تلك القرارات نتيجة انتهاء هذا المرض.تعليمات محمد على للخلاص من الأوبئةوصف جودة خلال الكتاب حالة الرعاية الصحية للمصريين إبان العصر العثمانى بقوله: «لقد عانت الشئون الصحية كثيرًا من الإهمال، وعدم الاهتمام خلال العصر العثمانى، ولم تلق العناية الكافية من السلطات، كما أن ثقافة الأهالى كانت ضئيلة للغاية، حيث اعتقدوا فى الدجل والسحر والشعوذة، واعتمدوا كثيرًا على الأحجبة والتمائم والرقى وإطلاق البخور، والوصفات المتوارثة فى مقاومة وعلاج الأمراض».ويتابع جودة: «عندما تولى محمد على حكم مصر اهتم بحالة الصحة العامة بها ومن ضمنها دمياط وذلك بسبب كثرة انتشار الأوبئة كالطاعون والكوليرا، ورغبته فى العناية بصحة المصريين لتكوين جيش قوى، وتحقيق طموحاته الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى إقامة سلالة حاكمة له ولذريته من بعده».تبخير البيوت وتنظيف الملابس وردم البرك كافح محمد على، الأمراض المنتشرة آنذاك كالرمد والجدرى والدوسنتاريا وغيرها، وكانت الوسائل التى لجأ إليها إما وقائية كالحَجْر الصحى، أو علاجية كالاعتماد على معاونة الأطباء الأجانب أمثال «كلوت بك» فى بحث شئون الصحة العامة.فى سبيل ذلك تم «إنشاء مدرسة الطب واستحضار الكتب الطبية والأدوية وإقامة المستشفيات، وإيفاد البعثات الطبية إلى الخارج، وتشجيع الأطباء الأجانب، إلى جانب مطاردة الدجالين من الوطنيين والأجانب، الذين كانوا يغرون أبناء البلاد وينتحلون لأنفسهم صفة الأطباء حتى يروجوا بضاعتهم الزائفة، ومن الإجراءات الوقائية أنه ألزم كل شخص بدمياط بنظافة منزله أو محله من الداخل والخارج، بالإضافة إلى نظافة جانب من جهات الطريق الذى فيه منزله أو محله، ومن يخالف ذلك يُغرم بدفع غرامة بلغت عشرين قرشًا، وإن لم يكن قادرًا على ذلك يحبس خمسة أيام، وذلك حسب اللائحة، كما أمر بتبخير البيوت وتنظيف الملابس، وردم البرك لمقاومة الأمراض الوبائية».كما ألزم مشايخ الحارات بالمدينة بنظافة حاراتهم من القاذورات بالتعاون مع رجال الجهادية، وإذا حصل منهم إهمال أو تستر عمن يخالف يجرى عليهم جزاء حكم المخالفين.نقل الجبانات خارج المدن وإشراف الأطباء على التجارومن الوسائل الأخرى التى اتخذها محمد على للوقاية من الأمراض بدمياط إصدار أمر بإبعاد الجبانات خارج المدينة، ونقل أسواق السمك، وأماكن الذبح ومخازن الفسيخ إلى أرض خلاء بعيدة عن السكن، بالإضافة إلى تسجيل المواليد، والكشف الدورى على الطلبة فى المدارس والعمال فى المصانع والكشف على الأموات للوقوف على أسباب الوفاة وإجراءات الصحة العامة.كما كان الأطباء يشرفون بدقة على كل العاملين فى الأنشطة التجارية التى لها صلة بالصحة العامة مثل باعة الطعام والخبازين والجزارين والصيادلة والعطارين، وكان عليهم أن يفتشوا بانتظام على الخبز المُعد لإمداد الجيش.كما أمر محافظ دمياط بناء على قرار من مجلس شورى الأطباء بمنع محلات العطارة بيع السموم إلا بتصريح من إدارة الضبطية، وعدم نقل السموم من جهة إلى أخرى بعد شرائها من العطارين والأجزجية، ومن يخالف ذلك يدفع غرامة تصل إلى ٥٠٠ قرش.وبهذه الإجراءات وغيرها نجح محمد على فى تحسين الصحة العامة بالمحافظة خصوصًا فى حالة تفشى الأوبئة كالطاعون والكوليرا وغيرها.سعيد باشا يتابع إجراءات الصحة العامة للمصريينيؤكد «جودة»، أنه عندما تولى سعيد باشا الحكم فى مصر حافظ على بقاء مجلس الصحة المشرف على النواحى الصحية والمستشفيات الذى تم إنشاؤه فى عهد عباس الأول، وأوجد سعيد للمجلس إدارات صحية تابعة له يرأس كل منها «مأمور صحة».ويضيف جودة: «فى ٥ يوليو ١٨٥٦م صدرت لائحة خاصة منظمة لإدارة أعمال «مجلس الصحة»، كما عمل على إصلاح الإدارة الصحية، فأصدر أوامر بإنشاء العديد من الكورنتينات والأجزاخانات والمستشفيات وتوفير الأطباء لها؛ لتحسين الصحة العامة فى مصر ومنها فى دمياط، ففى بداية عهده تم نقل المستشفى الحكومى من وسط مساكن دمياط إلى عنبر واسع من عنابر أحد المصانع».ومن مجهوداته للمحافظة على الصحة العامة بدمياط إصدار قرار بمنع الدجالين ومن يدعى مهنة الطب والصيدلة من ممارسة الطب بالمحافظة، وكذلك منع العطارين من بيع المواد السامة كما نقل مخازن السمك والفسيخ والسلامون بعيدًا عن أماكن تركز السكان.كما اهتمت الإدارة الصحية بدمياط فى عهده بتسجيل المواليد فى كشوف شهريَّا، وذلك بناءً على الكشوف التى تُقدم لها من قبل مشايخ الحارات فعندما تلد أى سيدة فكان على الداية التى ولدت هذه السيدة تحرير كشف باسم المولود ووالدته ووالده وحارته المولود فيها ويختم الكشف بختمها، ويُصدق عليه من شيخ الحارة ثم يُقدم لمكتب الصحة، كما كان يقيد أيضًا المتوفين فى دفاتر يوميًّا.الخديوى إسماعيل وتوفيق فى مقاومة الأمراضفى عهد الخديوى إسماعيل استمر «مجلس الصحة» قائمًا لتأدية رسالته التى أُنشئ من أجلها، وكان له الفضل الكبير فى مقاومة الأمراض والأوبئة وخصوصًا وباء الكوليرا الذى حل بالبلاد ١٨٦٥، واستمرت المأموريات الصحية فى الأقاليم قائمة ومن بينها دمياط، كما وضع نظامًا للإشراف الصحى على وابورات القمبانية «شركة الملاحة» فى البحرين: الأحمر والمتوسط، وكان الوابور يدفع نظير ذلك عشرين قرشًا شهريًا.وفى مارس ١٨٦٣، ألغى دفع أى شيء نظير الإشراف الصحى، كما طبق نظام الحجر الصحى.يؤكد جودة أن الأمور الصحية فى عهد إسماعيل لاقت العناية الكاملة بدمياط، وشاركه فى هذه العناية الأطباء فى دمياط وأعضاء مجلس شورى النواب، الذين وجهوا همتهم جميعًا إلى تحسين أحوال البلاد الصحية، وكان للإدارة الصحية فضل كبير فى مقاومة الأمراض ومكافحة الأوبئة.واستكمل الخديوى توفيق وضع النظم واللوائح والإجراءات للمحافظة على الصحة العامة، فصدرت فى عهده لائحة عام ١٨٨١، ونصت على أن يكون بمحافظة دمياط حكيمباشى يقيم بالمدينة، ويكون تحت أوامره حكيم الإسبتالية، وأجزاجيها، والحكيمة، والحكيم البيطرى وحكماء الأقسام، وعليهم متابعة الأشغال المتعلقة بالصحة العامة والكشف على المتوفين فى المدينة وتسجيل المواليد والمتوفين، وهم مكلفون أيضًا بالكشف على الأحوال المختصة بالطب الشرعى، وعليهم أن يأخذوا معهم لإجراء هذه الكشوفات حكيم الإسبتالية أو أحد حكماء الأقسام.الاحتلال البريطانى يجبر الأهالى على التطعيمتطرق «جودة»، لوجود الاحتلال الإنجليزى فى مصر حيث أوضح أنه «فى بداية الاحتلال البريطانى لمصر كان الأهالى معرضين لكثير من الأمراض كالبلهارسيا والانكلوستوما، وبعض الأمراض الوبائية، وكانوا يهملون علاجها أو يعالجونها بالطرق القديمة مما جعل الاحتلال يجبر الأهالى على التطعيم ضد الجدرى والكوليرا، التى اجتاحت دمياط عام ١٨٨٣م، كما صدر قرار من مجلس الصحة العمومية فى يونيو ١٨٨٣م بمنع نقل الكهنة من جهات القطر إلى دمياط نظرًا لظهور هذا المرض.وقامت سلطات الاحتلال عام ١٨٨٦، بإنشاء مصلحة الصحة العمومية طبقًا للقواعد التى وضعها لها المستر «كليفورد لويد»، وعملت على الاستغناء عن الموظفين السابقين، وتعيين موظفين أمناء مخلصين أوفياء لأعمالهم، وكان الغرض من مصلحة الصحة تحسين الأحوال الصحية، فأقامت المستشفيات فى أنحاء القطر المصرى، وأوجدت فيهما الصيدليات اللازمة، وعملت على تحقيق نظام تحسين حالة المياه والمجارى، وقامت بمجهودات موفقة فى مكافحة الأمراض الوافدة وعلى الأخص الكوليرا، كما أنشأ مستشفى للحميات، وكذلك أدخلت تحسينات على نظام السجون مع مراعاة الشروط الصحية للمبانى التى أقامتها الحكومة لهذا الغرض وإيجاد المصانع فيها لتشغيل المسجونين بها.ومع كل هذه الإجراءات لم يمنع وفاة الكثير من المواليد حيث بلغ عدد مواليد المحافظة عام ١٨٨٩ نحو ٢١٤٥ مولودًا فى حين قُدر عدد الوفيات فى نفس السنة بـ١١٥٧شخصًا.
مشاركة :