كتبة / آمال بنت فيصل عطار منذ هجوم فيروس كورونا COVID-19 على الصين، وانتشاره في معظم دول العالم كانتشار النار في الهشيم، وأتى خلال أربعة أشهر على الأخضر واليابس، بعدما بات تهديدًا عالميًا وخطرًا شديدًا على اقتصاد العالم ، الذي قد ينتهي بحالة من الركود لم يشهدها منذ تبعات الحرب العالمية الثانية، وخاصة في البلدان التي اجتائحها الفيروس بشكل كبير.وخلال فترة بسيطة من الزمن، وتحديداً من ديسمبر وحتى وقت كتابة هذا المقال، أصبح فيروس كورونا، الشغل الشاغل للرأي العام العالمي، ما بين مسؤولين يتخذون قرارات لمجابهته، وعلماء يبحثون عن لقاح له، أو حتى وسائل إعلام سواء جديدة أو تقليدية تحاول تناقل الأخبار للعامة والشعوب حول هذا الوباء الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالميًا، لاسيما مع مستويات تفشيه السريعة ومستوى خطورته، وأيضا مستويات انعدام التحرك الفعال حياله.وعلى رغم بأنني لست بارعة في المجال الاقتصادي ، لكني كمهتمة ومتابعة لهذه الجائحة ولانعكاساتها وتأثيراتها، كنت قد تفاءلت كثيراً عندما قرأت توقعات اقتصادية لعام 2020 تنبأت بسنة من النمو الثابت إن لم يكن بالنمو المتزايد، مدعمة بتحديث لصندوق النقد الدولي لشهر يناير الماضي توقع ارتفاعًا في النمو من 2.9 في المائة في 2019 إلى 3.3 في المائة في 2020، وهذا لم يكن مستغربا وكانت خلفه أسباب كثيرة تدعو للتفاؤل، منها اتفاقية التجارة (المرحلة الأولى) بين الصين والولايات المتحدة، وخفض تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى جاء تفشى الفيروس المستجد وسبب صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي، خفضت على إثرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها لنمو 2020 إلى النصف من 2.9% إلى 1.5%، بل والأدهى والأمر أن هناك توقعات تشير إلى احتمالية دخول الاقتصاد العالمي حالة من الركود والانكماش الشديد الذي ستكون له آثار كبيرة لعقود قادمة.وبعيدا عن تقديرات الإصابات والوفيات التي تتبدل بين ثانية وأختها، وكجزء لا يتجزأ من اقتصاد الدول وعنصر فعال من عناصر تنميتها الشاملة، لم يسلم القطاع الخاص حول العالم من الركود الكارثي لهذه الجائحة العالميه التي سببة ضربة كبيرة لكافة الشركات والمؤسسات في أغلب اقتصاديات الدول أمثال الصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا وباعتبارها جزءا من المنظومة العالمية، لم تكن المملكة بمنأى عن تداعيات كورونا السلبية في ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشاره على شركات القطاع الخاص، مما اضطرها إلى تشجيع أو إجبار مواطنيها على تقييد الحركة والجلوس في المنزل عبر منحهم إجازات وفرض حظر تجوال عليهم.ففي أعقاب تفشي فيروس كورونا، ومن أجل الحد من زيادة انتشاره، لجأت العديد من شركات ومؤسسات القطاع الخاص حول العالم إلى المسارعة في اتخاذ إجراءات وتنظيم طريقة العمل واتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، أبرزها تخفيض ساعات وأيام العمل وتقليل أعداد الموظفين قدر الإمكان في مقر العمل، وكذلك اعتماد سياسات العمل عن بعد للحد من الاجتماع والاختلاط بين الموظفين، في حين اضطرت شركات أخرى لتسريح الآلاف منعا لانتقال العدوى فيما شهدت شركات أخرى تقاعد أعداد كبيرة من موظفيها من تلقاء أنفسهم بينما أجبرت بعضهم على التقاعد المبكر، خشية إصابتهم بهذه الجائحة العالمية.وفي ظل أزمة جائحة كورونا وانعكاساتها، وانطلاقا من واجبي التوعوي كـــ مستشارة قانونية، فقد آثرت تسليط الضوء على العديد من التساؤلات حول الآثار القانونية الناتجة عن الوضع الحالي سواء بالنسبة للعمال والموظفين أو لأصحاب الأعمال من ناحية الحقوق والواجبات والتأمين والرواتب والتسريح والإجازات والفصل والتقاعد، وغيرها من القضايا المتشابكة التي أود التعريج عليها هنا لإيضاحها لقرائي الأعزاء.ووفقا لنظام العمل فلا يُسمح لمنشآت القطاع الخاص بمنح العاملين إجازة دون أجر بغير موافقتهم، ذلك أن عقود العمل ملزمة لطرفي العلاقة التعاقدية (العامل وصاحب العمل)، ولا تؤثر الظروف الاستثنائية المؤقتة فيها، وأتاح النظام للمنشآت التي لديها عاملون لا تسمح لهم الظروف الحالية من أداء أعمالهم وفق الطرق التقليدية، اتباع طرق بديلة لتمكينهم من استكمال مهامهم، ومن بينها العمل عن بعد.عالميا، وعلى رغم القاعدة القانونية العامة “العقد شريعة المتعاقدين” ، ومن منطلق الظروف الاستثنائية التي خرجت عن نطاق السيطرة كما هو الحال فيما نحننعيشه اليوم مع تفشي جائحة كورونا فقد تلجأ بعض الشركات من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية مع موظفيها إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة، وخاصة في الحالات التي يكون فيها تنفيذ هذه التزامات مرهِقاً لها فمثلا تقوم بتخفيض أجورهم، والأخطر أنها قد تسرح بعضهم، وهنا يكون الجزاء رد هذا الالتزام إلى الحد المعقول وتوزيع الخسارة على الطرفين.أما إذا استحالت نظرية الظروف الطارئة، فقد أصبحت كثير من الشركات أمام إشكال قانوني آخر تمثل في تبنيها نظرية القوة القاهرة لاسيما في ظل تأثير هذه الجائحة على علاقات تلك الشركات ومبادلاتها التجارية بشكل يعوق تنفيذ إنتاجياتها بل إنه قد يؤدي إلى إفلاسها خاصة الصغيرة منها.خلاصة الموضوع أن الشركات إذا قررت خفض أجور موظفيها أو تسريحهم وفسخ عقودهم بسبب جائحة كورونا، فإن عليها وانطلاقا من مسؤوليتها الاجتماعية اتباع طرق بديلة لتمكينهم من استكمال مهامهم كالعمل عن بعد كما في نظام العمل في المملكة، لكن بشرط قيام الموظفين بواجباتهم ومسؤولياتهم الوظيفية، لذا أدعو أصحاب العمل ألا يلجأوا إلى مثل هذه التدابير إلا كتدبير أخير حفاظاً على استمرارية العمل.
مشاركة :