قالت صحيفة نيويورك تايمز إن هناك خطة وضعتها الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة لمكافحة فيروس كورونا مؤرخة في 13 مارس 2020 انطلقت من أن الوباء سيستمر 18 شهرا أو أكثر، وقد يشمل موجات متعددة وقد يحدث نقصا في المعدات والمستلزمات التشخيصية والطبية. في الوقت عينه تقريبا ذكر تقرير نشرته صحيفة الغارديان أن مسؤولين في وكالة الصحة العامة البريطانية توقّعوا أن يستمر وباء كورونا لسنة على الأقل وأن يصيب 80 في المئة من البريطانيين، واختصر بوريس جونسون قبل إصابته بفيروس كورونا هذه التوقعات بالقول إن "هذه أسوأ كارثة صحية خلال هذا الجيل، ولا بد لي من أتشارك معكم بالحقيقة، المزيد من العائلات سيفقدون أحبتهم قبل وقتهم". خط سير وباء كورونا المفزع في إيطاليا كان السبب الرئيسي للتشاؤم الذي خيّم على العالم الغربي، خصوصا بعد أن تبعتها إسبانيا وبعد ظهور مؤشّرات على أن فرنسا وبريطانيا تسيران على نفس الطريق. فإيطاليا تشترك مع دول الغرب في أرضية جينية وحضارية وظروف مناخية واحدة ومن الطبيعي أن يتكرر ما يحدث فيها عند مثيلاتها، بينما أخذ كورونا مسارا أقل خبثا في شرق آسيا، ربما لأن المجتمعات هناك مختلفة جينيا أو لأنها أكثر انضباطا والتزاما بالتعليمات من المجتمعات الغربية أو لأن الفيروس قد تعرّض في إيطاليا لطفرة زادت من شراسته. الإغلاق الاقتصادي الشامل لأمد طويل ليس حلّا ولا يضمن منع العدوى ولتجنّب السيناريو الإيطالي حاولت الحكومات الغربية تأجيل دخول المرض لبلادها عبر إغلاق حدودها وإبطاء سرعة ازدياد عدد المرضى باتجاه الذروة وتخفيف حدّة هذه الذروة قدر الإمكان، حتى يكون النظام الصحي في وضع أفضل لمواجهته. فتكرار النموذج الإيطالي في بلد بحجم الولايات المتحدة الأميركية سيعني على أقل تقدير وقوع عشرات آلاف الوفيات ودخول مئات آلاف المرضى للمستشفيات. ولذلك تركّزت الجهود الأميركية على عزل السكان في منازلهم لعدة أسابيع بحيث لا تؤدي موجة الوباء الحالية سوى إلى إصابة نسبة محدودة منهم حتى تتمكن المؤسسات الصحية من تقديم الخدمات المطلوبة لهم. وفي حال نجاح هذا الأسلوب ستتم حماية أغلبية السكان من الإصابة بهذا الفيروس ولكنهم سيبقون غير محصّنين ضده، ومن المرجّح حينها أن يتابع الفيروس جولته داخل الولايات المتحدة وخارجها ليعود في هجمة جديدة يتوقعها بعض العلماء في خريف عام 2020 والتي ستستمر حسب رأيهم حتى بداية صيف 2021. واستمرار إجراءات العزل والحجر وإغلاق الشركات والمدارس ووسائل المواصلات والمطاعم والفنادق والأسواق وإيقاف النشاطات بجميع أشكالها حتى ذلك التاريخ سيهدد بانهيار اقتصادي شامل. فالنظام الاقتصادي في الدول الغربية يعتمد بشكل رئيسي على القطاع الخاص. في الولايات المتحدة مثلا 15.3 في المئة فقط من اليد العاملة تعمل في مؤسسات تابعة للحكومة، بينما يتوزع الباقي على شركات القطاع الخاص نصفهم يعمل في مشاريع صغيرة، وإغلاق البلد لهذه الفترة الطويلة سيؤدي لفقدان أغلبية هؤلاء لعملهم، لأن هذه المشاريع ستعجز عن سداد القروض التي موّلتها وستتعرض للإفلاس، وبالتالي سيفقد العاملون فيها وظائفهم ولن يعود بإمكانهم سداد أقساط المنازل التي اشتروها وهكذا في سلسلة انهيار اقتصادي ليس لها نهاية، وقد بدأت بوادره من الأسبوع الأول الذي تلا قرار الإغلاق حين تقدّم 3.3 مليون أميركي بطلب إعانة بطالة من الحكومة وهو رقم قياسي لا سابقة له.هل سيصبح "كلوروكين" حبيبا للملايين؟تباينت ردود الأفعال للمرض. بعض الدول قامت بإغلاق المدارس فورا وبعضها فرض حظر تحرك على جميع المواطنين، وبعضها أقر عقار الملاريا الشهير "كلوروكين" أو أحد مشتقاته العلمية مثل "هيدروكسي كلوروكين" لعلاج المرض وحتى اللقاح الذي يعلّق العالم آماله عليه لإنقاذه من فيروس كورونا من الصعب أن يكون جاهزا قبل خريف العام المقبل وهذا يجعل احتمال استمرار إغلاق المدارس ودور الحضانة حتى نهاية العام الدراسي 2020 ـ 2021 واردا مما سيكون له آثارا سلبية واسعة، إذ حتى لو تمّت الاستعانة بتقنيات التعليم عن بعد، فإن الصحّة النفسية والتطور الروحي والحركي السليم للأطفال يتطلب التواصل والتفاعل ضمن مجتمع طفلي تؤمّنه المدرسة، كما أن عمل أغلب الأميركيين مرتبط بهذه المدارس التي توفّر أماكن آمنة لأبنائهم خلال ساعات عملهم. إضافة إلى كل ذلك، فإن هذا النوع من الحياة الجافّة التي يفرضها العزل الصحي، الخالية من النشاطات الاجتماعية والرياضية والفنية المترافق مع توقف السياحة والسفر ومنع اختلاط الناس مع بعضهم في زحمة الشوارع ومراكز التسوق وتبادل الزيارات الاجتماعية بين الأهل والمعارف من الصعب تحمّلها صحيا ونفسيا لفترات طويلة. بينما في المقابل في مدينة ووهان الصينية التي تعرّضت مع كامل إقليمها للحصار من الحكومة المركزية وترك سكانها في مواجهة الفيروس ليتفشّى فيها وينهي دورته، فقد عاد الناجون من سكانها بعد شهرين من الحصار لممارسة حياتهم الطبيعية لأنهم أصبحوا محصّنين من الفيروس. الفلسطينيون يريدون التعاون مع إسرائيل لمكافحة كورويخلّف فيروس كورونا المتفشّي وقعا كبيرا على حياة الإسرائيليين الشخصية والعامة، ولكن درجة تأثيره على الفلسطينيين المقيمين بجوارهم في الضفة الغربية وغزة لا تزال حتى الآن أخفّ.في خضم هذه الأزمة الطبية، تم إجراء استطلاع استثنائي للرأي في هذه المناطق، فأعطى لمحةً عن المواقف والتصرفات المتغيرة فيها وكشف عن بعض الجوانب الإيجابية المفاجئة كما انتشر فيروس كورونا في إقليم لومبارديا الإيطالي بذات الدرجة ربما نتيجة التأخر في تطبيق العزل؛ وخلال أسابيع سيتجاوز هذا الإقليم مشكلة الوباء دفعة واحدة، وسيصبح أغلب سكانه محصّنين من الفيروس بعد شفائهم منه وبعد وصولهم إلى ما أصطلح على تسميته "مناعة القطيع"، إذ أن إصابة 60 حتى 70 في المئة من مجتمع ما بأحد الأمراض الفيروسية تعطي هذا المجتمع حماية من هجمة وبائية جديدة بهذا الفيروس، أي سيكون بإمكان شمال إيطاليا قريبا العودة إلى الحياة الطبيعية وممارسة كافة أشكال النشاط الاقتصادي والسياحي والرياضي والفني فلم يعد لدى سكانه ما يخشونه. ولكن الأولوية في الأنظمة الديمقراطية هي إنقاذ الأرواح مهما كان ثمن ذلك باهظا على المستوى الاقتصادي، ولا تستطيع هذه الحكومات السماح بتكرار ما حدث في ووهان ولمبارديا في بلادها، ولذلك قامت بانتهاج سياسة العزل والحجر والإغلاق الشامل. اللقاح الذي يعلّق العالم آماله عليه لإنقاذه من فيروس كورونا من الصعب أن يكون جاهزا قبل خريف العام المقبل ولكن الفترة الطويلة التي سيستغرقها هذا الوباء حتى يبدأ بالتراجع دفعت بعض الأصوات للقول بأن الإغلاق الاقتصادي الشامل لأمد طويل ليس حلّا ولا يضمن منع العدوى، وهو بالإضافة إلى تهديده بتدمير الاقتصاد وخفض مستوى معيشة السكان، فإنه قد يسبب أمراضا عضوية ونفسية واجتماعية لا تقل خطورة عن كورونا نفسه. ولذلك بدأ البحث عن بعض الحلول المعقولة التي تخفف من انتشار المرض دون تدمير الاقتصاد والتي يمكن البدء بتطبيقها بشكل سريع بعد بضعة أسابيع مع بداية فصل الصيف، والتي قد تتضمن عودة الشباب وكل من تم شفاءه من كورونا وكل من لديه مخاطر منخفضة من مضاعفاتها للعمل، مع استمرار إجراءات الوقاية المطلوبة في هذا الوباء من ناحية النظافة والابتعاد لمسافة كافية عن الآخرين، بحيث تقتصر إجراءات العزل فقط على الأشخاص الأكثر عرضة لمضاعفات المرض، حتى تعود الحياة بشكل أقرب ما يكون إلى الطبيعي. كما قدّمت الولايات المتحدة حتى الآن نموذجا لافتا في التعامل الاستراتيجي الشامل والشفّاف في مواجهتها لوباء كورونا، وكما ينتظر العالم من علمائها وأطبائها إيجاد علاج للمضاعفات الخطرة لهذا الفيروس قبل الشتاء المقبل، وإيجاد لقاح يقضي عليه قبل الشتاء الذي يليه، فإن الآمال اليوم معقودة عليها وعلى حلفائها في دول الغرب لإيجاد طريقة يتحقق فيها التوازن بين أنجح السبل لمواجهة وباء كورونا على المستوى الصحّي مع دفع أقل ثمن اقتصادي مقابل تحقيق لذلك.
مشاركة :