لم يكن فيروس كورونا "كوفيد – 19" هو الخطر الأول الذى هدد حياة البشرية فى العصر الحديث، فقد سبقته العديد من الأمراض التى كادت أن تعصف بالوجود البشرى وحصدت الآلاف بل الملايين من الأرواح، ولكن مع تقدم الأبحاث العلمية ومثابرة الجهد البشرى على وجود نتائج إيجابية تحجم من الآثار السلبية الناتجة عن هذه الأوبئة على حياة البشر. فمنذ القدم، مثلت حمى الملاريا تحديا كبيرا لعديد من الحضارات، وبحسب مؤرخين، فقد أدى هذا المرض، الذي تتراوح أعراضه أساسا بين الصداع والغثيان والحمى وفقر الدم، إلى تراجع عدد سكان في كبرى المدن بالإمبراطورية الرومانية وبلاد الإغريق. وما بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، قدّم الطبيب الإغريقي أبقراط (Hippocrates) وصفا لأعراض هذا المرض واتجه للربط بينه وبين عدد من العوامل المناخية والبيئية. أما في بالعصور الوسطى، فاتجه الأطباء لعلاج الملاريا عن طريق الإقياء وثقب الجمجمة للحد من الصداع والأوجاع، بدلا من مساعدة المرضى. وتسببت هذه الطرق في سوء حالتهم كما عجّلت بوفاة العديد منهم. أيضا، حصل هذا المرض على اسم مالاريا بالعصور الوسطى انطلاقا من اللغة الإيطالية وفقا لتقرير بـ العربية، حيث اشتق الاسم من كلمات mala aria أي الهواء السيئ بعد أن تم الربط بينه وبين المستنقعات. وأواخر القرن التاسع عشر، عرفت الأبحاث حول الملاريا تقدما ملحوظا، ففي عام 1880، لاحظ الطبيب الفرنسي شارل لويس ألفونس لافران (Charles Louis Alphonse Laveran) وجود طفيليات بدم أحد المصابين بالملاريا بالجزائر. وخلال السنوات القليلة التالية، تحدّث العالم الكوبي كارلوس فينلي (Carlos Finlay) عن دور البعوض في نقل الملاريا للإنسان. كما انتظر العالم قدوم الطبيب البريطاني السير رونالد روس (Ronald Ross) لمعرفة تفاصيل هذا المرض حيث تمكّن الأخير من تقديم معلومات هامة حول الملاريا ساهمت في تقليص عدد الوفيات بسببه وفتحت الطريق للقضاء عليه. وفي عام 1874، التحق رونالد روس بكلية مستشفى سانت بارثولوميو الطبية بلندن واجتاز سنة 1879 وهو في التاسعة والعشرين من عمره امتحان كلية الجراحين الملكية بإنجلترا وبعد تدريب استمر بضعة أشهر بكلية الطب العسكرية دخل روس الخدمة العسكرية بفرقة الأطباء التابعة للجيش البريطاني الهندي بالهند التي كانت حينها مستعمرة بريطانية فشارك سنة 1885 بالحرب الأنجلو بورمية الثالثة قبل أن يتوجه للندن لدراسة البكتيريولوجيا ما بين عامي 1888 و1889 ويعود مجددا للهند ليكرّس جانيا هاما من وقته لدراسة مرض الملاريا بتشجيع من الطبيب الأسكتلندي باتريك مانسون (Patrick Manson). كذلك حقق رونالد روس أولى نجاحاته سنة 1895 حيث تمكّن الطبيب الإنجليزي حينها من ملاحظة وجود الطفيليات المسببة للملاريا داخل معدة بعوضة. وبعدها بعامين، أجرى روس تجربة ثانية ناجحة. فمقابل مبلغ مالي بسيط، وافق رجل هندي مصاب بالملاريا على التعرض للسعة بضع بعوضات غير حاملة للمرض أحضرها رونالد هوس معه. لاحقا، أجرى الطبيب البريطاني عملية تشريح على هذه البعوضات المصابة وأكد وجود الطفيليات المسبة للملاريا بجهازها الهضمي وتحدّث بعد جملة من الملاحظات عن نمو وتطور هذه الطفيليات خلال الأيام التالية. ونشر رونالد هوس نتائج أبحاثة بالمجلة الطبية البريطانية أواخر العام 1897 قبل أن يواصل تجاربه حول الملاريا بمدينة كالكوتا (Calcutta) الهندية. سنة 1898، استخدم الطبيب هوس الطيور بتجاربه وأجرى أبحاثا على ملاريا الطيور أكد من خلالها اعتماد البعوض على غدّته اللعابية كخزان للطفيليات المسببة للملاريا وتحدّث عن إطلاق الغدة اللعابية لهذه الطفيليات وإرسالها نحو جسم الضحية أثناء عملية اللسع. بفضل أبحاثه، حدّد رونالد روس طريقة انتقال مرض الملاريا للإنسان ونوع البعوض المسؤول عن ذلك كما حدّث عن دورة حياة الطفيليات المسببة للملاريا مساهما بذلك في فتح الطريق أمام الحد من انتشار هذا المرض وإنقاذ أرواح البشر من مرض أرعبهم على مدار قرون. تكريما على إنجازاته وأبحاثه حول مرض الملاريا، حصل الطبيب رونالد روس سنة 1902 على جائزة نوبل في مجال الطب ليكون بذلك ثاني شخص بالعالم وأول بريطاني يحصل على هذه الجائزة.
مشاركة :