عدو لا يرى بالعين المجردة مجهري في الدّقة؛ ولكن وضع البشر أمام مرآتهم؛ ليروا أنَّهم بمجرد كحة قد يخطفهم الموت الذي يدور حول أنفاس المدينة، بمجرد عطسة يسقط عملاق الكبرياء الذي بُني من أسقف الغرور، في هذه الأثناء بينما المرض يتسارع في الانتشار، وكأنَّه يقتص من البشر أنفسهم أفكارهم؛ معتقداتهم، معادنهم، و أخلاقهم؛ رجع بركان مايُسمَّى "أدب الأوبئة" بالفوران؛ فنرى البشر فجأة عادوا أدراجًا وفتحوا الكتب القديمة، و رُبَّما روايات لم يفكروا يومًا بالمرور عند عالمها بغض النَّظر عن المهووسين فيها، في هذا الوقت الأغلب أخذ فضوله يُمحص تلك القصص المحكية بنبوءات أو رُبَّما صدفة، و يبحث قلقهم بين السُّطور يُخيل له نهاية الزَّوبعة التي نعيشها الآن مكتوبة هناك؛ فكما أنَّها أصبحتْ ظاهرة روتينية كُلَّما انتشر وباء جديد على مرِّ التَّاريخ؛ ولكن من جانب آخر نجد كأنَّ الأدب رفع رايته؛ ليثبت قوة نبؤاته ومقدرته على حلِّ المشاكل بسهولة في وقت أقصر مِمَّا نحن حقًا نصارعه كقدرته على التَّعبير بأريحيةٍ عن كُلِّ نَفَسٍ لا يستطيع أن يقفَ ليتكلم ويصرخ!! وهذه الظَّاهرة تجعلنا نتساءل: عن كيف تحدَّث الأدب عن الأوبئة بشكلٍ عام؟ وهل حقًا تنبأت روايات عن هذا الوباء الذي نحن نُعاصره الآن؟ فحينًا تكشف لنا رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي/ آلبير كامور حيث في عام 1947م صُدرت، و استخدم الكاتب كلمة "الطاعون" لتصف الوباء الذي انتشر حول العالم، وانتهى بقتل الملايين من البشر، ومع تفشي "فيروس كورونا المستجد" وسائل الإعلام رصدت إقبالًا ملفتًا من الإيطاليين على شرائها إلى جانب بعض الرِّوايات كـ " العمى" ل"جوزيه ساراماجو" التي تحدثت عن وباء غامض يُصيب أهل المدينة فجأة، ما أن يتحول لمأساة؛ فقد رسمتْ بدقةٍ معنى مصطلح العمى الفكري والأخلاق والمبادئ البشرية. وكذلك تأخذنا رواية " الموقف" ل"ستيفن كنغ" لتكشف أحداثها نهاية العالم بعد أن تسبَّب في الكارثة إطلاق سلالة من الأنفلونزا المعدلة؛ فتقضي الجائحة على العالم كحرب بيولوجية، وبين هذه الزَّوابع يلفتنا الأكثر غرابة وجدل التي تسبَّبت به رواية " عيون الظلام" للكاتب الأمريكي/ دين راى كونتز، التي نشرها عام 1981م، مدة أربعين عامًا من الزَّمن، والآن تتصدر المرتبة الأولى في البيع، وحديث الصُّحف و مواقع التَّواصل، و حيث يجدون خيط اللغز أولئك الملهوفين عن البحث لما خلف السُّطور؛ التي رُبَّما ليست مكتوبة أو تكون معدلة حديثًا بطبعتها؛ لتبدو أنَّها تنبأت بما يحدث الآن حيث تفشي فيروس كورونا المستجد فتصب الدَّهشة على القراء! وغيرها من الكتب التي تحمل في سطورها الحديث عن فيروس، ووباء، وبشر، وغموض، ومجهول، وإنسانية ونهاية حتمية! في ظل الجائحة المتفشية وإزهاقها الأرواح، هي كأنَّها أخذت استراحة من البشر، توقفتْ وتركتهم في مواجهة مع آدميتهم، نعم، أعني الحياة وقفت وتركت الجمهور مع الممثلين على المسرح لم تغلق السِّتار، وكأنَّها تعبتْ من لهو البشر ورحلتْ تركتهم يُصاروعن عقولهم، ويفيض كُلّ شخص بما عنده؛ ليفسرَ ويحللَ ويثبت، وقد يكون دون جدوى ليُعيد الكَرَّة والكرَّة؛ ليصبو للهدف بعد إذنٍ من الله، و قد تكون صفعة له ليعرف معنى هشاشة الإنسان و أنَّه مجرد ذلك الضَّعيف الذي يستند على قدرة الله كما قال سبحانه ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ). [النساء: 28]. ويأخذني ماقاله وليم هازلت: "أنَّ أدب أيّ أمّة هو الصُّورة الصَّادقة التي تنعكس عليها أفكارها" ليرأودني التَّساؤل: هل ستكون تلك الرِّوايات التي ستُكتب في زمن الكورونا تُجسد حقًا عصرنا هذا، هل سيُدون الأدب كُلّ العبث الذي يجوب الحياة، هل سيقص كُلّ تلك السَّلبيات والإيجابيات من الأفكار المتفشية، والثَّقافات الضَّائعة، و يُوثق تلك الخزعبلات التي تختبئ خلف عباءة الدِّين، و هبوط وعي معظم البشر، وتشتت الإنسانية؟ أخيرًا هل حقًا سيجد الأدب مايُغريه ويُلهمه في كيفية صياغة هذا العصر وتقديمه لأصحاب العصر أنفسهم، ولمَ بعد إن كان هناك بُعْد؟؟
مشاركة :